إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 29 يونيو 2016

249 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس ذكر ابتداء دولة الملثمين


249


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس

ذكر ابتداء دولة الملثمين

في هذه السنة كان ابتداء أمر الملثمين وهم عدة قبائل ينسبون إلى حمير أشهرها‏:‏ لمتونة ومنها أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين وجدالة ولمطة‏.‏

وكان أول مسيرهم من اليمن أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه فسيرهم إلى الشام وانتقلوا إلى مصر ودخلوا المغرب مع موسى بن نصير وتوجهوا مع طارق إلى طنجة فأحبوا الانفراد فلما كان هذه السنة توجه رجل منهم اسمه الجوهر من قبيلة جدالة إلى إفريقية طالبًا للحج وكان محبًا للدين وأهله فمر بفقيه بالقيراون وعنده جماعة يتفقهون قيل‏:‏ هو أبو عمران الفاسي في غالب الظن فأصغى الجوهر إليه وأعجبه حالهم‏.‏

فلما انصرف من الحج قال للفقيه‏:‏ ما عندنا في الصحراء من هذا شيء غير الشهادتين والصلاة في بعض الخاصة فابعث معي من يعلمهم شرائع الإسلام‏!‏ فأرسل معه رجلًا اسمه عبد الله بن ياسين الكزولي وكان فقيهًا صالحًا شهمًا فسار معه حتى أتيا قبيلة لمتونة فنزل الجوهر عن جمله وأخذ بزمام جمل عبد الله بن ياسين تعظيمًا لشريعة الإسلام فأقبلوا إلى الجوهر يهنئونه بالسلامة وسألوه عن الفقيه فقال‏:‏ هذا حامل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء يعلمكم ما يلزم في دين الإسلام‏.‏

فرحبوا بهما وأنزلوهما وقالوا‏:‏ تذكر لنا شريعة الإسلام فعرفهم عقائد الإسلام وفرائضه فقالوا‏:‏ أما ما ذكرت من الصلاة والزكاة فهو قريب وأما قولك من قتل يقتل ومن سرق يقطع ومن زنى يجلد أو يرجم فأمر لا نلتزمه اذهب إلى غيرنا‏.‏

فرحلا عنهم فنظر إليهما شيخ كبير فقال‏:‏ لا بد وأن يكون لهذا الجمل في هذه الصحراء شأن يذكر في العالم‏.‏

فانتهى الجوهر والفقيه إلى جدالة قبيل الجوهر فدعاهم عبد الله بن ياسين ثم إن المخالفين لهم تحيزوا وتجمعوا فقال ابن ياسين للذين أطاعوا‏:‏ قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الذين خالفوا الحق وأنكروا شرائع الإسلام واستعدوا لقتالكم فأقيموا لكم راية وقدموا عليكم أميرًا‏.‏

فقال الجوهر‏:‏ أنت الأمير‏!‏ فقال‏:‏ لا إنما أنا حامل أمانة الشريعة ولكن أنت الأمير‏.‏

فقال الجوهر‏:‏ لو فعلت هذا تسلط قبيلي على الناس ويكون وزر ذلك علي‏.‏

فقال له ابن ياسين‏:‏ الرأي أن نولي ذلك أبا بكر بن عمر رأس لمتونة وكبيرها وهو رجل سيد مكشور الطريقة مطاع في قومه فهو يستجيب لنا لحب الرئاسة وتبعه قبيلته فنتقوى بهم‏.‏

فأتيا أبا بكر بن عمر وعرضا ذلك عليه فأجاب فعقدوا له البيعة وسماه ابن ياسين أمير المسلمين وعادوا إلى جدالة وجمعوا إليهم من حسن إسلامه وحرضهم عبد الله بن ياسين على الجهاد في سبيل الله وسماهم مرابطين وتجمع عليهم من خالفهم فلم يقاتلهم المرابطون بل استعان ابن ياسين وأبو بكر بن عمر على أولئك الأشرار بالمصلحين من قبائلهم فاستمالوهم وقربوهم حتى حصلوا منهم نحو ألفي رجل من أهل البغي والفساد فتركوهم في مكان وخندقوا عليهم وحفظوهم ثم أخرجوهم قومًا بعد قوم فقتلوهم فحينئذ دانت لهم أكثر قبائل الصحراء وهابوهم فقويت شوكة المرابطين‏.‏

هذا وعبد الله مشتغل بالعلم وقد صار عنده جماعة من يتفقهون ولما استبد بالأمر هو وأبو بكر بن عمر عن الجوهر الجدالي وبقي لا حكم له تداخله الحسد وشرع سرًا في فساد الأمر فعلم بذلك منه وعقد له مجلس وثبت عليه ما نقل عنه فحكم عليه بالقتل لأنه نكث البيعة وشق العصا وأارد محاربة أهل الحق فقتل بعد أن صلى ركعتين وأظهر السرور بالقتل طلبًا للقاء الله تعالى‏.‏

فاجتمعت القبائل على طاعتهم ومن خالفهم قتلوه‏.‏

فلما كان سنة خمسين وأربعمائة قحطت بلادهم فأمر ابن ياسين ضعفاءهم بالخروج إلى السوس وأخذ الزكاة فخرج منهم نحو تسعمائة رجل فقدموا سجلماسة وطلبوا الزكاة فجمعوا لهم شيئًا له قدر وعادوا‏.‏

ثم إن الصحراء ضاقت عليهم وأرادوا إظهار كلمة الحق والعبور إلى الأندلس ليجاهدوا الكفار فخرجوا إلى السوس الأقصى فجمع لهم أهل السوس وقاتلوهم فانهزم المرابطون وقتل عبد الله بن ياسين الفقيه فعاد أبو بكر بن عمر فجمع جيشًا وخرج إلى السوس في ألفي راكب فاجتمع من بلاد السوس وزناتة اثنا عشر ألف فارس فأرسل إليهم وقال‏:‏ افتحوا لنا الطريق لنجوز إلى الأندلس ونجاهد أعداء الإسلام فأبوا ذلك فصلى أبو بكر ودعا الله تعالى وقال‏:‏ اللهم إن كنا على الحق فانصرنا وإلا فأرحنا من هذه الدنيا‏.‏

ثم قاتلهم وصدق هو وأصحابه القتال فنصرهم الله تعالى وهزم أهل السوس ومن معهم وأكثر القتل فيهم وغنم المرابطون أموالهم وأسلابهم وقويت نفسه ونفوس أصحابه وساروا إلى سجلماسة فنزلوا عليها وطلبوا من أهلها الزكاة فامتنعوا عليهم وسار إليهم صاحب سجلماسة فقاتلهم فهزموه وقتلوه ودخلوا سجلماسة واستولوا عليها وكان ذلك سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق