78
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: واتفق أهل قنسرين والبطريق على صلح المسلمين وفي قلوبهم الغدر.
قال وإن لوقا البطريق دعا برجل من أصحابه اسمه اصطخر وكان قسيسًا عالمًا بدين النصرانية فصيح اللسان قوي الجنان يعرف العربية والرومية وقد عرف الدينين اليهودية والنصرانية.
فقال لوقا: يا أبانا سر إلى العرب وقل لهم يصالحونا سنة كاملة حتى نبعد القوم بالحيلة والخداع.
ثم كتب الكتاب إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه.
فقال بعد كلمة كفره: أما بعد يا معاشر العرب إن بلدنا منيع كثير العدد والرجال فما تأتونا من قبله ولو أقمتم علينا مائة سنة ما قدرتم علينا وإن الملك هرقل قد استنجد عليكم من حد الخليج إلى رومية الكبرى ونحن قد بعثنا إليكم نصالحكم سنة كاملة حتى نرى لمن تكون البلاد ونحن نريد منكم أن تجعلوا بيننا وبينكم علامة من حد أرض قنسرين والعواصم حتى إذا همت العرب بالغارة بدت العلامة تريكم حد أرضنا ونحن نصالحكم خفية من الملك هرقل لئلا يعلم فيقتلنا والسلام.
ثم خلع على اصطخر خلعة سنية وأعط بغلة من مراكبه وعشرة غلمان وسار حتى وصل إلى حمص فرأى الأمير أبا عبيدة رضي الله عنه يصلي بالمسلمين صلاة العمر فوقف اصطخر ينظر ما يفعلون ويحجب من ذلك فلما فرغوا من صلاتهم ونظروا إلى القسيس وثبوا إليه وقالوا له: من أنت ومن أين أقبلت.
فقال: أنا رسول ومعي كتاب فمثلوه بين يدي أبي عبيدة فهم القسيس بالسجود له فمنعه أبو عبيدة رضي الله عنه من ذلك وقال له: نحن عبيد الله عز وجل فمنا شقي ومنا سعيد {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} [هود: 106، 107]. فلما سمع اصطخر ذلك بهت وبقي لا يرد جوابًا وهو متعجب مما تكلم به الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه فناداه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال له: ما شأنك أيها الرجل ورسول من أنت فقال اصطخر: أأنت أمير القوم فقال خالد: لا بل هذا أميرنا وأشار إلى أبي عبيدة رضي الله عنه.
فقال اصطخر: أنا رسول صاحب قنسرين والعواصم ثم أخرج الكتاب ودفعه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فأخذه وقرأه على المسلمين فلما سمع خالد بن الوليد رضى الله عنه ما في الكتاب من صفة مدينتهم وكثرة علاهم ورجالهم وتهديدهم بجيوش الملك هرقل حرك رأسه وقال لأبي عبيدة: وحق من أيدنا بالنصر وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الطاهر إن هذا الكتاب من عند رجل لا يريد الصلح بل يريد حربنا ثم قال لاصطخر: تريدون أن تخدعونا حتى إذا جاءت جنود صاحبكم ورأيتم القوم وقد جاءتكم نقضتم صلحنا وكنتم أول من يقاتلنا وإن رأيتم الغلبة لنا هربتم إلى طاغيتكم هرقل فإن أردتم ذلك فنواعدكم الحرب مواعدة من غير أن يكون صلحًا سنة كاملة فإن لحق بكم جيش هذه السنة من الملك هرقل فلا بد من قتاله فمن أقام في المدينة ولم يقاتل مع الجيش فهو على صلحنا لا نتعرض له.
قال اصطخر: قد أجبناكم إلى ذلك فاكتبوا لنا كتابًا بذلك.
فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أيها الأمير اكتب لهم كتابًا بمواعدة الحرب سنة كاملة أولها مستهل شهر في القعدة سنة أربع عشرة من الهجرة النبوية.
قال: فكتب له أبو عبيدة رضي الله عنه بذلك فلما فرغ من الكتاب.
قال له اصطخر: أيها الأمير حد بلادنا معروف وبإزائنا صاحب حلب وبلاده بحد بلادنا ونريد أن تجعل لنا علامة فينا بيننا وبينكم حتى إذا طلب أصحابكم الغارة لا يتجاوزون ذلك.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق