86
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: فزاد غضب جبلة من كلام خالد وقال له: ستعلم أن كلامك عليك ميشوم إذا دارت بك الأسنة وبقيت أنت ومن معك طعامًا للوحوش في هذه الفلاة تمزقكم بكرة وعشيًا فقال له خالد: ذلك لا يكثر علينا وهو سهل لدينا.
فأنت من العرب التي قد نسبت لعبادة الصليب لقال: أنا سيد بني غسان ومن ملوك همدان أنا ملك غسان وتاجها أنا جبلة بن الأيهم فقال خالد: أنت المرتد عن دين الإسلام ومن اختار الضلالة على الهدى وسلك سبيل الغي وضل وغوى فقال جبلة: لست كذلك أنا الذي اخترت العز على الذل والهوان فقال خالد: فإنك على ذل نفسك حريص وإنما الكرامة غدًا في دار البقاء والبعد عن دار الشقاء فقال جبلة: يا أخا بني مخزوم لا تفرط علينا في المقال فإنما بقائي عليك وعلى أصحابك بسبب هذا الأسير الذي في يدك لأني أخاف إن حملت عليكم قتلته قبل قتلك وهو معظم عند الملك هرقل وقريب عنده في النسب فأطلقه من يدك حتى أجود عليكم بأنفسكم فقال خالد: أما أسيري فلا أطلقه من يدي حتى أقتله ولا أبالي بما صنع بي بعده وأما قولك تحمل علي وعلى من معي بهذه المجوع فما أنصفت في المقال فإذا أردت النصفة في القتال فجمعكم عظيم وعددكم كثير ونحن عشرة رجال وقد أحدقت بنا أعنت خيولكم وأسنة رماحكم وطيال سيوفكم فأبرزوا فارسًا لفارس وهذا أميركم فإن قتلتمونا فقد خلصتم أسيركم وإن أظفرنا الله وما النصر إلا من عند الله فما يعظم عليكم هلاك أسيركم إذا هلكت أنفسكم قبله.
قال الواقدي: فعند ذلك نكس جبلة رأسه وأقبل يحدث صاحب عمورية بجواب خالد بن الوليد رضي الله عنه فغضب صاحب عمورية غضبًا شديدًا وانتضى سيفه فلما نظر خالد بن الوليد إلى البطريق وقد جرد سيفه علم أنه يريد القتال فلما هم صاحب عمورية بالحملة أمسكه جبلة ومنعه محن الحملة وأوقفه تحت صليبه وأقبل جبلة على خالد بن الوليد وقال: يا أخا بني مخزوم إن الحرب كما ذكرت تحتمل النصفة وهؤلاء بنو الأصفر أعلاج الروم غنم ما يعرفون النصفة في البراز وقد حدثتهم بحديث معي وقد رضوا منك بالمبارزة فمن أراد منكم المبارزة فليبرز.
قال رافع نحن عميرة الطائي: فعزم خالد بن الوليد أن يبرز فمنعه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: يا أبا سفيان وحق القبر الذي ضم أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق شيبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يبرز لهؤلاء القوم غيري وأبذل المجهود فيهم فلعلي ألحق بأبي بكر الصديق فتركه خالد قال: اخرج شكر الله مقالك وعرف لك فعالك.
قال: فخرج عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو على فرس كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان دفعه له من قسمة غنيمة وقعة أجنادين وكان الجواد من خيل بني لخم وجذام من العرب المتنصرة وكان كالطود العظيم وعبد الرحمن غارقًا في الحديد والزرد النضيد وبيده قناة تامة الطود فجال عبد الرحمن بجواده بين عساكر الروم والعرب المتنصرة ودعاهم إلى القتال والبراز والنزال وقال: دونكم والقتال فأنا ابن الصديق ثم جعل يقول: أنا ابن عبد الله ذي المعالي والشرف الفاضل ذي الكمال أبي المجيد الصادق المقال أبت هذا الدين بالفعال ثم طلب البراز.
قال رافع بن عميرة: فخرج إليه خمسة فوارس من شجعان الروم فما كان يجول عبد الرحمن على الفارس إلا جولة واحدة فيصرعه قتيلًا فلما قتل الخمسة فوارس توقفوا عنه فهم بالحملة على عسكر الروم فخرج إليه جبلة بن الأيهم وقد اشتد في الغضب فلما قرب من عبد الرحمن قال له: يا غلام قد تعديت علينا في فعالك وبغيت علينا في قتالك قال عبد الرحمن: وكيف ذلك وما البغي من شيمتنا قال جبلة: لأنك قد ملأت الأرض من قتلانا وما خرجت إليك أقاتلك لأنك لست لي كفؤًا في القتال وإنما خرجت إليك لأن رجلًا من أصحابك قد خرج يعينك وليس هذا من شيم الأشراف والإنصاف.
قال: فلما سمع عبد الرحمن كلام جبلة تبسم وقال: يا ابن الأيهم تريد أن تخدعني وأنا تربيه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد شهدت معه الوقائع والقتال.
فقال جبلة: لست مخادعًا وما قلت إلا حقًا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق