217
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس
ذكر قتل عبد الرشيد صاحب غزنة وملك فرخ زاد
في هذه السنة قتل عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة.
وكان سبب ذلك أن حاجبًا لمودود ابن أخيه مسعود اسمه طغرل وكان مودود قد قدمه ونوه باسمه وزوجه أخته فلما توفي مودود وملك عبد الرشيد أجرى طغرل على عادته في تقدمه وجعله حاجب حجابه فأشار عليه طغرل بقصد الغز وإجلائهم من خراسان فتوقف استبعادًا لذلك فألح عليه طغرل فسيره في ألف فارس فسار نحو سجستان وبها أبو الفضل نائبًا عن بيغو فأقام طغرل على حصار قلعة طاق وأرسل إلى أبي الفضل يدعوه إلى طاعة عبد الرشيد فقال له: إنني نائب عن بيغو وليس من الدين والمروءة خيانته فاقصده فإذا فرغت منه سلمت إليك.
فقام على حصار طاق أربعين يومًا فلم يتهيأ له فتحها وكتب أبو الفضل إلى بيغو يعرفه حال طغرل فسار إلى سجستان ليمنع عنها طغرل.
ثم إن طغرل ضجر من مقامه على حصار طاق فسار نحو مدينة سجستان فلما كان على نحو فرسخ منها كمن بحيث لا يراه أحد لعلة يجدها وفرصة ينتهزها فسمع أصوات دبادب وبوقات فخرج وسأل بعض من على الطريق فأخبره أن بيغو قد وصل فعاد إلى أصحابه وأخبرهم وقال لهم: ليس لنا إلا أن نلتقي القوم ونموت تحت السيوف أعزة فإنه لاسبيل لنا إلى الهرب لكثرتهم وقلتنا.
فخرجوا من مكمنهم فلما رآهم بيغو سأل أبا الفضل عنهم فأخبره أنه طغرل فاستقل من معه وسير طائفة من أصحابه لقتالهم فلما رآهم طغرل لم يعرج عليهم بل أقحم فرسه نهرًا هناك فعبره وقصد بيغو ومن معه فقاتلهم وهزمهم طغرل وغنم ما معهم ثم عطف على الفريق الآخر فصنع بهم مثل ذلك وأم بيغو وأبو الفضل نحو هراة وتبعهم طغرل نحو فرسخين وعاد إلى المدينة فملكها وكتب إلى عبد الرشيد بما كان منه ويطلب الإمداد ليسير إلى خراسان فأمده بعدة كثيرة من الفرسان فوصلوا إليه فاشتد بهم وأقام مديدة.
ثم حدث نفسه بالعود إلى غزنة والاستيلاء عليها فأعلم أصحابه ذلك وأحسن إليهم واستوثق منهم ورحل إلى غزنة طاويًا للمراحل كاتمًا أمره فلما صار على خمسة فراسخ من غزنة أرسل إلى عبد الرشيد مخادعًا له يعلمه أن العسكر خالفوا عليه وطلبوا الزيادة في العطاء وأنهم عادوا بقلوب متغيرة مستوحشة.
فلما وقف على ذلك جمع أصحابه وأهل ثقته وأعلمهم الخبر فحذروه منه وقالوا له: إن الأمر قد أعجل عن الاستعداد وليس غير الصعود إلى القلعة والتحصن بها.
فصعد إلى قلعة غزنة وامتنع بها.
ووافى طغرل من الغد إلى البلد ونزل في دار الإمارة وراسل المقيمين بالقلعة في تسليم عبد الرشيد ووعدهم ورغبهم إن فعلوا وتهددهم إن امتنعوا.
فسلموه إليه فأخذه طغرل فقتله واستولى على البلد وتزوج ابنة مسعود كرهًا.
وكان في الأعمال الهندية أمير يسمى خرخيز ومعه عسكر كثير فلما قتل طغرل عبد الرشيد واستولى على الأمر كتب إليه ودعاه إلى الموافقة والمساعدة على ارتجاع الأعمال من أيدي الغز ووعده على ذلك وبذل البذول الكثيرة فلم يرض فعله وأنكره وامتعض منه وأغلظ له في
الجواب وكتب إلى ابنة مسعود بن محمود زوجة طغرل ووجوه القواد ينكر ذلك عليهم ويوبخهم على إغضائهم وصبرهم على ما فعله طغرل من قتل ملكهم وابن ملكهم ويحثهم على الأخذ بثأره.
فلما وقفوا على كتبه عرفوا غلطتهم ودخل جماعة منهم على طغرل ووقفوا بين يديه فضربه أحدهم بسيفه وتبعه الباقون فقتله.
وورد خرخيز الحاجب بعد خمسة أيام وأظهر الحزن على عبد الرشيد وذم طغرل ومن تابعه على فعله وجمع وجوه القواد وأعيان أهل البلد وقال لهم: قد عرفتم ما جرى مما خولفت به الديانة والأمانة وأنا تابع ولا بد للأمر من سائس فاذكروا ما عندكم من ذلك! فأشاروا بولاية فرخ زاد بن مسعود بن محمود وكان محبوسًا في بعض القلاع فأحضر وأجلس بدار الإمارة وأقام خرخيز بين يديه يدبر الأمور وأخذ من أعان على قتل عبد الرشيد فقتله فلما سمع داود أخو طغرلبك صاحب خراسان بقتل عبد الرشيد جمع عساكره وسار إلى غزنة فخرج إليه خرخيز ومنعه وقاتله فانهزم داود وغنم ما كان معه.
ولما استقر ملك فرخ زاد وثبت قدمه جهز جيشًا جرارًا إلى خراسان فاستقبلهم الأمير كلسارغ وهو من أعظم الأمراء فقاتلهم وصبر لهم فظفروا به وانهزم أصحابه عنه وأخذ أسيرًا وأسر معه كثير من عسكر خراسان ووجوههم وأمرائهم.
فجمع ألب أرسلان عسكرًا كثيرًا وسير والده داود في ذلك العسكر إلى الجيش الذي أسر كلسارغ فقاتلهم وهزمهم وأسر جماعة من أعيان العسكر فأطلق فرخ زاد الأسرى وخلع على كلسارغ وأطلقه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق