68
فتوح الشام ( للواقدي )
فرفع يده إلى السماء وقال: حتى يشاء صاحب هذه الخضراء فأعجبنا كلامه وسرنا والدليل بين أيدينا إذ أتى بنا إلى واد كثير الشجر والماء أمرنا أن نكمن فيه ثم قال لعبد الله بن جعفر: إني ذاهب أجس لكم الخبر.
فقال له عبد الله: أسرع في مسيرك وعد إلينا بالخبر.
قال فانطلق مسرعًا وأقام عبد الله بن جعفر يحرس المسلمين بنفسه إلى الصباح.
قال: فلما أصبحنا صلينا صلاة الصبح وجلسنا ننتظر رجوع الرسول فلم يأت وأبطأ خبره علينا فقلق المسلمون عليه لاحتباسه وخافوا من المكيدة ووسوس لهم الشيطان وساءت بالدليل الظنون فما من المسلمين إلا من ظن بالمعاهد شرًا إلا أبا ذر الغفاري رضي الله عنه فإنه قال: ظنوا بصاحبكم خيرًا ولا تخافوا منه كيدًا ولا مكرًا إن له شأنًا تعلمونه.
قال فسكت الناس بعد ذلك وإذا بصاحبهم قد أقبل.
قال واثلة بن الأسقع: فلما رأيناه فرحنا به وظننا أنه يأمر بالنهوض إلى العدو فأقبل حتى وقف وسط المسلمين.
وقال: يا أصحاب محمد وحق المسيح ابن مريم أني لا أكذبكم فيما أحدثكم به وإني رجوت لكم الغنيمة وقد حال بينكم وبينها ماء.
فقال له عبد الله رضي الله عنه: وكيف حيل بيننا وبينها قال: حال بينكم وبينها بحر عجاج وذلك أني أشرفت على السوق وقد قام فيه البيع والشراء فاجتمع فيه أهل عين النصرانية وقد دار أكثرهم بالدير دير أبي القدس واجتمع إليه القسس والرهبان والملوك والبطارقة فلما نظرت إلى ذلك لم أرجع حتى اختبرت ما السبب الني تجمعت له الخلق زيادة على كل سنة وذلك أني مضيت واختلطت بالقوم وإذا بصاحب طرابلس قد زوج ابنته ملكًا من ملوك الروم وقد أتوا بالجارية إلى الدير ليأخذوا لها من راهبهم قربانًا وقد دار بها فرسان الروم المتنصرة في عددهموعديدهم كل ذلك خوفًا منكم لأنهم يعلمون أنكم بأرض الشام: يا معاشر المسلمين وما أرى لكم صوابًا أن تصلوا إلى القوم لأنهم خلق كثير وجم غفير وجمع غزير.
فقال عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: في كم يكون القوم وكم حزرتهم فقال: أما السوق ففيه أكثر من عشرين ألفًا من عوام الروم والأرمن والنصارى والقبط واليهود من مصر والشام وأهل السواد والبطارقة والمتنصرة وأما المستعدون للحرب فخمسة آلاف فارس فما لكم بالقوة طاقة وإن وقع الصائح في بلادهم انضاف إليهم أمثالهم فإن بلادهم متصلة بهم وأما أنتم فعمدكم يسير والعرب منكم بعيد.
قال الواقدي: فصعب ذلك على عبد الله بن جعفر وعلى المسلمين وسقط في أيديهم وهموا بالرجوع.
فقال عبد الله بن جعفر: معاشر المسلمين ما الذي تقولون في هذا الأمر فقالوا: نرى أن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة كما أمر ربنا في كتابه العزيز ونرجع إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه والله لا يضيع أجرنا.
قال فلما سمع عبد الله قولهم قال: أما أنا فأخاف إن فعلت ذلك أن يكتبني الله من الفارين وما أرجع أو أبدي عفرًا عند الله تعالى فمن ساعدني فقد وقع أجره على الله ومن رجع فلا عتب عليه فلما سمعوا ذلك من عبد الله بن جعفر أميرهم وبذل مهجته استحيوا منه وأجابوه بأجمعهم وقالوا: افعل ما تريد فما ينفع حذر من قدر ففرح بإجابتهم ثم عمد إلى درعه فأفرغه عليه ووضع على رأسه بيضة وشد وسطه بمنطقة وتقلد بسيف أبيه واستوى على متن جواده وأخذ الراية بيده وأمر الناس بأخذ الأهبة فلبسوا دروعهم واشتملوا بسلاحهم وركبوا خيولهم وقالوا للدليل: سر بنا نحو القوم فستعاين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبًا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق