242
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس
ذكر قتل أبي حرب بن مروان صاحب الجزيرة
في هذه السنة قتل الأمير أبو حرب سليمان بن نصر الدولة بن مروان وكان والده قد سلم إليه الجزيرة وتلك النواحي ليقيم بها ويحفظها وكان شجاعًا مقدامًا فاستبد بالأمر واستولى عليه فجرى بينه وبين الأمير موسك ابن المجلى ابن زعيم الأكراد البختية وله حصون منيعة شرقي الجزيرة نفرة.
ثم راسله أبو حرب واستماله وسعى أن يزوجه ابنه الأمير أبي طاهر البشنوي صاحب قلعة فنك وغيرها من الحصون وكان أبو طاهر هذا ابن أخت نصر الدولة بن مروان فلم يخالف أبو طاهر صاحب فنك أبا حرب في الذي أشار به من تزويج الأمير موسك فزوجه ابنته ونقلها إليه فاطمأن حينئذ موسك وسار إلى سليمان فغدر به وقبض عليه وحبسه.
ووصل السلطان طغرلبك إلى تلك الأعمال لما توجه إلى غزو الروم على ما ذكرناه فأرسل إلى نصر الدولة يشفع في موسك فأظهر أنه توفي فشق ذلك علي حميه أبي طاهر البشنوي وأرسل إلى نصر الدولة وابنه سليمان فقال لهما: حيث أردتما قتله فلم جعلتما ابنتي طريقًا إلى ذلك وقلدتموني العار وتنكر لهما وخافه أبو حرب فوضع عليه من سقاه سمًا فقتله.
وولي بعده ابنه عبيد الله فأظهر له أبو حرب المودة استصلاحًا له وتبرؤًا إليه من كل ما قيل عنه واستقر الأمر بينهما على الاجتماع وتجديد الأيمان فنزلوا من فنك وخرج إليهم أبو حرب من الجزيرة في نفر قليل فقتلوه.
وعرف والده ذلك فأقلقه وأزعجه وأرسل ابنه نصرًا إلى الجزيرة ليحفظ تلك النواحي ويأخذ بثأر أخيه وسير معه جيشًا كثيفًا.
وكان الأمير قريش بن بدران صاحب الموصل لما سمع قتل أبي حرب انتهز الفرصة وسار إلى الجزيرة ليملكها وكاتب البختية والبشنوية واستمالهم فنزلوا إليه واجتمعوا معه على قتال نصر بن مروان فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا كثر فيه القتلى وصبر الفريقان فكانت الغلبة أخيرًا لابن مروان وجرح قريش جراحة قوية بزوبين رمي به وعاد عنه وثبت أمر ابن مروان بالجزيرة وعاود مراسلة البشنوية والبختية واستمالهم لعله يجد فيهم طمعًا فلم يطيعوه.
والقبض عليه ونهب دوره وأملاكه وتأكد الوحشة بينه وبين رئيس الرؤساء
في هذه السنة ثارت فتنة ببغداد بالجانب الشرقي بين العامة وثار جماعة من أهل السنة وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحضروا الديوان وطلبوا أن يؤذن لهم في ذلك وأن يتقدم إلى أصحاب الديوان بمساعدتهم فأجيبوا إلى ذلك وحدث من ذلك شر كثير.
ثم إن أبا سعد النصراني صاحب البساسيري حمل في سفينة ستمائة جرة خمرًا ليحدرها إلى البساسيري بواسط في ربيع الآخر فحضر ابن سكرة الهاشمي وغيره من الأعيان في هذا الباب وتبعهم خلق كثير وحاجب باب المراتب من قبل الديوان وقصدوا السفينة وكسروا جرار الخمر وأراقوها.
وبلغ ذلك البساسيري فعظم عليه ونسبه إلى رئيس الرؤساء وتجددت الوحشة فكتب فتاوى أخذ فيها خطوط الفقهاء الحنفية بأن الذي فعل من كسر الجرار وإراقة الخمر تعد غير واجب وهي ملك رجل نصراني لا يجوز وتردد القول في هذا المعنى فتأكدت الوحشة من الجانبين ووضع رئيس الرؤساء الأتراك البغداديين على ثبل البساسيري والذم له ونسب كل ما يجري عليهم من نقض إليه فطمعوا فيه وسلكوا في هذا المعنى زيادة على ما أراد رئيس الرؤساء وتمادت الأيام إلى رمضان فحضروا دار الخليفة واستأذنوا في قصد دور البساسيري ونهبها فأذن لهم في ذلك فقصدوها ونهبوها وأحرقوها ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه ونهبوا دوابه وجميع ما يملكه ببغداد.
وأطلق رئيس الرؤساء لسانه في البساسيري وذمه ونسبه إلى مكاتبة المستنصر صاحب مصر وأفسد الحال مع الخليفة إلى حد لا يرجى صلاحه وأرسل إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري فأبعده وكانت هذه الحالة من أعظم الأسباب في ملك السلطان طغرلبك العراق وقبض الملك الرحيم وسيرد من ذلك ما تراه إن شاء الله تعالى.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق