551
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الرابع
= حوادث سنة أربع وثمانين ومائتين
في هذه السنة كان فتنة بطرسوس بين راغب مولى الموفق وبين دميانة.
وكان سبب ذلك أن راغبًا ترك الدعاء لهارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون ودعا لبدر مولى المعتضد واختلف هووأحمد بن طوغان فلما انصرف أحمد بن طوغان من الفداء سنة ثلاث وثمانين ركب البحر ومضى ولم يدخل طرسوس وخلف دميانة بها لقيام بأمرها وأمده ابن طوغان فقوي بذلك وأنكر ما كان يفعله راغب فوقعت الفتنة فظفر بهم راغب فحمل دميانة إلى بغداد.
وفيها أوقع عيسى بن النوشري ببكر بن عبد العزيز بن أبي دلف بنواحي أصبهان فقتل رجاله واستباح عسكره ونجا بكر في نفر يسير من أصحابه فمضى إلى محمد بن زيد العلوي بطبرستان وأقام عنده إلى سنة خمس وثمانين ومات ولما وصل خبر موته إلى المعتضد أعطى القاصد به ألف دينار.
وفيها في ربيع الأول قلد أبوعمر يوسف بن يعقوب القضاء بمدينة المنصور مكان علي بن أبي الشوارب.
وفيها أخذ خادم نصراني لغالب النصراني وشهد عليه أنه شتم النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع أهل بغداد وصاحوا بالقاسم بن عبيد الله وطالبوه بإقامة الحد عليه فلم يفعل فاجتمعوا على ذلك إلى دار المعتضد فسئلوا عن حالهم فذكروه للمعتضد فأرسل معهم إلى القاضي أبي عمر فكادوا يقتلونه من كثرة ازدحامهم فدخل بابًا وأغلقه ولم يكن بعد ذلك للخادم ذكر ولا للعامة ذكر اجتماع في أمره.
وفيها قدم قوم من أهل طرسوس على المعتضد يسألونه أن يولي عليهم واليا وكانوا قد أخرجوا عامل ابن طولون فسير إليهم المعتضد ابن الإخشيد أميرًا.
وفيها في ربيع الآخر ظهرت بمصر ظلمة وحمرة في السماء شديدة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الآخر فيراه أحمد فمكثوا كذلك من العصر إلى العشاء الآخرة وخرج الناس من منازلهم يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه.
وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس وهوكتاب طويل قد أحسن كتابته إلا أنه قد استدل فيه بأحاديث كثيرة على وجوب لعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح وذكر في الكتاب يزيد وغيره من بني أمية وعملت به نسخ قرئت بجانبي بغداد ومنع القضاة والعامة من القعود بالجامعين ورحابهما ونهى عن الاجتماع على قاض لمناظرة أوجدل في أمر الدين ونهى الذين يسقون الماء في الجامعين أن يترحموا على معاوية أويذكروه فقال له عبيد الله بن سليمان: إنا نخاف اضطراب العامة وإثارة الفتنة فلم يسمع منه وحذره اضطراب العامة فلم يلتفت فقال: يا أمير المؤمنين! فما نصنع بالطالبيين الذين يخرجون من كل ناحية ويميل إليهم خلق كثير من الناس لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سمع الناس ما في هذا الكتاب من إطرائهم كانوا إليهم أميل وكانوا هم أبسط ألسنة وأظهر حجة فيهم اليوم.
فامسك المعتضد ولم يأمر في الكتاب بعد ذلك بشيء وكان عبيد الله من المنحرفة عن علي عليه السلام.
وفيها سير المعتضد إلى عمروبن الليث الخلع والواء بولاية الري وهدايا.
وفيها فتحت قرة من بلد الروم على بد راغب مولى الموفق وابن كلوب في رجب.
وفيها في شعبان ظهر بدار المعتضد إنسان بيده سيف فمضى إليه بعض الخدم لينظر ما هو فضربه بالسيف فجرحه وهر بالخادم ودخل الشخص في زرع البستان فتوارى فيه فطلب باقي ليلته ومن الغد فلم يعرف له خبر فاستوحش المعتضد وكثر الناس في أمره بالظنون حتى قالوا: إنه من الجن وظهر مرارًا كثيرة حتى وكل المعتضد بسور داره وأحكمه بالظنون حتى قالوا: ثم أحضر المجانين والمعزمين بسبب ذلك الشخص فسألهم عنه فقال المعزمون: نحن نعزم على بعض المجانين فإذا سقط الجني عنه فاخبره خبره فعزموا على امرأة مجنونة فصرعت والمعاضد ينظر إليهم فلما صرعت أمرهم بالانصراف.
وفيها وجه كرامة بن مر من الكوفة بقوم مقيدين ذكر أنهم من القرامطة فقروا بالضرب فأقروا على أبي هاشم بن صدقة الكاتب أنه منهم فقبض عليه وحبسه.
وفيها وثب الحارث بن عبد العزيز بن أبي دلف المعروف بأبي ليلى بشفيع الخادم فقتله وكان أخوه عمر بن عبد العزيز قد أخذه وقيده وحبسه في قلعته زر ووكل به شفيعًا الخادم ومعه جماعة من غلمان عمر فلما استأمن عمر إلى المعتضد وهرب بكر بقيت القلعة بما فيها من الأموال بيد شفيع فكلمه أبوليلى في إطلاقه فلم يفعل وطلب من غلام كان يخدمه مبردا فادخله في الطعام فبرد مسمار قيده.
وكان شفيع في كل ليلة يأتي إلى أبي ليلى يفتقده ويمضي ينام وتحت رأسه سيف مسلول فجاء شفيع في ليلة إليه فحادثه فطلب منه أن يشرب معه أقداحا وقام الخادم لحاجته فجعل أبوليلى في فراشه ثيابًا تشبه إنسانًا نائما وغطاها باللحاف وقال لجارية كانت تخدمه: إذا عاد شفيع قولي له هونائم.
ومضى أبوليلى فاختفى ظاهر الدار وقد اخرج قيده من رجله فلما عاد شفيع قالت له الجارية: هونائم! فأغلق الباب ومشى إلى داره ونام فيها.
فخرج أبوليلى وأخذ السيف من عند شفيع وقتله فوثب الغلمان فقال لهم أبوليلى: قد قتلت شفيعا ومن تقدم إلي قتلته فأنتم آمنون! فخرجوا من الدار واجتمع الأنس إليه فكلمهم ووعدهم الإحسان وأخذ عليهم الإيمان وجمع الأكراد وغيرهم وخرج مخالفًا على المعتضد وكان قتل شفيع في ذي القعدة.
ولما خرج أبوليلى على اللطان قصده عيسى النوشري فاقتتلوا فأصاب أبا ليلى في حلقه سهم وفيها كان المنجمون يوعدون بغرق أكثر الأقاليم إلا إقليم بابل فإنه يسلم منه اليسير وأن ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة الأنهار والعيون فقحط الناس وقلت الأمطار وغارت المياه حتى احتاج الناس إلى الاستسقاء فاستسقوا ببغداد مرات.
وفيها ظهر اختلال حال هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون بمصر واختلفت القواد وطمعوا فانحل النظام وتفرقت الكلمة ثم اتفقوا على أن جعلوا مدير دولته أبا جعفر بن أبا وكان عند والده وجده مقدما كبير القدر فأصلح من الأحوال ما استطاع وكم جهد الصناع إذ اتسع الخرق وكان من بدمشق من الجند قد خالفوا على أخيه جيش كما ذكرنا فلما تولى أبوجعفر الأمور سير جيشًا إلى دمشق عليهم بدر الحمامي والحسين بن أحمد الماذرائي فأصلحا حالها وقررا أمور الشام واستعملا على دمشق طغج بن جف واستعملا على سائر الأعمال ورجعا إلى مصر والأمور فيها اختلال والقواد قد استولى كل واحد منهم على طائفة من الجند وأخذهم إليه وهكذا يكون انتقاض الدول وإذا أراد الله أمرًا فلا مرد لحكمه وهوسريع الحساب.
وفيها توفي إسحاق بن موسى بن عمران أبويعقوب الاسفرايني الفقيه الشافعي والغياثي واسمه عبد العزيز بن معاوية من ولد غياث بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق