388
فتوح الشام ( للواقدي )
قال: وأما هاشم بن عتبة فإنه سار في اثني عشر ألف مجاهد حتى أشرف على مدينة نشاور فوجدها محصنة بالعدد والعدو قد أظهر الزينة والسلاح على الأبراج بالدروع والجواشن والمجانيق والعرادات والبيارق والأعلام ووضعوا في أركان المدينة على الأبراج قباب حديد ليضرموا فيها النار ويستنجدوا لها ويستنصروا بها على العرب فلما أشرف عليهم عسكر هاشم بن عتبة ضجوا بكلمة كفرهم وأشاروا إلى الشمس والنيران يسجدون لهما قال: والأرض ترتج من تحتهم والسماء ترعد من فوقهم والأكوان تسترجع وتصيح في هلاكهم فنودوا من قبل الله أن اسكنوا عن اضطرابكم فأنا الحليم الذي لا أعجل على من عصاني ولا أخيب من دعاني أنا الذي تسبح لي السموات ومن فيها والأرضون بنواحيها وقد سبق في علمي أن أطهر هذه الأرض من الأرجاس وأبدلها بمن قلت فيهم {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]. أنا الذي أمهل ولا أهمل وعزتي وجلالي لأطهرن هذه الأرض من الكفرة الملحدين والفئة المفارقين ولأبدلن بيوت النار بمساجد أذكر فيها آناء الليل وأطراف النهار يعمرها رجال قد أحسنوا الظنون وذكرتهم في الكتاب المكنون {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 155].
قال الواقدي: حدثنا عمرو بن ربيعة الشيباني.
قال: أخبرنا أحمد الطويل قال: لما نزل هاشم بن عتبة على مدينة نشاور بمن معه من المسلمين لم يلتفتوا إليهم ولم يكترثوا بهم وأروهم التجلد والشدة وجعلوا يطاولونهم ولا يخرجون إليهم فصعب ذلك على المسلمين والمدد واصل إليهم من عند يزدجرد بن كسرى فاشتدت قلوب أعداء الله فقالوا لمهران الداري: أيها الصاحب ما الذي تنتظر بنا في قعودنا ومقامنا من وراء السور وقد اشتقنا إلى القتال فاخرج بنا إلى هؤلاء القوم فقد ضاقت صدورنا وضاقت بنا المدينة وهذه الشمس المنيرة تنصرنا وتظفرنا على أعدائنا وكذلك النار والنور فلما رآهم معولين على القتال أمرهم بالخروج وجعل على خيله جوزان بن جهران وأمره أن يزحف بالجيش فلما فتح باب المدينة وخرج الفرس فرح المسلمون بذلك وتبادروا إليهم بأسرار صافية وهمم وافية يطلبون القتال في مرضاة الله في الجلال وأنفسهم لذلك مستبشرة نازحة وهممهم إلى الحرب مسرعة فادحة وقد سلموا من سكنى دار الغرور واشتاقوا إلى سكنى القصور ومعانقة الحور وقالوا: إلهنا قد سئمنا من هذه الدار واشتقنا إلى دار القرار ومجاورة المختار فأنجزنا ما وعدتنا وسامحنا إذا توقيتنا وأجرنا من عذاب النار واحشرنا مع الكرام الأبرار الذين قلت في حقهم: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد: 23 ،24].
قال: ولما ركب المسلمون جعل على مقدمة الخيل طلحة بن خويلد وبقي هاشم على الساقة.
فقال: أيها الناس والله لا تنال الجنة إلا بحسن الأعمال فاتركوا من قلوبكم الميل إلى دار اللهو والأهوال والمقام في دار الزوال.
جاهدوا لتدخلوا جنة عرضها السموات والأرض فهذه نار الحرب قد فاض تيارها وعلا دخانها وصفقت أمواجها وبدا فجاجها فاركبوا فيها سفينة النجاة والأنجاد واقطعوا بشراع الاجتهاد هذا الطريق وانشروا أعلام الصدق.
قال وقد اصطفت عساكر العجم ودقت بوقاتها ونشرت ازدهاراتها فهم كذلك إذ أقبل عليهم ملك الرقي في اثني عشر ألف فارس فلما رأى هاشم ذلك قال: يا فتيان العرب لا تنظروا إلى كثرتهم وفقتكم فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا وخذل الكافرين وقد كانت قريش في حدها وحديدها وعددها وعديدها ونصر الله نبيه ورسوله قال الله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } [البقرة: 49]. وإذا بالخيل قد حملت عليهم كأنهم السيل.
فقال هاشم: أخلصوا النيات ولا تولوا الأدبار واعلموا أنه قد تولى عليكم الجبار.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق