29
لماذا انحرفَ العالمُ كلُّه؟
انحراف الغرب:
ثالثا - ثقافةٌ تنحرفُ عن الطريق
1 - نظريّاتٌ وفلسفاتٌ واكتشافاتٌ خطيرة:
9- البنيويّة وما بعد الحداثة:
بعدَ موتِ الإله، أعلنتِ البنويّةُ موتَ الإنسانِ نفسِه، حيثُ لم يعُدْ إلا فكرةً تخلو من المضمون، ولم يعُدْ باقيًا سوى مجموعاتٍ بنويّةٍ من الثقافاتِ واللغاتِ التي تُعدُّ ظواهرَ موضوعيّة.. أمّا الإنسانُ فهو مجرّدُ ظاهرةٍ عارضةٍ جاءتْ نتاجًا للتّطوّرِ والبيئة، وهو حبيسُ بِنَىً باطنيّةً (عقليّةً)، وبِنَىً خارجيّةً (اجتماعيّة) سبقتْه إلى الوجود، وهي تُشكّلُه وتوقعُ به وتُغرّبُه في كافّةِ شئونِه وأحوالِه.
هذا وتعتبر فلسفة "ما بعد الحداثة" أهم تعبير أيديولوجي عن العولمة.. ويطلق عليها أيضا anti-foundationalism أيّ "ضد الأساس" أو "رفض المرجعيات", مما يعني السقوط في اللاعقلانية الكاملة.
وقد وصف (رورتي) ما بعد الحداثة أنها تعني أن الإنسان لن يقدّس شيئا حتى ولا نفسه, فهي ليست معادية للدين والأخلاق وحسب, بل معادية للإنسان ذاته!
وقد شبه الفيلسوف مابعد الحداثي (ليوتار) علاقة الإنسان بالواقع, بعلاقة الرجل الساذج (أو المشاهد الساذج) بالمرأة اللعوب: يظن أنه أمسك بها, ولكنها تفلت منه دائما!.. الأمر الذي يعني أن علاقة العقل بالواقع غير قائمة.
ويذهب كل من (فريدريك نيتشه) و(رولان بات) و(جاك دريدا) إلي أن تحطيم المقولات العقلية واللغوية هي عملية ذات طابع جنسي: ذوبان وسيولة.
بل إن بعض دعاة ما بعد الحداثة ورفض المرجعيات يرون أن جسد المرأة, هو مرجعية ذاته, ولذا فهو تحدّ للعالم الثابت الذي له مركز ويمكن إدراكه عقليا!!
وفي كتابها الشهير "ضد التفسير" ـ الذي يؤرخ لظهور ما بعد الحداثة بتاريخ نشره ـ قالت (سوزان سونتاج) إن أكبر تحدّ للثوابت والعقل هو الجسد ((ولتلاحظ ما يحدث لعقلك وفهمك حينما تشاهد رقصة مثيرة!!)) وهذا الجسد لا علاقة له بأي خصوصية تاريخية أو ثقافية أو اجتماعية, ولذا فهو يقوّض الذاكرة الاجتماعية والتاريخية.
وهذا هو جوهر ما بعد الحداثة, أي أن كل إنسان يعيش داخل ما يسمونه قصته الصغرى, أي رؤيته للعالم.. أما القصة الكبرى الاجتماعية التاريخية التي تنضوي تحتها كل القصص الصغرى فلا وجود لها, فتتساقط القيم والمرجعيات ويظهر العري والإباحيّة, والشركات عابرة القارات التي تودّ أن يكون الإنسان حزمة نمطية من الرغبات الاقتصادية والجسمانية التي يمكن التنبؤ بسلوكها, حتى يمكن التحكم في صاحبها وتوظيفه داخل منظومة السوق (والكباريه)[1]!!
وبالطبعِ إذا سلّمنا بكلّ هذا، فإنَّ موتَ الإنسانِ يؤذنُ بموتِ الفنّ، فالفنُّ يولدُ من الإنسان.. ليسَ هذا فحسب، بل إنَّ أشدَّ المفكّرينَ تشاؤمًا يقولُون: إذا كان القرنُ التاسع عشرَ قد قتلَ الإله، وقتلَ القرنُ العشرونَ الإنسان، فقد بقيَ على القرنِ الحادي والعشرينَ أن يقتلَ الطبيعة!
[1] هذا المقطع من مقال د. عبد الوهاب المسيري "الفديو كليب والجسد والعولمة"، وستصادفه كاملا في هذا الكتاب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق