40
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال الواقدي
رحمه الله تعالى ورضي عنه: ولقد بلغني أن البترك لما سمع حرق ضرار به أبدى الغضب بعد الابتسام ولحقه غيظ شديد ما عليه من مزيد وقام من حضرة الملك قال وغضب البطارقة والحجاب لغضب البترك فلما رأى الملك غضبهم خاف على نفسه منهم فقال: قطعوه بسيوفكم وامحوا أثره قال فنزلوا عليه بالسيوف وضربوه ضربات شديدة وكانت عدة تلك الضربات مائة وأربع عشرة ضربة إلا أنها غير قاتلة لما يريده الله من لطفه الخفي في حياته ونجاته فلما رأى البترك هذه الفعال سكن غضبه وقال: اقطعوا لسانه فلما أن رأى يوقنا ذلك الأمر وتحقق هذا الكلام منهم قال في نفسه والله لا أترك هذا اللعين يتمكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم إلى الملك وقتل الأرض ودعا بدوام الملك والنعم وقال أيها الملك: إن هذا ليس بصواب وإن من الرأي السديد عندي أن تترك هذا الغلام حتى يصح فإذا عاد إلى صحته أخرجناه إلى باب المدينة وصلبناه لتشفى صدور الروم لأنه قد أثر فيهم كلامه الذي تكلمه وقد قتل من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وأيضًا يبلغ الخبر إلى المسلمين بإهانته وضربه فيوهنوا بذلك.
قال الواقدي رحمه الله تعالى ورضي عنه: إنما أراد يوقنا بذلك أن يخلص ضرارًا منه وقال في نفسه إذا بات تلك الليلة انكسرت حدة الغيظ من الملك فيطلقه فقال الملك ليوقنا: خذه واحفظه إلى غد فأخذه يوقنا إلى داره وافتقد جراحاته فإذا بها كلها سليمة ما قطع له عصب ولا عرق وذلك من لطف الله الخفي ولما أن رأى يوقنا جراحاته خاطها وداواها وأطعمه وأسقاه ففتح عينيه فرأى يوقنا وولده ولم يكن عنده علم بأن يوقنا قد أتى إلى هذا المحل ليحتال على الملك فلما أن رآهما قال لهما: إن كنتما كافرين فقد سخركما الله لي حتى داويتماني وإن كنتما مؤمنين فمرحبًا بكما وهنيئًا لكما ولعل الله ببركتكما يجمع شملي بعجوز في الحجاز قد أعلها البكاء والعويل ليلًا ونهارًا من أجلي وأجل أختي خولة وهي في العسكر ولقد كانت تحسب هذا الحساب لأنني بقية من مضى لها من الأحباب ولقد خفي عليها خبري وأمري فإن قدرتما أن تبلغاها سلامي وتعلماها مقامي وكيف كان للكافرين كلامي فهي ترسل وتعلم أمي وتكاتبها بأمري فلما استراح في الليل قال بالله عليكما اكتبا عني ما أقول لكما فكتب عنه ابن يوقنا وهو يملي له ويكتب حرفًا بحرف شعرا: ألا أيها الشخصان بالله بلغا سلامي إلى أهلي بمكة والحجر تلقيتما ما عشتما ألف نعمة بعز وإقبال يدوم مع النصر بصنعكما لي نلت خيرًا وراحة كذلك فعل الخير بين الورى يجري وما بي وايم الله موتي وإنما تركت عجوزًا في المهامة والقفر ضعيفة حال ما لها من جلادة على نائبات الحادثات التي تجري تعودها حب القفار مقيمة على الشيح والقيصوم والنبت والزهر وكنت لها ركنًا تعد رحاله وأكرمها جهدي وإن مسني فقري وأطعمها من صيد كفي أرانبا من الوحش واليربوع والظبي والصقر من الضب والغزلان والبهت بعده مع البقر الوحش المقيمات في البر وأحمي حماها أن تضام ولم أزل لها ناصرًا في موقف الخير والشر وإني أردت الله لا شيء غيره وجاهدت في جيش الملاعين بالسمر وأرضيت خير الخلق أعني محمدا لعلي أنال الفوز في موقف الحشر فمن خاف يوم الحشر أرضى إلهه وقاتل عباد الصليب بني الكفر كذا جلت يوم الحرب في كل كافر وجندلته بالطعن في الكر والفر ألا بلغاها عن أخيها تحية وقولًا غريب مات في قبضة الكفر جريح طريح بالسيوف مشرح على نصرة الإسلام والطاهر الطهر ألا يا حمامات الأراك تحملي رسالة صب لا يفيق من السكر حمائم نجد بلغي قول شائق إلى عسكر الإسلام والسادة الغر وقولي ضرار في القيود مكبل بعيد عن الأوطان في بلد وعر حمائم نجد اسمعي قول مفرد غريب كئيب وهو في ذلة الأسر وإن سألت عني الأحبة خبري بأن دموعي كالسحاب وكالقطر حمائم نجد خبري الأخت أنني قتلت بحد المرهفات من البتر حمائم نجد عددي عند موطني وقولي ضرار قد يحن إلى الوكر وقولي لهم إني أسير مقيد له علة بين الجوانح والصدر له من عداد العمر عشر وسبعة وواحدة عند الحساب بلا نكر وفي خده خال محته مدامع على فقد أوطان وكسر بلا جبر عسى تسمح الأيام منا بزورة لقلب غريب لا يرام من الفكر قال الواقدي: لما كتب ابن يوقنا هذه الأبيات كتب أبوه يوقنا إلى أبي عبيدة يعلمه بما يريد أن يدبره وسلمه إلى رجل يثق به وبعثه إلى المسلمين.
قال المؤلف: حدثني جابر بن عمران الدوسي ونحن في أرض يقال لها البلاط إذ جاء معن بن أوس من آل مخزوم ولقد تركه أبو عبيدة في المقدمة فجاء برجل من الروم فقال لأبي عبيدة: خذ هذا إليك فهو يزعم أنه رسول فاستخبره أبو عبيدة في السر.
فقال: أنا رسول إليك بكتاب.
فقال: ممن.
قال: من يوقنا ومن أسير لكم بأنطاكية يقال له ضرار بن الأزور فأخذ أبو عبيدة الكتاب وقرأه على من يعز عليه فبكوا من أبيات ضرار وبلغ الخبر أخته فأتت إلى أبي عبيدة وقالت: يا أمين الأمة اسمعني أبيات أخي فقرأ البعض عليها ولم يتمها فاسترجعت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فوالله لآخذن بثأره إن شاء الله تعالى وحفظ الناس أبيات ضرار وتداولوها بينهم فكان أشد الناس عليه حزنًا خالد بن الوليد.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق