إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 27 يوليو 2015

721 كيف انحرف العالم ؟ متناقضات الحرّيّة: الثالث عشر - الحرية في الحضارة الغربية 2 أوهام الديمقراطيّة 5 التسلّطُ الأمريكيّ 7 إمبراطوريّاتُ الظلال[1]


721

كيف انحرف العالم ؟
 
متناقضات الحرّيّة:

الثالث عشر - الحرية في الحضارة الغربية

2 أوهام الديمقراطيّة

5 التسلّطُ الأمريكيّ

7 إمبراطوريّاتُ الظلال[1]



شهدَ النصفُ الثاني من القرنِ العشرينَ تطوّرًا كيفيًّا في عملِ القوى الخفيّةِ التي تملِكُ وتحكمُ داخلَ الأوطان، وتوجّهُ وتحرّكُ خارجَها.. ولعلَّ هذه المشكلةَ كانت في بالِ الرئيسِِ الأمريكيِّ السابقِ (دوايت أيزنهاور)، حينَ حذّرَ من خطرِ ما أسماه "المجمّعَ العسكريَّ الصناعيَّ" على (الولاياتِ المتّحدة)، سواءٌ في سياستِها الداخليّةِ أو الخارجيّة.

إنّ استمرارَ الحربِ الباردةِ واشتدادَها بعدَ أيّامِ (أيزنهاور) دفعا إلى نشوءِ ما يمكنُ أن يُسمّى بحقٍّ "إمبراطوريّاتِ الظلال"، وهي ظاهرةٌ اتّخذتْ لها شكلا مؤسّسيًّا وتعاقديًّا في المرحلةِ الحاسمةِ من الحربِ الباردة، وكانَ ذلكَ عقبَ انتهاءِ مشكلةِ (فيتنام) في أوائلِ السبعينات.

في ذلكَ الوقتِ كانَ الرئيسُ الأمريكيُّ (ريتشارد نيكسون) محاصرًا سياسيًّا في البيتِ الأبيض، لأسبابٍ ترجعُ للمراحلِ الأخيرةِ من حربِ (فيتنام)، وما لحقَها من مقدّماتِ فضيحةِ (ووتر جيت)، وكانَ ذلكَ في الوقتِ الذي لاحَ فيه أنَّ (الاتحادَ السوفيتيّ) يتحرّكُ بنشاطٍ في القارّةِ الأفريقيّة، مُركّزًا بالتحديدِ على (أنجولا) و القرنِ الإفريقيّ.

ولمْ يكُنِ الرئيسُ الأمريكيُّ في وضعٍ يسمحُ له باعتراضِ النشاطِ السوفيتيِّ صراحةً، فهو لا يستطيعُ التدخّلَ على الأرضِ في (أفريقيا)، والكونجرس لن يعطيَه التفويضَ أو الاعتماداتِ الماليّةَ اللازمةَ لتمويلِ ما قد يفكّرُ في عملِه.. لهذا بدأَ التفكيرُ في وسيلةٍ أخرى للتدخّل.



التجرِبةُ الأولى: (اليمن):

كانتِ الستيناتُ قد شهدتْ تجرِبةً ابتدائيّةً في (اليمن)، فهناكَ في سبتمبر 1962 قامت ثورةٌ على النظامِ القَبَليِّ قادها عددٌ من ضبّاطِ الجيش.. وحينما تعرّضتْ هذه الثورةُ لتهديدٍ خارجيٍّ طلبتِ المساعدةَ من (مصر).. وعندما وصلتِ القوّاتُ المصريّةُ إلى (اليمن)، كان ذلك إنذارًا بأنَّ قوى التغييرِ في الوطنِ العربيِّ قد وضعتْ أقدامَها في شبهِ الجزيرةِ العربيّةِ حيثُ أهمُّ المواردِ الاستراتيجيّة ـ البترول، وأكبرُ الأرصدةِ الماليّة ـ عائداتُ فوائضِه، وهو ما لا تحتملُه مصالحُ عالميّةٌ واسعة.

ولم يَكُنْ مناسبًا شنُّ حربٍ مفتوحةٍ على الحركةِ القوميّةِ التي كانت في ذروةِ انتشارِها.. وهكذا بدأ العملُ بطريقةٍ أخرى، تحتَ قيادةِ شركاتِ البترولِ الأمريكيّةِ الكبرى والقبائلِ النافذةِ التي يتدفّقُ البترولُ من أراضيها في شبهِ الجزيرةِ العربيّة، وبتوجيهِ وإدارةِ وكالةِ المخابراتِ المركزيّةِ الأمريكيّة.

وهكذا جرى تجنيدُ أعدادٍ كبيرةٍ منَ المرتزقةِ من بقايا ضبّاطِ وجنودِ الحربِ العالميّةِ الثانية، وبقايا ضبّاطِ وجنودِ الإمبراطوريّاتِ الغربيّةِ المتحاربة، إلى جانبِ أعدادٍ ممّنِ احترفوا القتالَ أو القتلَ في صراعاتِ جنوبِ شرقِ (آسيا).. وبهذا ظهرَ جيشٌ منَ المرتزقةِ مسلّحٌ ومحمولٌ وموجّهٌ بالكاملِ بتعاونٍ أمريكيٍّ بتروليٍّ ماليٍّ مخابراتيّ، حيثُ استطاعَ أن يُحقّقَ كثيرًا من أغراضِه، وأوّلُها تحويلُ (اليمنِ) إلى ساحةِ حربٍ أهليّةٍ إقليميّةٍ دوليّةٍ لقرابةِ عشرِ سنوات[2].



التجرِبةُ الثانية: (أنجولا) و(الصومال):

في خضمِّ الظروفِ المستجدّةِ في السبعيناتِ، كانَ هناكَ من تذكّرَ هذه التجرِبةَ الابتدائيّةَ في (اليمن)، وفكّر في الاستفادةِ منها وتطويرِها بما يلائمُ الأوضاعَ الجديدة، خصوصًا في (أفريقيا).

وكانتِ البدايةُ حينما حاول الدكتور (هنري كسنجر) وزيرُ خارجيةِ (الولاياتِ المتّحدةِ) في عهدِ (نيكسون)، إقناعَ عددٍ من دولِ النفطِ الغنيّةِ في العالمِ العربيِّ بأن تتولّى هي تقديمَ التمويلِ لعمليّاتِ مكافحةِ الشيوعيّةِ في المناطقِ القريبةِ منها، بدعوى أنَّ الكونجرسَ لا يستطيعُ أن يُعطيَ، وبالتالي ففي إمكانِ هذه الدولِ أن تُعطيَ بدلا منه لمنعِ (الاتحادِ السوفيتيِّ) من الحصولِ على موطئِ قدمٍ على الشاطئِ الأفريقيِّ للأطلنطيِّ أو المحيطِ الهنديّ.. وكانَ تقديرُ (كسينجر) أنَّ الظروفَ تقتضي الإقدامَ على عملٍ مباشرٍ حتّى وإن كانَ خفيًّا.

وقدِ التقطتِ المخابراتُ الفرنسيّةُ الفكرةَ على عهدِ مديرِ الأمنِ الخارجيِّ النشيطِ (ألكسندر دي ميرانش)، وكانَ الأمريكيّونَ وراءَه يؤيّدونَ مساعيَه دونَ أن يظهروا علانيةً، حتّى لا يؤدّيَ ظهورُهم إلى إثارةِ شبهاتٍ أو وساوس.

وبعدَ اتّصالاتٍ وترتيباتٍ أمكنَ جمعُ خمسِ دولٍ مستعدّةٍ للتعاونِ مع (دي ميرانش)، وهي: (إيرانُ) على عهدِ الشاه، و(مصرُ)، و(المغربُ)، و(المملكةُ العربيّةُ السعوديّة)، وبالطبعِ (فرنسا).. ووراءَ الكلِّ وكالةُ المخابراتِ المركزيّةِ الأمريكيّة، وهي المتداخلةُ إلى أقصى حدٍّ مع مجلسِ الأمنِ القوميِّ في البيتِ الأبيض.

وكانَ توزيعُ الأدوارِ كالتالي:

-   (الولاياتُ المتّحدةُ): للتوجيه.

-   (فرنسا): للإدارةِ العمليّة.

-   (السعوديّة): للتمويل.

-   (إيران): ما بينَ التمويلِ والتسليح.

-   (المغربُ) و(مصر): للتدريبِ والتسهيلاتِ الإداريّة.

وقد مارستْ هذه الدولُ أدوارَها عن طريقِ أجهزتِها الخفيّة، وهكذا دخلتْ مخابراتُها.. ثمَّ تقدّمتْ شركاتُ البترولِ الأمريكيّةُ والأوروبّيّةُ العملاقةُ إلى مجالِ العملِ المباشر.

وقد اتّخذَ تنظيمُ العملِ شكلَ معاهدةٍ مكتوبةٍ وموقّعة[3]، وقد تمَّ وضعُ أساسِها في اجتماعٍ لهذا الغرضِ عُقدَ في (جدّة)، ثمَّ جرى إقرارُ نظامِها في اجتماعٍ تالٍ في (القاهرة)، أطلقَ المجتمعونَ فيه على مجموعتِهم اسمَ "نادي السفاري".. وبهذا راحت عمليّاتُ التمويلِ والتدريبِ والتسليحِ والتسلّلِ والقتالِ تمتدُّ من غربِ (أفريقيا) إلى شرقِها[4]!



التجرِبةُ الثالثة: (أفغانستان):

عندما حدثَ التدخّلُ السوفيتيُّ في (أفغانستان)، جرى تطويرُ الفكرةِ مرّةً ثالثةً لتُناسبَ ضرورةَ مقاومةِ هذا التدخّل.

وفي هذه المرّةِ تقدّمتْ وكالةُ المخابراتِ المركزيّةُ الأمريكيّةُ لقيادةِ النشاطِ الخفيّ، حيثُ تمَّ تدريبُ ألوفٍ من الشبابِ العربيِّ المسلمِ ليقودوا الجهادَ المقدّسَ ضدَّ الشيوعيّةِ الدوليّةِ التي احتلّتْ (أفغانستان).. وكانتِ الأموالُ تتدفّقُ بلا حسابٍ من (الولاياتِ المتّحدةِ) وشركاتِها العملاقةِ في الشرقِ الأوسط، تحتَ تصوّرِ أنَّ وجودَ السوفيت في (أفغانستان) هو خُطوةٌ أولى في الاندفاعِ نحوَ الخليجِ الفارسيّ، تمهيدًا للسيطرةِ على منابعِ البترولِ فيه.

وقد بلغَ تكديسُ السلاحِ الحدَّ الذي جعلَ الدائرةَ المحيطةَ بـ (كراتشي) بقطرِ 30 كيلومترًا، تحتوي على أكثرَ من مليونِ قطعةِ سلاح!!

وكانت معركةُ (أفغانستانَ) تجرِبةً لإيجادِ نوعٍ من المقاتلينَ المسلمينَ الأصوليّينَ، جرى تدريبُهم وتسليحُهم وترسيخُ عقائدِهم الدينيّةِ لمواجهةِ الإلحادِ الشيوعيّ[5]!.. والحقيقةُ أنّهم قاموا بجزءٍ كبيرٍ من القتالِ الفعليِّ في (أفغانستان) ضدَّ مواصلاتِ وخطوطِ جيشِ الاحتلالِ السوفيتيّ.. وبينما كانَ الزعماءُ القبليّونَ الأفغانُ مشغولينَ بالحصولِ على المساعداتِ وتكديسِ السلاحِ ـ والتجارةِ أحيانًا في المخدّرات ـ لتوفيرَ قوّتِهم لما بعدَ الحرب، كانَ آلافٌ من الشبابِ المسلمِ هم الذينَ يقاتلون.

وعادَ هؤلاءِ المقاتلونَ الأفغانُ بعدَ ذلكَ لأوطانِهم الأصليّة، وراحوا يشاركونَ في عمليّاتِ العنفِ السياسيِّ ضدَّ النظمِ الحاكمة[6]!



التجرِبةُ الرابعة: حربُ الخليجِ الأولى:

تمَّ تطويرُ الفكرةِ للمرّةِ الرابعةِ في حربِ الخليجِ الأولى بينَ (إيران) و(العراق).. والمُطالعُ لقضيّةِ (إيران ـ كونترا) سيجدُ أنَّ البيتَ الأبيضَ نفسَه قد دخلَ إلى مجالِ العملِ المباشرِ على الأرض، بواسطةِ رجالٍ من أمثالِ (ماكفرلين) و(بويند كستر) ـ وكلاهما كانَ مستشارًا للأمنِ القوميّ ـ ومديرِ المخابراتِ (وليم كاسي)، والكولونيل (أوليفر نورث)، والرئيسِ الأمريكيِّ (رونالد ريجان) نفسِه، الذي انساقَ أو تورّطَ على غيرِ إرادتِه في صفقاتِ سلاحٍ سرّيّةٍ بدعوى إطلاقِ سراحِ الرهائنِ الأمريكيّينَ في (طهرانَ) و(بيروت) مقابلَ سلاحٍ لـ (إيران)، يُباعُ لها بضعفِ ثمنِه، ليذهبَ فارقُ الثمنِ لتمويلِ نشاطِ عصاباتِ الكونترا، التي تُقاومُ نظامَ الساندينستا في (نيكاراجوا)، وكانت (إسرائيلُ) هي الوسيطَ الذي راحَ يُغري (ريجان) باحتمالِ استعادةِ (إيرانَ) إلى نفوذِ الغربِ مرّةً أخرى، بعدَ أن تملّصتْ من سطوتِه إثرَ قيامِ الثورةِ الإسلاميّةِ بها.

وأدّى ذلكَ إلى دخولِ عناصرَ منَ البيتِ الأبيضِ في عمليّاتٍ سرّيّةٍ وصلتْ لحدِّ ترتيبِ غاراتٍ جوّيّةٍ وبحريّة، وفرضِ الحصارِ على موانئَ، واعتراضِ طرقِ التجارةِ الدوليّةِ من شواطئِ الخليجِ الفارسيِّ إلى (نيكاراجوا) على الأطلنطيِّ الجنوبيّ.

لقد كانت فضيحةُ (إيران ـ كونترا) قنبلةً مدوّيةً، لفتتِ الأنظارَ إلى نشاطِ إمبراطوريّاتِ الظلال، وكادتْ أن توديَ بعصرِ (ريجان)!.. ولكنّها لم تكنِ الوحيدة!



أذرعُ الأخطبوط:

فهناكَ أيضًا قضيّةُ بنكِ الاعتمادِ والتجارة، وهي تُظهرُ إلى أيِّ مدى كانتِ الأموالُ تتدفّقُ من أجلِ تمويلِ أنشطةٍ معظمُها خارجَ الشرعيّة، تمتدُّ عبرَ القارّاتِ والمحيطات.

وهناكَ المافيا الإيطاليّةُ التي يدلُّ نفوذُها في الحكومةِ ونشاطُها العالميُّ على أنَّ كتائبَ الظلامِ لم تعُدْ تُفرّقُ بينَ العملِ السياسيِّ والنشاطِ الإجراميّ، فالخطوطُ تشابكتْ، والأموالُ اختلطتْ وامتزجتْ.

وهناكَ تمويلٌ نفطيٌّ لحملاتٍ انتخابيّةٍ في بلدانٍ غربيّةٍ كبرى.. ويروي (محمد حسنين هيكل) أنَّ الرئيسَ (محمد أنور السادات) قد استدعاه يومًا يسألُه عن رأيِه في عرضٍ جاءه للاشتراكِ في تمويلِ حملةِ رئاسةِ (ريتشارد نيكسون) الثانيةِ عامَ 1972، وقالَ له إنَّ الحملةَ تتطلّبُ 12 مليونًا من الدولارات، تتحمّلُ (السعوديّةُ) خمسةً منها، و(الكويتُ) خمسةً أخرى، ومطلوبٌ من (مصرَ) مليونانِ فقط مراعاةً لظروفِها الاقتصاديّة!.. وكان رأيُ (هيكل) أنّه من الأفضلِ أن تبتعدَ (مصرُ) عن هذه اللعبةِ الخطرة.. وإن كانَ غيرَ واثقٍ ممّا تمَّ بعدَ ذلك في الموضوع.. كلُّ ما يثقُ منه، هو أنَّ الوسيطَ في هذه العمليّةِ كانَ واحدًا من أقطابِ امبراطوريّاتِ الظلال، وأنّه بعدَ أن سافرَ إلى (واشنطن) أرسلَ للرئيسِ (السادات) خطابًا شخصيًّا على ورقٍ رسميٍّ يحملُ أعلاه عنوانَ البيتِ الأبيض!

من الواضحِ أنَّ كلَّ هذه القضايا متشابكة، وأنَّ هناك مجموعاتٍ من رجالِ السلطةِ في بلدانٍ كثيرةٍ معتقدينَ بفاعليّةِ العملِ المباشر، نظرًا لقوّةِ المؤسّساتِ الدستوريّةِ والقانونيّة، وسطوةِ الصحافةِ في الغرب، ممّا لا يمنحُهم حرّيّةً أكبرَ للتحرّكِ العلنيّ.. وهذه المجموعاتُ متحالفةٌ مع مجموعاتٍ أخرى من الشركاتِ الكبرى، العاملةِ في استخراجِ النفطِ أو تصنيعِ السلاح، والبنوكِ، وأجهزةِ المخابراتِ الدوليّة...

وقد تدنّت مستوياتُ العملِ الدوليِّ بشكلٍ مثيرٍ للقلق، لدرجةِ أنَّ حملةً عسكريّةً دوليّةً خرجتْ باسمِ ميثاقِ الأممِ المتّحدةِ، ومن بينِ أهدافِها المعلنةِ ضربُ واعتقالُ (محمد فارح عيديد)، في بلدٍ عربيٍّ إفريقيٍّ صغيرٍ وبائسٍ كـ (الصومال).. والملفتُ للنظرِ أنَّ المندوبَ المفوّضَ من الأممِ المتّحدةِ في (الصومال)، هو الأميرال (جوناثان هاو)، الذي قضى مدّةَ خدمتِه في مجالِ مجلسِ الأمنِ القوميِّ في البيتِ الأبيضِ في عهد (ريجان) وعهد (بوش)، وكانَ قريبًا جدًّا من مدارسِ العملِ المباشر، بغضِّ النظرِ عن القوانينِ والدساتيرِ وميثاقِ الأممِ المتّحدةِ[7]!



تغيّرُ المبادئِ مع تغيّرِ المصالح[8]:

كانتِ الثرواتُ الطبيعيّةُ مثلُ الذهبِ والألماسِ واليورانيوم، مثارًا للأطماعِ الغربيةِ في (أفريقيا).. وكثيرًا ما كانتِ الحروبُ والفتنُ عاملا مساعدًا على سهولةِ حصولِ الغربِ على تلكَ الثرواتِ وبأسعارٍ بخسة.

إلا إنَّ (أفريقيا) جنوبِ الصحراءِ قد شهدتْ تحوّلا جذريًّا في السنواتِ العشرِ الأخيرة، تمثّلَ في تفجّرِ البترولِ بغزارةٍ في العديدِ من دولِها، وعلى رأسِها (أنجولا).

وعلى عكسِ الثرواتِ المعدنيّة، فإنَّ استخراجَ البترولِ ونقلَه يحتاجانِ إلى حدٍّ أدنى منَ الاستقرارِ وتأمينِ خطوطِ الإمداد، حيثُ لا تتحمّلُ طبيعةُ استخدامِه تعرّضَ خطوطِ إمدادِه للتهديدِ بانقطاعِه، أو حتّى التأخيرِ أو التذبذبِ في كّمياتِه بسببِ الحرب.

هذه العواملُ هي ما أدّتْ لتغييرِ سياساتِ (أمريكا) والغربِ في (أنجولا).. فنظرًا لأنَّ ثروةَ البلادِ من الألماسِ كانت في منطقةِ نفوذِهم، كانت المساعدةُ والدعمُ يقدّمانِ للمتمرّدينَ في حركةِ "يونيتا" بقيادةِ (سافيمبي)، لدرجةِ أنَّ (إسرائيلَ) ظلّتَ طوالَ الثمانينيّاتِ تدعّمُه بالطائراتِ الحربيّةِ التي كان يقودُها الإسرائيليّونَ أنفسُهم في كثيرٍ من الأحيان، لقصفِ قواعدِ القوّاتِ الحكوميّة.

ولكن عندما تفجّرَ البترولُ أمامَ السواحلِ التي تسيطرُ عليها القوّاتُ الحكوميّةُ، انقلبَ التحالفُ مع المتمرّدينَ إلى تحالفٍ مع الحكومة[9]!

وبهذا فوجئَ (سافيمبي) بصدودٍ أمريكيٍّ مطلقٍ تجاهَه منذ عامِ 1992، بعدَ أن كانَ أحلفَ حلفائها في الحربِ التي أشعلتها (أمريكا) نفسُها لتمزّقَ البلادَ على مدى 27 عامًا، بينما منحتْ دعمَها المطلقَ لحكومةِ (لواندا)، حيثُ لعبتِ المخابراتُ المركزيّةُ الأمريكيّةُ دورًا جوهريًّا في مساعدتِها في اقتلاعِ ميليشياتِ حركةِ "يونيتا" من معاقلِها في شرقِ البلاد، بتزويدِها بكلِّ المعلوماتِ حولَ تحرّكاتِ قوّاتِ (سافيمبي)، بل وشاركتْ مشاركةً رئيسيّةً في حملةِ اصطيادِ (سافيمبي) شخصيًّا وتصفيتِه جسديًّا.. كما أوفدتْ (إسرائيلُ) خبراءَ ومهندسي راداراتٍ، ليقيموا شبكةً راداريّةً لا يمكنُ اختراقُها، لمنعِ الإمداداتِ الجوّيّةِ عن (سافيمبي)، بعدَ أن تمَّ قطعُ معظمِ طرقِ إمدادِه بالبرّ!

ولم يُغنِ عن (سافيمبي) خطابُه لـ (جورج بوش) الابن، الذي ذكّره فيه بعَلاقاتِه الحميمةِ مع والدِه منذُ كانَ رئيسًا للمخابراتِِ ثمَّ نائبًا لـ (ريجان) ثمَّ رئيسًا، وناشدَه التدخّلَ بالوساطةِ لاستئنافِ المفاوضاتِ بينَه وبينَ الحكومةِ الأنجوليّة.

لا ولم يُغنِ عنه استنجادُه بأصدقاءٍ آخرينَ في الإدارةِ الأمريكيّة، كوزيرِ الخارجيّةِ (كولين باول)!

لقد نسيَ (سافيمبي) أنَّ لغةَ المصالحِ لا مكانَ فيها لمفرداتِ "الصداقة"، "الوفاء"، و"الأخلاق"!!



من دفعَ الثمن؟:

واضحٌ جدًّا أنّ الشعبَ كانَ آخرَ من وقعَ في حساباتِ (أمريكا) والغرب، بل وحساباتِ الحكومةِ الأنجوليّةِ نفسِها!!

ففي الوقتِ الذي تعجُّ فيه أنجولا بالثرواتِ البتروليّةِ، فتحتلُّ المركزَ السابعَ عالميًّا في إنتاجِِ البترول، بالإضافةِ لرصيدِها الضخمِ من الألماس، تجدُ أنَّ سكانَها الذين يبلغُ عددُهم 12 مليونَ نسمةٍ، يعيشُ 9 ملايين منهم تحتَ خطِّ الفقرِ المدقع، لدرجةِ الموتِ جوعًا.. ويبلغُ متوسّطُ عمرِ الإنسانِ هناك 42 عامًا، في حينِ يموتُ ثلثُ الأطفالِ تحتَ سنِّ الخامسةِ دونَ بلوغِها، أمّا الأمّيّةُ فتبلغُ نسبتُها 72%!

إنَّ الغربَ الذي صنعَ هذه المأساةَ بسببِ جشعِه، على استعدادٍ لأن يُكرّرَ المأساةَ من جديد، فهو يساندُ حاليا حكومةَ (رواندا) ضدَّ الشعبِ الأنجوليّ، بغضِّ النظرِ عن فسادِها ومتاجرتِها بثرواتِ البلاد، التي تصبُّ في النهايةِ في يدِه!!

وبهذا نرى كيفَ ضاعَ شعبٌ بائسٍ تحتَ أقدامِ العمالقة: (أمريكا) و(فرنسا) و(الاتحاد السوفيتيّ)، وصنيعتِهم اللعينة: (إسرائيل)، والتابعينَ المنقادينَ المخدوعين الفاسدين: (إيران) على عهدِ الشاه، و(مصر) و(المغرب) و(السعوديّة).

وما خفيَ كانَ أعظم!!

يا له من عالمٍ قذر!!

[1] "امبراطوريّاتُ الظلال" هو عنوانُ المقالِ الذي نشرَه (محمد حسنين هيكل) في الصحفِ الآسيويّةِ في مارس 1992، وأعادَ نشرَه ضمنَ كتابِ "المقالاتُ اليابانيّة".

[2] كانَ تدخّل (عبد الناصر) في اليمن من أكبر أخطائه:

-   ليس فقط لأنّها كانت حربا أهليّة، فلا مجال للقولِ إنّها كمساندة مصرَ للجزائرِ ضدّ الاحتلال الفرنسيّ، أو مشاركة مصر في حرب فلسطين 1948.

-   ولكن لأنّ ذلك أدّى لانقلابِ أمريكا ضدّه، وقد كانت تساند الثورةَ عند قيامها (ليس حبّا في مصر، ولكن للقضاء على فكرة عودة الخلافة الإسلاميّة بإشاعة القوميّة في البلاد العربيّة)، كما كانت (أمريكا) و(روسيا) هما السبب الرئيسيَّ في جلاء انجلترا وفرنسا عن مصر عقب العدوان الثلاثيّ، كما أنّ أمريكا أجبرت إسرائيل على الخروجِ من سيناء.. ولكن عندما نسي عبد الناصر نفسه وبدأ يأخذ أكبر من حجمه الطبيعيّ، كان لا بدّ من تأديبه والقضاء على فكرة القوميّة العربيّة التي بدأت تصبح خطرا على مصالح أمريكا وإسرائيل، لهذا تدخّلت أمريكا في حرب اليمن، كما أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لتشنّ حرب 1967، لتكسر بقيّة الجيش المصريّ في سيناء.. بصراحة: تخطيط يستحقّ الإعجاب رغم خبثه، يناظره غباء عرّبيّ بلا حدود.

لقد انتهت هذه المرحلة بأن أعطت أمريكا درسا قاسيا لكلّ من يحلم بالوحدة العربيّة، بحيث صار من يحتفظ بمثل هذه الفكرة يبدو كأنما أصابه مسّ من الجنون (كالقذافي مثلا!!).. كما أنّ الصراع العربيّ الإسرائيلي تحوّل من يومها إلى صراعٍ لاستعادة الأراضي التي احتلّتها في النكسة، والتي لم تعد حتّى الآن، في حين صارت كلّ الأراضي الفلسطينيّة التي نهبتها إسرائيل منذ 1948 حقّا مشروعا خارج النقاش!!

[3] ألا يجب أن تتساءل عن السببِ الذي يتمّ من أجلِه توقيعُ معاهدةٍ، مع أنّ الأمرَ سرّيٌّ والعمليّةَ قذرة؟.. ألا يبدو لك ذلك نوعا من التوريط لرؤساء الدول العربيّة المغفّلين، حتّى تكونَ مثل هذه الوثائق نوعًا من طرق الضغط عليهم، بأن يهددُهم الأمريكان بفضحِهم أمام شعوبِهم، إذا ما فكروا في التراجعِ أو التملّصِ من سيطرةِ (أمريكا)، أو أفاقوا فجأةً وقرروا العملَ من أجلِ مصالحِ أوطانهم؟

[4] هذا الكلامُ المخيفُ يستدعي عدّةَ وقفات:

-        هل مثلُ هذه الأعمالِ دستوريّة؟.. وهل يحقُّ إخفاؤها عن الشعوبِ؟.. وهل هي أخلاقيّةٌ أو إنسانيّة؟.. هل يحقُّ القيامُ بها أصلا؟!!

-   هل بلغَ الغباءُ بزعماءِ العربِ لدرجةِ استغلالِهم إلى هذا الحدّ، حتّى يصيروا مجّردَ سماسرةِ سلاحٍ ومشعلي فتنٍ وثوراتٍ وسفاحين؟.. وفي بلادٍ بعضُها عربيٌّ وإسلاميّ؟

-   أليسَ طبيعيًّا أن تحيقَ بنا كلُّ المحنِ والنكباتِ والمصائبِ والكوارثِ واللعناتِ مع حكوماتٍ تفكّرًُ وتتصرّفُ على هذا النحوِ غيرِ الشرعيِّ غيرِ القاونيِّ غيرِ الأخلاقيِّ غيرِ الإنسانيّ؟!!

-   أليسَ منَ السهلِ على من لا يكترثونَ بالحياةِ الإنسانيّةِ في غيرِ أوطانِهم لخدمةِ مطامعِهم ومصالحِهم الشخصيّة، ألا يكترثوا بمصالحِ شعوبِهم لخدمةِ نفسِ المصالحِ والمطامع؟.. ألا يُبرّرُ لكَ هذا انتشارَ الفسادِ الإداريِّ والحكوميِّ، والرشوةِ والعمولاتِ والاختلاسِ والسرقة، ووصولَ الانتهازيّينَ والفاسدينَ وقليلي الكفاءةِ وكلِّ من هو على استعدادٍ لتقديمِ التنازلاتِ والسكوتِ عن الحقِّ والاشتراكِ في المؤامراتِ المشبوهةِ للمناصبِ العليا؟

-   هل استفدنا أيَّ شيءٍ جوهريٍّ حينما حكمنا حكّامٌ وطنيّونَ يحملونَ نفسَ جنسيّاتِنا؟.. هل كانوا أكثرَ اكتراثًا بنا من الولاةِ والأمراءِ الأغراب؟.. هل حقًّا عملوا لمصالحِنا وتناسوْا مصالحَهم الشخصيّة؟.. أعتقدُ أنّّنا نحتاجُ لرجالٍ ينتمونَ للهِ والحقِّ والمبادئِ والمثل، ويفهمونَ المجتمعَ الذي يحكمونَه فهمًا عميقًا، أكثرَ ممّا نحتاجُ لرجالٍ ينتمونَ لجنسيّاتٍ وأعراقٍ لا تدلُّ على أيِّ شيء!!

-   الحكامُ من رجالِ الجيشِ لم يعودوا يصلحونَ لحكمِ مجتمعاتِنا، لأنَّ عقليّتَهم وذكاءَهم ونوعيّةَ دراستِهم وخبرتَهم لا تؤهّلهُم لقيادةِ المجتمعاتِ الحديثةِ بكلِّ تعقيداتِها، وبكلِّ فئاتِها من المثقّفينَ والعلماءِ والأدباءِ والمبدعينَ وحتّى العاديّينَ من فئاتِ الشعبِ المختلفة.. ربّما أفادنا هؤلاءِ في وقتِ الحروب ـ مع أنَّ معظمَ تاريخِنا الحديثِ هزائم!! ـ ولكنّهم على المدى البعيدِ أدّوا إلى ترهّلِ مجتمعاتِهم سياسيًّا وديمقراطيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا، بسببِ عدمِ قدرتِهم على فهمِ مجتمعاتِهم فهمًا صحيحًا شاملا بعيدَ المدى!!!!!!

-   رغمَ أنَّ (أمريكا) لم تحفظْ للعربِ جميلا واحدًا إزاءَ كلِّ ما قدّموه لها من تنازلاتٍ هي بكلِّ المقاييسِ مهينة، إلا أنّ حكّامَهم ما زالوا لم يعوا الدرسَ بعد، وما زالوا يدّمرونَ بنياتِ مجتمعاتِهم الأخلاقيّةَ والدينيّةَ والديمقراطيّةَ والتعليميّةَ والعلميّةَ والإعلاميّةَ والثقافيّةَ ليحوزوا رضا ومعوناتِ ـ وأحيانًا عمولاتِ ـ (أمريكا)!

[5] رأينا كيفَ تخلّصتْ (أمريكا) من هؤلاءِ المقاتلينَ حينما تعارضوا مع مصالحِها في المنطقة، بعدَ نسبةِ أحداثِ 11 سبتمبر 2001 إليهم!!.. إنَّ هذا السيناريو مألوفٌ في عالمِ الإجرامِ والخيانةِ والشرّ، فأيُّ شخصٍ أو جهةٍ ينتهي دورُها يجبُ التخلّصُ منها فورًا، حتى لا تكونَ شوكةً في الظهر!!

[6] هذا الكلامُ يحتاجُ لبحثٍ دقيق، فاللعبُ على الطريقةِ الأمريكيّةِ يقتضي استغلالَ هذه الطائفةِ بأكثرَ من طريقةٍ لتحقّقَ النتائجَ القصوى، فبعدَ أن أجهزَ المقاتلونَ الأفغانُ على (الاتحادِ السوفيتيّ)، يمكنُ تدبيرُ مجموعةٍ منَ الحوادثِ الإرهابيّةِ وإلصاقُ تهمتِها بهم، ليظهروا أمامَ حكوماتِهم كمصدرِ خطرٍ جسيم، يدفعُها للاعتقادِ بأنَّ الإسلامَ خطرٌ داهمٌ على أنظمةِ الحكم، فتعملُ على التخلّصِ من المقاتلينَ الأفغان، بل ومحاولةِ إلهاءِ الناسِ عن الإسلام، بإشاعةِ إعلامٍ فاحشٍ يؤدّي لانحرافِ الشباب، وبثِّ أعمالٍ فنّيّةٍ وفكريّةٍ تؤكّدُ أنَّ الأصوليّةَ والإرهابَ وجهانِ لعملةٍ واحدة، وإلقاءِ القبضِ على كلِّ جماعةٍ إسلاميّةٍ تسعى للمشاركةِ السياسيّة، وإقصاءِ كلِّ من له اتجاهاتٌ دينيّةٌ عن المناصبِ القياديّةِ والنقاباتِ والجامعاتِ وحتّى المدارس، وإحلالِهم بالمنحرفينَ والمضطربينَ ومُعادي الأخلاقِ والقيم.. وبهذا تحقّقُ (أمريكا) أهدافَها، ألا وهي تدميرُ المجتمعاتِ العربيّةِ من الداخل، وإظهارُ الإسلامِ بمظهرِ الدينِ الذي يحضُّ على العنفِ والإرهاب، وبالتالي تتعاظمُ أهميّةُ (إسرائيل) كبؤرةٍ للحضارةِ والتمدّنِ وسطَ دائرةِ الهمج.. وللأسفِ هذا ما حدث!!

[7] ما زالت (أمريكا) تتذكّرُ ما حاقَ بها من خسائرَ فادحةٍ في (الصومال)، وفشلَها في تحقيقِ أهدافِها هناك، وانسحابَها في خيبة ومذلّة، لذلك فهي ما زالت تتحرّشُ بتلك الدولةِ الصغيرة، وتحاولُ أن تستغلَّ أحداث 11 سبتمبر 2001، لتتّهم (الصومالَ) بأنّه يؤوي تنظيمَ القاعدةِ ويدرّبُ الإرهابيّين، ذريعةً لضربِه!!!

[8] أنا أستفيدُ هنا من تحقيق (يحيى غانم) "ثروات إفريقيا على مذبحِ سلام غربيّ (2)"، الأهرام، 17/8/2002، ص 7.

[9] لعلك لاحظت السعار الذي يصيب أمريكا كلما ذكرت لفظة بترول، ومواقفها في الخليج وأنجولا وأفغانستان والعراق للسيطرة على منابع البترول واضحة.. قد تستوعب السبب، لو عرفت أن التقديرات تخمن أن البترول سينضب في (أمريكا) في حوالي عشر سنوات!!، وسينضب في معظم العالم خلال الأربعين عامًا القادمة، ما عدا في بعض المناطق الغنية بالاحتياطي البترولي، ومنها دول الخليج، التي تحتوي على 85% من احتياطيّ البترول العالميّ.. المشكلة أن البدائل حتى الآن غير عملية، ولو لم يتم تطوير بدائل فعالة رخيصة وغنية بالطاقة، فإن نضوب البترول سيشكل كارثةً على الحضارة الغربية، التي تعتمد عليه اعتمادًا كبيرا في توليد الكهرباء، والصناعة، والمواصلات، والجيش (لا يمكن مثلا أن تتصور طائرة تطير بمفاعل نووي، أو صاروخا ينطلق بطاقة الرياح!!).. ليس غريبًا إذن أن (أمريكا) ـ أكبر دولة في العالم استهلاكا للبترول ـ تسعى لتخزين احتياطيٍّ هائل منه، وتعمل على حشد قواعدها العسكرية على حدود آباره، ليس فقط لكي تؤمن لشركاتها العملاقة امتيازات التنقيب عنه واستخراجه، أو لكي تضمن عدم منعه عنها كتهديد استراتيجيّ كما فعل العرب في حرب أكتوبر، ولكن حتى تذود عنه إذا بدأ السباق العالميّ للحصول على آخر منابعه.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق