55
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
ذكر فتوح مصر
بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي.
قال زياد بن عامر: قال شام بن عبد الله العنبري: حدثنا سالم مولى عروة بن النعيم اليشكري قال: لما فتح عمرو بن العاص قيسارية صلحًا كان لعمر في الخلافة أربعة أعوام وستة أشهر وبلغ الخبر إلى أهل الرملة وعكاء وبلقاء وعسقلان وصيدا وعزة ونابلس وطبرية فأتى كبراؤهم إلى أبي عبيدة وأصلحوا أمرهم معه على مال لا يحصى وكذلك أهل بيروت وجبلة واللاذقية وأنفذ أبو عبيدة لعمرو بن العاص أن يسير إلى مصر بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وملك المسلمون أقاصي البلاد ببركة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعظم كرم.
قال: وسكنها العرب وتفرقوا في البلاد والمدن ودانت لهم العباد وكل يوم يزدادون فلم يبق في الشام وأعمالها مركز من مراكز الروم إلا أخذه المسلمون وتوالدوا وتناسلوا وكثروا ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن إسحق الأموي رحمه الله تعالى.
قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة عليه بالخضراء بمدينة عسقلان.
قال: أخبرنا الليث بن سعد.
قال: حدثنا نوفل بن عامر قال: أخبرني يحيى بن ساكن المدني قراءة عليه يوم الجمعة ونحن عند منبر يونس بن متى.
قال: لما فتح الله ساحل الشام على المسلمين في سنة تسع عشرة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبوا بذلك إلى أمير جيوش المسلمين أبي عبيدة عامر بن الجراح: بسم الله الرحمن الرحيم.
من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة.
أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله جل وعلا قد فتح ما كان قد بقي من الساحل وأخذنا قيسارية صلحًا وهرب منها فلسطين بن هرقل بأمواله وعياله ونحن بها ننتظر أمرك والسلام.
وكتب أيضا يزيد بن أبي سفيان بما تتم ليوقنا في صور وأن الله قد عضد الدين ووصل الكتابان إلى أبي عبيدة وقد رحل من حلب يريد طبرية فوصل إليه الخبر وهو نازل على الزراعة فلما قرأ الكتابين تهلل وجهه فرحًا وضج المسلمون بالتهليل والتكبير وكتب من وقته وساعته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبشره بما فتح الله على المسلمين وبما فعله يوقنا ووجه الكتاب مع عرفجة بن مازن فركب ناقته وسار حتى وصل المدينة.
قال عرفجة بن مازن: وعلي من ديباج الروم قباء فاخر وعلى رأسي مطرف خز مذهب.
قال: فلما أتيت المدينة ودخلتها يوم الجمعة أول ليلة من شهر رمضان قبل مغيب الشمس وعمر رضي الله عنه قد أتى يريد المسجد فلما أبركت ناقتي وعقلتها وجئته لأسلم عليه نظر إلي شزرًا وقال: من الرجل.
قلت: عرفجة بن مازن فقال: يا ابن مازن أما كان لك برسول الله أسوة حسنة وأن هذه ثياب الجبارين ومن جعل الله لهم الدنيا جنة وهذا الديباج حرام على الرجال منا ولا يصلح إلا للنساء وهذا الذي عليك تصدق به على فقراء المدينة.
أما والله لقد دخلت يومًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على سرير مرمل بشريط وليس بين جلده وبين الشريط شيء وقد أثر الشريط في نعومة جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيت ذلك بكيت.
فقال لي: يا عمر ما الذي أبكاك.
فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر يعيشان في ملك الدنيا وأنت رسول الله بهذه المثابة.
فقال: يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة.
قال عرفجة: فسلمت إليه الكتاب فلما قرأه تهللت أسارير وجهه.
قال عرفجة: ثم نزلت على خالتي عفراء بنت أبي أيوب الأنصاري وبت عندها ليلتي فلما أصبحت لم أقدر أن أقابل عمر بذلك الزي فأعطيت الثوب والعمامة لخالتي فباعتهما وتصدقت بثمنهما على فقراء المدينة قال: وسرت إلى عمر وعلي وثوب من كرابيس الشام كان تحت ثيابي فلما رآني تبسم في وجهي وقال: يا ابن مازن ما فعلت بديباجتك.
قلت: يا أمير المؤمنين باعتها خالتي وتصدقت بثمنها على المسلمين فقرأ عمر {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} [البقرة: 197]. ثم إنه كتب إلى أبي عبيدة يقول: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد فرحت بما فتح الله على المسلمين وما وعدنا به رسول الله من كنوز قيصر وسيفتح علينا من كنوز كسرى والحمد لله على ذلك كثيرًا وقد بلغني أن بادية الأعراب قد استلذوا الدنيا وزينتها وقد نصبت لهم شباك محبتها وقد تمسكوا بذيل غرورها ونسوا نعيم الجنة وقصورها ورفلوا في ثياب الديباج والخز وأكلوا الحلواء وخبز الحنطة ولهاهم ذلك عن الآخرة وقد بلغني يا ابن الجراح أنهم قد تهاونوا بالصلاة ونسوا المفترضات فجرد عليهم عتاق الخيل ذوات الهمم وأغلظ عليهم ولا تكن لهم خاملًا فيطمعوا فيك ومن أخل منهم بشيء مما فرض عليهم فأقم فيهم حدود الله واعلم بأنك راع ومسؤول عن رعيته.
قال الله عر وجل: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج: 41]. وقد قال فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبو عبيدة أمين هذه الأمة). فأعط الأمانة حقها ومن ترك صلاته فاضربه عليها ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه.
فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه اشتغالًا بالصلاة وبعظمة الله وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يقول: إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زارني فيها عمارها بالعبادة فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني فحق على المزور أن يكرم زائره). وقال صلى الله عليه وسلم: (جميع المفترضات افترضها الله علي في الأرض إلا الصلاة فإن الله افترضها علي في السماء). وإذا قرأت بكتابي هذا فأمر عمرو بن العاص أن يتوجه إلى مصر بعسكره ويقدمهم عامر بن ربيعة العامري ومشايخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضي بهم عند مشورته وأنفذ من قدرت عليه من الأرض ربيعة وديار الجد بن صالح والله أسأل أن يكون لكم عونًا ومعينًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وسلم الكتاب إلى عجرفة بن مازن وأمر له بنفقة من بيت المال.
قال عجرفة: فأخذت الكتاب وسرت به على طريق تيماء فلقيت عند بيت لحم راكبًا من أهل وادي القرى فسألهم عن أبي عبيدة فأخبروني أنه على غباغب وهو طالب طبرية قال عجرفة: أطلب الغور والجولان وأقصد طبرية قال: فالتقيت بأبي عبيدة على الأردن فسلمت عليه وناولته كتاب عمر رضي الله عنه فلما قرأه جمع المسلمين وقرأ عليهم فلما فرغ قال: ما من رجل ترك الصلاة أو أخل بشيء مما أفترضه الله عليه إلا جلدته ومن الغد أتى خالد بن الوليد من طرابلس فقرأ عليه الكتاب وأنفذه إلى عمرو بن العاص أرسل يحثه على المسير إلى أرض مصر فلما وصل إلى عمرو أخذ على نفسه بالمسير وسار معه يزيد بن أبي سفيان وعامر بن ربيعة العامري وجماعة من الصحابة وسار معه يوقنا في أربعة آلاف من أصحابه وقد وهبوا أنفسهم لله ورسوله فسار عمرو على البيداء من وراء العريش قال: وكانت أرض مصر وريفها عامرة بالديور والصوامع وكان دير الزجاج في مملكة القبط وكان معهم يومئذ المقوقس بن راعيل وكان هذا الملك من أهل الرأي والتدبير والفضل والحكمة وكان تلميذ الحكيم أعاشادمون وهو الذي لما غلبت الحيات على أرض مصر وأخربتها صنع لها جلجلًا وكان من حركة سمع صوته من مقدار ميل قال: فتخرج الحيات من حجرتها فمن هربت نجت ومن وقعت هلكت وكان المقوقس من أعلم أهل زمانه وكانت القبط معه في عيشة مرضية وكان يتوقع ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان حكيم ذلك الزمان بمصر يقال له عطماوس وهو الذي صنع دواليب الريح ورحى الهواء وكان عمر في الأجيال واطلع على مكنون الحكم والأسرار وعرف عمل صنعة الإكسير وعمل الذهب والفضة والجوهر والحركات المتحركة من نفسها بهبوب الريح وأجناس الأهوية في أجسامها وكان يجد في عمله أن الله يبعث نبيًا من أرض تهامة ينشر دينه وتعلو كلمته وتملك أصحابه البلاد فعمل في أيام راعيل أبي المقوقس هيكلًا عظيمًا على أعمدة من نحاس بمكان يعرف بعين شمس وجعل عليه أشخاصًا مجؤفة جعل وجهها إلى جهة مصر وكتب عليها بالقبطية إذا دارت هذه الأشخاص إلى جهة الحجاز فقد قرب ملك العرب قال: فبينما المقوقس راكب في بعض الأيام للصعيد وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انتهى سيره إلى عين شمس إذ هو سمع أصواتًا من الأشخاص قد علت ثم إنها حولت وجهها نحو الحجاز فأيقن بتلف ملكه وزواله فعاد من ركوبه وهو قلق ودخل الشمع وجلس على سريره وجمع القسوس والرهبان وكبراء القبط وقال لهم: يا أهل دين النصرانية اعلموا أن زمانكم قد مضى وهذا النبي المبعوث لا شك فيه وهو أخر الأنبياء ولا نبي بعده وقد بعث بالرعب ولا بد لرجل من أصحابه أن يملك ما تحت سريري هذا فانظروا إلى ملككم وأصلحوا ذات بينكم وارفقوا برعيتكم ولا تجوروا في حكمكم وأمنوا ضعفاءكم وإياكم واتباع الظلم فإن الظلم وبيل ومرتعه وخيم وأعطوا الحق من أنفسكم ولا يستطل قويكم على ضعيفكم وما دامت الدنيا لأحد من قبلكم حتى تدوم لكم وكما ملكتموها ممن كان قبلكم كذلك يأخذها منكم من كان بعدكم فأصلحوا نياتكم فيما بينكم وبين خالقكم فإن فعلتم ذلك رجوت لكم النصر على أعدائكم ومن يريدكم وإن اتبعتم أهواءكم تبين هلاككم.
قالت: حدثنا ابن إسحق عن عبد الملك عن أبيه عن حسان بن كعب عن عبد الواحد بن عوف عن موسى بن عمران عن حميد الطويل عن أبي إسحق الراوي المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وبايعه الأوس والخزرج كتب إلى ملوك الأرض وفي الجملة كتابًا إلى المقوقس ملك مصر وكان الذي كتب الكتاب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ونسخة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب مصر.
أما بعد: فإن الله أرسلني رسولًا وأنزل علي كتابًا قرانًا مبينًا وأمرني بالإنذار والأعذار ومقاتلة الكفار حتى يدينوا بديني ويدخل الناس فيه وقد دعوتك إلى الإقرار بوحدانية الله تعالى فإن أنت فعلمت سعدت وإن أنت أبيت شقيت والسلام ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه.
قال أنس بن مالك: فاستخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبعه وكان فصه عليه ثلاثة أسطر: السطر الأول محمد السطر الثاني رسول السطر الثالث الله ولا نقش أحد على خاتمه كنقشه.
قال سمرة بن عوف: قمت لحميد الطويل: أكان لخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فص أم لا.
قال: لا أدري قال: وسأل رجل جابر بن عبد الله الأنصاري فقال له: في أي يد كان يتختم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: في يده اليمنى ويقول: (اليمنى أحق بالزينة من الشمال) وفص الخاتم في يمينه
و
قال عبد الله بن عباس
: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه ثم حوله إلى يساره.
حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره وحدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعًا يتختمون في اليسار.
قال الراوي: فلما طبع الكتاب بخاتمه قال: أيها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله.
قال: فوثب إليه حاطب بن أبي بلتعة القرشي وقال: أنا يا رسول الله.
فقال له: (بارك الله فيك يا حاطب).
قال: فأخذت الكتاب من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعته وأصحابه وسرت إلى منزلي وشددت راحلتي وودعت أهلي واستقمت على الطريق إلى نحو مصر.
فلما بعدت عن المدينة بثلاثة أيام أشرفت على ماء لبني بدر فأردت أن أورد ناقتي الماء وإذا على الماء رجلان ومعهما ناقتان ومعهما رجل آخر راكب على جواد أدهم فلما رأيتهم وإذا بالفارس أتى إلي وقال لي: من أين أقبلت وأين تريد.
فقلت: يا هذا لا تسأل عما لا يعينك فتقع فيما يحزنك ويخزيك أنا رجل عابر سبيل وسالك طريق.
فقال: ما إياك أردنا ولا نحوك قصدنا نحن قوم لنا دم وثأر عند محمد بن عبد الله وقد جئت أنا وهذان الرجلان وتحالفنا على أن ندهمه على غفلة فلعلنا نجد منه غزة فنقتله.
قال حاطب: والله لقد أمكنني الله منهم فلأجعلن جهادي فيهم ولو بالخديعة فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا الحرب خدعة.
فبينما أنا أخاطب الفارس وإذا بالراكبين قد وصلا إلي وقالا لي بغلظة وفظاظة: ويحك لعلك من أصحاب محمد فقلت لهما: لقد كاد أن يتبدل لكما الطريق عن سبيل التحقيق وإني رجل مثلكما أطلب ما تطلبون وأنا قاصد يثرب وقد عولت علي صحبتكم لأكون معكم ولكن سمعت في طريقي هذا ممن أثق به أن محمدًا أنفذ رسولًا من أصحابه إلى مصر بكتاب فلعله في هذا الوادي فإن وقعنا به قتلناه.
فقال صاحب الفرس: أنا أسير معك ثم إنه تقدم أمامي وتركنا صاحبيه واقفين ينتظران قال حاطب: فلما بعدت به عن أصحابه وغبنا عنهما قلت: ما اسمك.
قال: اسمي سلاب بن عاصم الهمداني قلت: يا سلاب اعلم أنه لا يقدر أن يدخل على يثرب إلا من كان له جنان وقلب وغدر ومكر لأن بها سادات الأرض وأبطالها مثل عمر وعلي ولكن كيف سيفك.
قال: سيفي ماض قلت: أرني إياه فاستقه من غمده وسلمه إلي فأخذت السيف من يده وهززته وقلت: سيف ماض ثم قلت: سيوف حداد يا لؤي بن غالب مواض ولكن أين للسيف ضارب فقال: ما معنى هذا الكلام قلت: يا ابن عاصم إن سيفك هذا من ضرب قوم عاد من ولد شداد وما ملكت العرب سيفًا مثله ولا أمضى من هذا السيف ولكن وجب علي إكرامك وأريد التقرب إليك بحيلة أعلمك إياها تقتل بها عدوك.
فقال: بذمة العرب أفعل ذلك.
فقال حاطب: إذا كنت في مقام حرب وقتال وخصمك بين يديك وتريد قتله فهز هذا السيف حتى يهتز هكذا وتلتئم مضاربه واضربعدوك بحرفه فإنه أسرع للقتل والقطع وملت بالسيف على عنقه وإذا برأسه طائر عن بدنه فنزلت إليه وأمسكت الجواد لئلا ينفلت فينذر أصحابه وتركته مربوطًا إلى شجرة وأسرعت إلى صاحبيه وإذا هما ينتظراننا فلما رأياني أقبل أحدهما إلي فقال: ما وراءك وأين سلاب فقلت: أبشر بأخذ الثأر وكشف العار واعلم بأننا وجدنا رجلين من أصحاب محمد وهما نائمان وقد وجهني سلاب بأن يمضي أحدكما حتى نتمكن منهما ويقف أحدكما ههنا فإن هذأ الوادي ما خلا ساعة من أصحاب محمد.
فقال: نعم الرأي الذي أشرت به وسار معي فلما غيبته عن صاحبه قلت: ما اسمك.
قال: عبد اللات قلت: كن رجلًا وإياك الخوف فإنك إن رأيتنا ولد هجمنا على الرجلين فاستيقظ.
فقال: لا بد أن أفعل ذلك فقلت له: إني أرى غيرة ولا شك أن تحتها قوما ممن صبأ إلى دين محمد فجعل يتأمل كأنه الوالد الحيران فعاجلته بضربة على غفلة فرميت رأسه عن بدنه وعدت إلى الثالث فلما رآني وحدي تيقن بالشر فقارعني وقارعته وصدمني وصدمته إلا أن الله أعانني عليه فقتلته وأخذت الراحلتين والفرس وأسلابهما ووضعت الجميع عند رجل من أصحابي وكان رفيقًا لي من زمن الجاهلية وهو من عبد شمس ثم توجهت أريد مصر ولم أزل إلى أن أتيتها فلما وصلت إلى باب الملك قالوا: من أين جئت.
قلت: أنا رسول إلى ملككم فقالوا: من عند من قلت: من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بذلك أحاطوا بي وأوصلوني إلى قصر الشمع بعد أر استأذنوا لي وأوقفوني على باب الملك فأمرهم بإحضاري بين يديه فعقلت راحلتي وسرت معهم عند المقوقس وإذا هو في قبة كثر الجوهر في حافتها ولمع الياقوت من أركانها والحجاب بين يديه.
فأومأت بتحية الإسلام فقال حاجبه: يا أخا العرب أين رسالتك.
قال: فأخرجت الكتاب فأخذه الملك من يدي بيده.
قال: فباسه ووضعه على عينيه وقال: مرحبًا بكتاب النبي العربي ثم قرأه وزيره الباكلمين فقال له: اقرأه جهرًا فإنه من عند رجل كريم فقرأه الوزير إلى أن أتى إلى آخره.
فقال الملك لخادمه الكبير: هات السفط الذي عندك فأتى به ففتحه واستخرج نمطًا ففتح ذلك النمط وإذا فيه صفة آدم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي آخره صفة محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: صف صاحبك حتى كأنني أواه.
قال حاطب: ومن يقدر أن يصف عضوًا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: لا بد من ذلك.
قال: فوقفت بعدما كنت جالسًا وقلت: إن صاحبي وسيم قسيم معتدل القامة بعيد الهامة بين كتفيه شامة وله علامة كالقمر إذا برز صاحب خشوع وديانة وعفة وصيانة صادق اللهجة ووضح البهجة أشم العرنين واضح الجبين سهل الخدين رقيق الشفتين براق الثنايا بعينيه دعج وبحاجبيه زجج وصدره يترجرج وبطنه كطي الثوب المدبج له لسان فصيح ونسب صحيح وخلق مليح قال: والملك ينظر في النمط فلما فرغت قال: صدقت يا عربي هكذا صفته فبينما هو يخاطبني إذ نصبت الموائد وأحضروا الطعام فأمرني أن أتقدم فامتنعت فتبسم وقال: وقد علمت ما أحل لكم وحرم عليكم ولم أقدم لك إلا لحم الطير.
فقلت: إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة فإن الله قد وعدنا بها في الجنة قال: فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت.
فقال: أي طعام أحب إلى صاحبك.
فقلت: الدباء يعني القرع فإذا كان عندنا شيء منه آثرناه على غيره.
فقال: ففي أي شيء يشرب الماء فقلت: في قعب من خشب.
قال: أيحب الهدية قلت: نعم فإنه قال صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت). قال: أيأكل الصدقة.
قلت: لا بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة وقد رأيته إذا أتي بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها.
فقال الملك: أيكتحل.
قلت: نعم في عينه اليمنى ثلاثًا وفي اليسرى اثنتين وقال: (من شاء اكتحل أكثر من ذلك أو أقل) وكحله الإثمد وينظر في المرآة ويرجل شعره ويستاك.
فقال المقوقس: إذا ركب ما الذي يحمل على رأسه فقلت: راية سوداء ولواء أبيض وعلى اللواء مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فقال: أله كرسي يجلس عليه أو قبة.
قلت: نعم له قبة حمراء تسع نحو الأربعين.
قال: فما الذي يحب من الخيل.
قلت: الأشقر الأرتم الأغر المحجل في الساق وقد تركت عنده فرسًا يقال لها المرعد.
قال: فلما سمع كلامي انتخب من خيله فرسًا من أفخر خيول مصر الموصوفة وأمر به فأسرج وألجم فأعده هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرسه المأمون وأرسل معه حمارًا يقال له عفير وبغلة يقال لها دلدل وجارية اسمها بريرة وكانت سوداء وجارية بيضاء من أجمل بنات القبط اسمها مارية وغلام اسمه محبوب وطيب وعود وند ومسك وعمائم وقباطي وأمر وزيره أن يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا يقول فيه: باسمك اللهم من المقوقس إلى محمد.
أما بعد: فقد وصل إلي كتابك وفهمته وأنت تقول: إن الله أرسلك رسولًا وفضلك تفضيلًا وأنزل عليك قرآنًا مبينًا فكشفنا يا محمد خبرك فوجدناك أقرب داع إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق ولولا أنني ملكت ملكًا عظيمًا لكنت أول من آمن بك لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين والسلام عليك ورحمة الله وبركاته مني إلى يوم الدين.
قال: وسلم الكتاب والهدية إلي وقتلني بين عيني وقال: بالله عليك قبل بين عيني محمد عني هكذا ثم بعث معي من يوصلني إلى بلاد العرب وإلى مأمني.
قال: فوجدنا قافلة من بلاد الشام وهي تريد المدينة فصحبتها إلى أن وردت المدينة فأتيت المسجد وأنخت ناقتي ودخلت وسلمت أنعم صباحًا يا وسيلة أحمد نرجو النجاة غدًا بيوم الموقف إني مضيت إلى الذي أرسلتني أطوي المهامه كالمجد المعنف حتى رأيت بمصر صاحب ملكهم فبدا إلي بمثل قول المنصف فقرأ كتابك حين فك ختامه فأطل يرعد كاهتزاز المرهف قال البطارقة الذين تجمعوا ماذا يروعك من كتاب مشرف قال اسكتوا يا ويلكم وتيقنوا هذا كتاب من نبي المصحف قالوا وهمت فقال لست بواهم إني قرأت بيان لفظ الأحرف وبكل سطر من كتاب محمد خط يلوح لناظر متوقف هذا الكتاب كتابه لك جامعًا يا خير مأمول بحبك نكتفي قال الراوي: ورجعنا إلى الفتوح قال: حدثني أحمد بن عبيد عن عبد الله بن عمر السلمي عن محمد الزهري عن عبد الله بن زيد الهذلي عن أبي إسحق الأموي وهو المعتمد عليه في فتوح مصر وأرض ربيعة والفرس.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق