313
تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها
الجزء الثالث في تاريخ سيناء القديم والحديث
الفصل الرابع في تاريخ مملكة النبط في البتراء وعلاقتها بسيناء قديما وحديثا
القلم النبطي وبحث في اللغات والأقلام الشرقية
واما كون النبط قد كتبوا باللغة الآرامية فليس بدليل على أنهم آراميون إذا لغة التدوين عند قوم لا تدل دائما على جنسهم أو لغتهم . فإن جميع المتكلمين باللغة العربية الآن على أختلاف لهجاتهم وأجناسهم يكتبون باللغة الفصحى التي هي لغة قريش وليست قريش إلا فرعا صغيرا منهم بل إن كثيرا من متكلمي العربية الآن أعاجم أصلا وفرعا . ثم إن اللغة اللاتينية التي هي لغة الدولة الرومانية ظلت لغة العلم والنقش على الآثار في أوربا كلها أجيالا بعد ذهاب دولتها .
واما اختيار النبط اللغة الآرامية فيحتاج إلى تمهيد تعليلي : يقول العارفون باللغات الشرقية أن اللغات الكلدانية والسريانية والعبرانية " التي غدت الآن لغات طقسية " والعربية والحبشية " اللتين لا تزالان حيتين " أخوات لأم واحدة أو فروع لأصل واحد تنوعت بتنوع المكان والزمان . وبعبارة أخرى إن في ألفاظ هذه اللغات واشتقاقاتها وتراكيتها وصرفها ونحوها من التشابه والتقارب ما لا يترك أقل ريب في أن أصلها البعيد واحد . وقد عرفوه " بالأصل السامي " نسبة إلى سام بن نزح . ثم إن اللغتين الكلدانية والسريانية هما في الحقيقة لغة واحدة وإنما تختلفان في قاعدة الكتابة واللهجة . وأما اختلافهما في اللهجة فهو كاختلاف اللهجات العربية في مصر والشام والعراق وتونس . والفصل الأعظم المميز لكل منهما اختلافهما في لفظ الألف فإن الكلدان ينطقون بها صريحة فيقولون في لفظ " إله " مثلا " ألاها " والسيان ينحون بها إلى الواو " ألوهو " وهذه الألف كثيرة في لسانهم ولهذا كان الفرق بينا في كلامهم . فاللغة المكتوبة واحدة تماما في صرفها ونحوها وبيانها في ص 473
السريانية والكلدانية وإنما تختلف قليلا في كتابتها وقراءتها فكل فريق يكتبها على قاعدته ويقرأها على لهجته .
قالوا وهذه اللغة عينها هي المعروفة " باللغة الآرامية " نسبة إلى أرام بن سام . وقد كانت لغة مملكة الكلدان الأولى أو مملكة بابل . فمملكة أشور . فمملكة الكلدان الثانية في العراق والجزيرة كما كانت لغة مملكة أرام في دمشق الشام . ولكنها تحولت عن أصلها القديم وتطورت على ألسنة متكلميها في تلك الممالك مع الأيام شأن جميع اللغات حتى صارت إلى ما هي عليه الآن في فرعيها القريبين الكلدانية والسريانية .
وقد كتبت قديما بالقلم المسماري أو السفيني , سمي بذلك لأن حروفه تشبه المسمار أو السفين . ثم لما اخترع أجدادنا الفينيقيون النجباء الحروف الهجائية وعمت العالم المتمدن لسهولتها اختارها الأراميون وكتبوا بها لغتهم وانتسخ القلم المسماري
أما اللغة الفينيقية فقالوا إنما هي لهجة من لهجات اللغة العبرانية . وقد صدق ما قلت في السريانية والكلدانية العلامة المطران يوسف دريان الماروني السرياني والخوري بطرس عالد الكلداني في مصر وهما من الثقات باللغات الشرقية .
ومن الثابت المؤكد الآن أنه في القرون الأخيرة قبل الميلاد والقرون الأولى بعده كانت اللغة الآرامية لغة المخابرات السياسية والتجارية ولغة التدوين في جميع بلاد العراق وسوريا وشمال جزيرة العرب كما كانت اللغة اليونانية في ذلك العهد وتلك البلاد لغة العلوم والآداب . قالوا وكان العرب في شمال الجزيرة يخالطون الآراميين بالتجارة والسياسة ولم يكن لهم قلم يكترون به فاضطروا إلى تعلم اللغة الآرامية واستخدام قلمها . وتفرع القلم الآرامي بذلك إلى بضعة فروع منها القلم السامري في السامرة " وفيه كتبت التوراة السامرية " والقلم التدمري في تدمر والقلم النبطي في البتراء .
وبقي العرب يستخدمون القلم الآرامي إلى أن قام الإسلام في جزيرة العرب ودوخوا البلدان فدونوا لغتهم وأصبحت اللغة العربية لغة المخابرات السياسية والتجارية والتدوين بدل اللغة الآرامية في جزيرة العرب كلها وفي جميع البلاد التي افتتحها العرب المسلمون في سوريا ومصر والعراق وتونس وغيرها .
ص 474
هذا وقد كان المشهور إلى هذا العهد أن لغة المصريين القدماء حامية غير سامية ولكن العلامة أحمد بك كمال المتضلع في اللغة الهيروغليفية يؤكد أن اللغة المصرية القديمة واللغة العربيةهما من أصل واحد وأن كثيرا من ألفاظ اللغتين ومبانيهما واحد فاليد في لفظهم يد والعين عين والأصبع صباع ونحو ذلك وهو الآن يؤلف معجما للغة المصرية القديمة لإثبات هذا القول .
وقال في " القلم الهيروغليفي " : إن المصريين القدماء في الدور المعروف بالدور المجهول أودور الهنة سكنوا بين الشلال الأول ومنف عند مفترق النيل وشرعوا في تدوين لغتهم فجعلوا لكل اسم أوفعل صورته للدلالة عليه فرسموا الشمس للدلالة على الشمس والقمر للدلالة على القمر واليد تحمل سوطا للدلالة على الحدث ونحو ذلك . ثم وجدوا إن الصور وحدها لا تفي بالمراد إذ لا يعلم منها ألفاظ اللغة فاتخذوا من الصور حروفا تعبر عن النطق وكتبوا بها الألفاظ وجعلوا رسم كل اسم أو فعل بعد لفظه تأييدا له . وهذا هو " القلم الهيروغليفي " في أصله . وفي حوال الدولة الحادية عشرة اختزلوا هذا القل لصعوبة التدوين به وسموه " القلم الهيراطيقي " . ثم في حوالي الدولة الحادية والعشرين اختزلوا هذا القلم وسموه " القلم الديموطيقي " . ثم لما تولى اليونان مصر كتبوا اللغة المصرية بالحروف اليونانية المأخوذة عن الحروف الفينيقية وزادوا عليها بعض الحروف التي تنقص اليونانية للتعبير عن جميع ألفاظ اللغة المصرية فكان من ذلك " القلم القبطي " الذي أصبح الآن قلما طقسيا كنسيا . وأما الأقباط فإنهم الآن يكتبون ويتكلمون اللغة العربية إلا من ندر .
ويقول العارفون بالخطوط العربية أن العرب قديما كانوا في بلاد سبأ واليمن يكتبون بالقلم الحميري أو المسند وأما في الحجاز فلم يكن لهم قلم يكتبون به حتى نزل حرب بن أمية القرشي جد معاوية بن أبي سفيان الحيرة فرأى أهلها يكتبون العربية بالقلم الآرامي النبطي فنقل هذا القلم إلى الحجاز وذلك قبل ظهور الإسلام بقليل . ولما ظهر الإسلام لم يكن من يحسن الخط في مكة والمدينة إلا نفر معدود . ثم بنيت الكوفة وزهت في صدر الإسلام فاشتهر القلم العربي باسم القلم الكوفي وانتشر في البلاد .
ص 475
الإسلامية كلها لشهرة أهل الكوفة إذ ذاك بالعلوم والآداب . وقد تنوع هذا القلم بحسب الزمان والمكان حتى صارت قواعده تعد بالعشرابت . وفي أثناء ذلك قام في الإسلام بعض الكتاب فابتكروا قواعد في الخط أسهل وأوضح من القاعدة الكوفية فأهملت هذه القاعدة تدريجا حتى انقرضت في نحو سنة 930هـ 1524م وأشهر الكتاب المبتكرين في القلم العربي : ابن مقلة البغدادي المتوفى سنة 328 هـ وابن البواب المتوفى سنة 413 هـ . وابن عبد الملك المتوفى سنة 698 هـ وابن الشيخ الذي عاش في القرن الثامن للهجرة . ثم كانت الدولة العثمانية فاشتهر فيها القاعدة الفارسية والرقعة . وأشهر القواعد المستعملة الآن في مصر وسوريا والعراق هي : النسخ والرقعة والثلث والفارسي . ثم إن لكل من عرب السمن والحجاز والمغرب والسودان قاعدة خاصة يكتبون بها تميزها عن غيرها . ص476
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق