383
فتوح الشام ( للواقدي )
قال: حدثنا من شهد فتح المدائن قال: خرجنا بعد فتح القصر الأبيض وكان قد تحصن به رجال من المرازبة وكانوا أشد جلدًا وأقوى عزيمة من جميع الفرس وتحالفوا أنهم لا يسلمون أبدًا والذين حصلوا وتولوا حصارهم كتيبة الأهواز وهي كتيبة القعقاع.
فلما رأينا عزمهم على الموت بعدنا عن نشابهم وحجارة مجانيقهم وطال علينا ذلك وشكونا ذلك إلى سعد وقلنا له: قد حرمنا الجهاد بحصارنا لهؤلاء الأعلاج فقال سعد لسلمان: تقدم إليهم ودبر شيئًا فيه مصلحة للمسلمين وأمنهم فتقدم إليهم سلمان وكلمهم بالفارسية فأمسكوا عن رميه وقالوا له: من أنت فقال: أنا رسول من المسلمين اعلموا أن الرجل يقاتل عن نفسه وماله وولده إذا رجا الخلاص وما أرى لكم من خلاص قط وهذا الملك قد انهزم وأخذنا مملكته وخزائنه وما بقي في المدائن أحد غيركم فاتقوا الله في أنفسكم ولا تهلكوها وسلموا لنا هذا الحصن ولكم الآمان إلى أي جهة توجهتم لا يعارضكم منا أحد.
قال فلما سمعوا قوله قالوا: لا نسلم حتى نهلك عن آخرنا ثم رموا سلمان بالنشاب فقرأ {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا} [الأحزاب: 25]. وأشار إلى النشاب بيده فذهبت السهام يمينًا وشمالًا ولم يصبه منها شيء.
قال: فلما رأوا ذلك قالوا: زنهار فبحق ما تشير إليه من أنت قال: أنا روزنة وقد عمرت أربعمائة سنة ولحقت آخر أيام عيسى ابن مريم وطفت الأرض حتى لحقت بنبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم.
فلما أتيته أكرمني وخدمته فعظمني حتى أنه جعلني من أهل بيته.
فقال: (سلمان منا أهل البيت). قلما سمعوا قوله وحققوا معرفته علموا أنه كان من عظماء أهل دينهم.
قال فصقعوا له وقالوا: والله ما نخفي عليك شيئًا من أمرنا وسبب قتالنا ليس بسبب مال ولا متاع وإنما الملك قد مضى يريد نهاوند ولم يقدر على أخذ ابنته معه وهي مريضة وقد سلمها إلينا فلزمنا عن أمرها ما لزم فإن كنتم تعطون الأمان عليها سلمنا لكم وإلا نموت يدًا واحدة فلما سمع سلمان منهم ذلك قال: دعوا هذا الأمر حتى أشاور الأمير ثم عاد وحدث سعدًا بما سمعه.
فقال: يا عبد الله إن المسلمين قد انتشروا في العراق ونخاف أن يقع بهم أحد فلا يبقى عليهم ولكن قل لهم لكم علينا أن ندب عنكم وتكونوا في ذمامنا حتى تجاوزوا أي جهة تريدونها وبعد ذلك لا نضمن لهم ما يأتي عليهم.
قال فحدثهم سلمان بما قاله الأمير.
فقال العقلاء منهم: لولا أن العرب على حق ما نصروا علينا ومن الرأي أن نرجع إلى دبت هؤلاء العرب ونعيش في ظلهم وأن القوم لا يريدون ملكًا وقد رأيت هذا الرجل وما ظهر لكم من كرامته.
قال ففتحوا باب السر وخرجوا إلى العسكر وأتوا إلى سلمان فأتى بهم إلى سعد وأسلموا على يديه فلما جرى ذلك بكى سعد.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق