331
فتوح الشام ( للواقدي )
قال: ففرح الوالي وأقبل على يوقنا يوبخه بكلام وهو لا يرد عليه والروم تشتمه وتسبه وهو لا ينظر إليهم ولا يكلمهم إلى أن دخلوا رأس العين وأمرهم أن يجعلوهم عند الأسارى في بيعة نسطوريا وقال لهم: احتفظوا بهم حتى نكاتب الملك ويرى فيهم رأيه قال: لجعلوهم عند خالد وأصحابه.
ثم إن عاصمًا قال للوالي: أنت تعلم ما بيننا وبين هؤلاء القوم من العداوة وإن كانوا عربًا مثلنا ونخاف أنك تجعل على حفظهم أحدًا من الروم أو من الأرمن وأن يتحدثوا معهم بإطلاقهم وتدخل المضرة على الملك وعليكم والصواب أن نجعل بعضنا في البيعة وبعضنا خارجًا فإنه من أتى إلى الجهاد لا يركن إلى الراحة فإنه من تعب في الدنيا قليلًا استراح في الآخرة طويلًا.
قال: فاستصوب الوالي رأيه وأنزله في البيعة هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضاف يوقنا إلى خالد.
قال الواقدي: فحصل ستمائة فارس من المسلمين.
قال الراوي: فلما استقروا في البيعة وجن الليل قام سعيد بن زيد إلى خالد وسلم عليه وبشره بالفرج.
فقال: يا ابن زيد لقد علمت بذلك منذ قيل إن يوقنا قد أتى به ومعه أربعون فنظرت بنور الإيمان فعلمت صحة ذلك.
قال: وإن الوالي بعث إلى الملك يبشره بأخذ يوقنا ومعه أربعون من أصحابه وقدوم عاصم بن رواحة ومعه خمسمائة من أصحابه فلما بلغه الخبر أمر بالبوقات فضربت فسمعت المسلمون بذلك.
فقالوا: ما ضربت البوقات إلا لأمر مهم إذ أقبل عباد بن بشير وهو متنكر وأتى إلى عياض بن غنم فلما رآه قام إليه وسلم عليه وقال: يا ابن بشير بم تبشرني أقر الله عينيك.
فلم يرد عليه شيئًا حتى خلا به وحدثه بجميع ما جرى فلما سمع عياض بشارة عباد بن بشير سجد شكرًا لله.
فقال عباد: أيها الأمير إن سعيد بن زيد ومن معه يسلمون عليك وعلى من معك ويقول لك أنجز المصف فلعل أن يفتح على يديك فما بينك وبين فتح رأس العين إلا أن تهزم القوم وقد فتحت.
فقال عياض: توكلنا على الله.
فلما جن الليل جمع أصحاب الرايات وحدثهم وقال لهم: لا تعلموا أحد مخافة من جواسيس الروم ولا يصبح الصباح إلا وأنتم على أهبة الحرب قال: فما أصبح الصباح إلا والمسلمون قد أخذوا أهبة الحرب فلما طلعت الشمس وانبسطت على الأرض علت علي الخيل ركابها وحملت بأصحابها وشئت من الحرب نارها وطار شرارها وقطعت الجماجم واستعرت الملاحم وصالت أسودها وتعفرت حدودها وصبرت على شدة حالها وحانت منها أحوالها وتدانت آجالها فهم في الحرب متوافرون وفي العمد والعديد متقاربون وفي الزحف إلى الفزع مختلفون والعجاج ثائر والدم فائر والأسلاب مطروحة للضياع ولحوم القتلى رزق للطير والسباع ولقوة العمائم تشتكي منها الأسماع والشمس تضجر منها الجسوم والنفوس والحرب قد أخذت أمرًا بقطع الآجال وقد شمرت عن ساق وسروال والوطيس قد حميت جوانبها واستحيت عين مجانبها والصفوف تدانت إلى الهياج وقد غيبهم غيم العجاج وكل مقدم قد شد منه جيشه وتكفر بعد الصفو عيشه والخيل تكر كرات وتجتمع مرات والسيوف تقطع البيض والنفوس تكاد تميز من الغيظ والغبار قد سحب ذيلًا زنجيًا وانسبل وأسبل على الوهاد رداء سجيًا والطيور قد حامت وكأن القيامة قد قامت واستقبل المسلمون هذا الحرب الخطير والضرام المستطير فحل بالروم العقاب وسمحوا بنفوسهم ولقوا أليم العذاب ونال قال الواقدي: والتقى عبد الله بن عياض بن وائل وعبد الله بن قرط بالملك شهرياض وقد عول على الهرب وكل من في جيشه قد اشتغل بنفسه عن نصرته وليس عنده سوى عشرة من غلمانه فأطبق عليه عبد الله بن قرط وعبد الله بن عياض.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق