إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 27 يوليو 2015

746 كيف انحرف العالم ؟ متناقضات الحرّيّة: الرابع عشر - نحن نعيش أشدّ عصور العبوديّة إظلاما:


746

كيف انحرف العالم ؟
 
متناقضات الحرّيّة:
 
الرابع عشر - نحن نعيش أشدّ عصور العبوديّة إظلاما:

المذهل أنّه بينما يظنّ كلّ منّا أنّه صار أكثر حرّيّةً في هذا العصر مقارنة بالعصور السابقة، فإنّ الحقيقة هي أنّنا نعيش في سجن كبير، وعبوديّةٍ أشدّ وأنكى من تلك التي عاناها العبيد في الإمبراطوريّة الرومانيّة!!

كيف؟.. انظر معي:

-   منذ يوم مولدنا، يتلقّفنا سادة العصر بكلّ وسائل الإعلام، ليقنعونا بما راق لهم من أفكار، وينفّرونا ممّا لا يروقهم.. وبهذا، بينما كان الطغاةُ يُمعنون في تعذيب العبدِ لإكراهه على ما يريدون فلا يقدرون، لا يبذل الطغاة اليومَ أيّ مشقّةٍ في برمجة قطعانِ البشر على مشيئتهم!!.. بل نقبلُ نحنُ على ما يريدونَ بلهفة، وندفع ثمنَه من جيوبِنا!!

-   ومن لم يكفِه الإعلام، يتمّ استيعابه في نظام التعليم الإلزاميّ، الذي ينفقُ فيه أجملَ وأهمّ سنواتِ عمره، ليتشبّع بالمزيد من الأفكار المريضة، ويتمَّ عزله عن دينه وتراثه وواقعه وهدفه في الحياة.. إنّ الجاهل قديما كان أكثر حرّيّة من المتعلّم اليوم، فنظام التعليم الحاليّ عبارة عن سجنٍ ليس أكثر، ليس لك فيه حرّيّة اختيار الزمان ولا المكان ولا المناهج ولا المدرّسين ولا الطلبة الزملاء ولا نظام الإدارة، بالإضافة إلى أنّك لا تعرف إلى أين سينتهي بك، فدخول الكلّيّة معتمد على المجموع النسبيّ، ممّا يعني أنّه لا يختصّ بك وحدك، بل يختصّ بباقي المتعلّمين، وعدد من يتفوّق عليك منهم!!.. ثمّ بعد كلّ هذا، تكتشف أنّ الشهادة التي حصلت عليها ـ إن حصلت عليها ـ لم تؤهّلك إلا للوقوف في طابور البطالة الطويل!!

-   ليس هذا فحسب، بل إنّ تصميم هذا المسار التعليميّ بمثل هذا الطول يفقدك استقلالك وحرّيّتك، فبلوغ السادسة عشرة في العصور السابقة كان يعني الرجولة والاستقلاليّة والزواج والإنجاب لمعظم الرجال، أمّا الآن فهو لا يعني أيّ شيء، فأنت مجرّد طفلٍ ينفق عليه أبواه ليتعلّم، وبالتالي ليس لك أيّ حرّيّة في اختيار ما تريد، سوى أن ترضح لرغبة والديك وتذاكر!.. هل علمت لماذا تتحوّل بيوتنا إلى جحيم، لمجرّد بلوغ أحد أبنائها هذه السن، ومحاولتِه للاستقلالِ واكتشافِ الحياةِ على طريقتِه؟

-   ليس هذا فحسب، بل إنّ إدراكك لتأخّر سنّ الزواجِ الإجباريّ، يدفعك دفعا لتصبح عبدا لشهواتك، ليتدرّج بك الأمر من مشاهدة العاريات في التلفاز والمجلات والإنترنت، إلى مصاحبة الفتيات وممارسة الرذائل، وربّما يفضي بك إلى الزنا.. أمّا لو حاولت أن تتبع ضميرك، فهذا معناه أن تعيش تصارع أقوى غريزة بشريّة عرفها الإنسان ـ بل والحيوان ـ والتي تعتبر الدافع الأوّل لاستمرار الحياة، لفترة لا تقلّ عن 14 عاما بل تزيد، في ظلّ العري والفجور والفحش المنتشر، ممّا يضعك في كبت ومعاناة وضيق مستمرّ.. إنّهم يشاهدوننا ويضحكون، وكلّما ضعف أحدنا وسقط عبدا لشهواته ولهم، قرعوا كئوسهم وكدّسوا ثرواتهم، فهم أكبر المتاجرين بالغرائز، ونجحوا في تحويل المجتمعات إلى ماخور كبير، يكسبون النقود فيه مع كلّ نفس!!.. أزياء.. موضات.. عطور.. أدوات تجميل.. منشّطات جنسيّة.. كتابات إباحيّة.. إعلانات.. أفلام.. دعارة.. إلخ.. إلخ.

-   ولكن عليك أن تحاذرَ حتّى عندما تنجرف لغوايتهم، فهم أيضا واضعو قوانين الأخلاق ومنفّذوها، ولا بدّ من التضحية ببعض الكباش بينَ الحين والآخر، للظهور بمظهر من يدافع عن الفضيلة في المجتمع، وإلصاق الفساد والرذيلة بالشعبِ المنحرف!!

-   وحينما تنجح أخيرا في اجتياز هذه المفرمة، وتحصل على وظيفة بائسة، تجد نفسك مضّطرا للسرقة والغشّ والاختلاس وقبول العمولات والرشاوى.. تقبلها لأنّ راتبك لا يمكن أن يحقّق حلمك بالزواج قبل ألف عام!!.. تقبلها لأنّك لن تكون المغفّل الوحيد الشريف في هذا المجتمع!!.. تقبلها لأنّك لو تمسّكت بشرفك، فستجد ألف لصّ ممّن حولك يتربّصون بك، خوفا من أن تعطّل مصالحهم أو تشيَ بهم، أو حتّى لمجرّد أنّك تمثّل لهم صوت ضمير أحمق يجب إخراسه!!

-   ثمّ تكتشف أنّ كلّ ذلك لا يكفي، وأنّ عليك أن تسافر للعمل في الخارج لاختصار وقت جمع النقود.. وبهذا يضيع المزيد من عمرك في الغربة لصالح أسيادك، فأنت بالنسبة لهم مجرّد سلعة تمّ تصديرها، تعود عليهم بالدولارات لتصحيح العجز في الموازنة.. هل علمت الآن لماذا يزيدون أعداد خرّيجي الجامعات باستمرار رغم فشل التعليم، ولماذا لا يحاولون حلّ مشكلة البطالة؟؟

-   وطبعا تنتهي حرّيّتك في تعدّد الزوجات، فأنت أساسا لا تستطيع تزوّج واحدة إلا بعد ضياع أكثر من نصف عمرك.. بل إنّك تعلم تمام العلم أنّك لن تستطيع الإنفاق على أكثر من طفلين، أو ثلاثة على أقصى تقدير.

-   وليت هذا يكفي، بل إنّك تجد نفسك مضطرّا لتشغيل زوجتك ـ كما كانت الأمة تعمل طوال التاريخ!! ـ حتّى لو كنت معترضا، فلن يمكنك أبدا أن تعول الأسرة بمفردك.. وبهذا تضيف لنفسك تلا جديدا من المشاكل، مثل ازدياد عصبيّة الزوجة مع ازدياد متاعبها، وقلّه متابعة الأطفال وزيادة احتمال انحرافهم، وتطاول الزوجة عليك لشعورها بأنّها تقوم بجزء من دورك بالإضافة لدورها، بجانب ما تمّ حشو رأسها به من المفاهيم التلفزيونيّة المدرسيّة الهدّامة.

-   وطوال الوقت، تحاصرك زوجتك وأولادك بمطالبهم الاستهلاكيّة.. سلع.. كماليّات.. تفاهات.. رسوم وفواتير.. طاحونة أبديّة.

-   وبهذا تكتشف أنّ الزواج لا يحقّق السكن والسكينة، ولا يعدو أن يكون مجرّد حكم مؤبّد بالأشغال الشاقّة، تكدح فيه لمدّة 25 عاما على الأقلّ للإنفاق على أبنائك حتّى يحصلوا على شهاداتهم العقيمة ويعيدوا الكرّة!!.. ألم يكن العبد وزوجته الأمةُ أكثر اتزانا وترابطا ومودّة من ذلك؟؟

-   هذا دون أن تدري أنّ الميزة الوحيدة التي تميّزك عن المقهورين تاريخيّا هي ميزة وهميّة!.. فبينما كان الإقطاعيّون والملوك والطغاة يرسلون أتباعهم ليفتّشوا الديار ويجلدوا الناس حتّى يحصلوا منهم على الضرائب، تجد أنّك تدفع ضرائب على كلّ شيءٍ دون أن تدري، فالضريبة تؤخذ من راتبك، وتضاف ألف مرّة على سعر كلّ منتج تشتريه.. مرّة حين تُستورد الخامات.. ومرّة حين تُصنّع.. ومرّة حين تُنقل.. ومرّات ومرّات عندما تنتقل من كلّ تاجر جملة إلى آخر.. ضرائب على الدخل، والسلع، والنشاط التجاري، والعقارات، والتركات.. ضرائب حتّى على الضرائب نفسها!!.. كلّ هذا وأنت راض قانع.. كلّ هذا وهم آمنون من أن تثور عليهم، مثلما كان يفعل من يجلدون ظهورهم في العصور السابقة!!

-   والأروع والأكثر عبقريّة، هي الطريقة الحديثة التي يمدّون بها أيديهم في جيوبك ليسرقوا نقودَك دون أن تدري.. فمنذ اختراع العملات الورقيّة، صار بإمكانهم التلاعب بسعر العملة، فيقلّلون قيمتها ويطبعون المزيد من الورق.. إنّ الجنيه الذهبيّ المصريّ في يوم من الأيّام كان يباع بـ 98 قرشا، وذلك حتّى يخدعوا الناس لمقايضة الذهب بالورق!!.. الآن بلغ سعر الجنيه الذهبيّ مئات الجنيهات الورقيّة!!.. أين في نظرك ذهبت كلّ هذه النقود؟.. لقد سرقت من جيوبنا على مرّ السنين دون أن ندرى.. ولو استمرّ الحال على ما هو عليه، فسنصل في نهاية المطاف إلى أنّ ورقة الكرّاسة ستصير أغلى من الجنيه الورقي!!.. وكلّما تردّى المجتمع وتضاءل الاقتصاد، قاموا بتقليل سعر الجنيه الورقيّ ورفع الأسعار، وبذلك يستطيعون طباعة المزيد من الأوراق، لتعيين بعض العاطلين في أيّ مهن وهميّة، ودفع هذه الأوراق لهم.. وبهذا مهما اختلف شكل الاقتصاد، فإنّه لا يتجاوز أبدا الشكل الاشتراكيّ، حيث يتمّ أخذ النقود من الجميع، وإعادة توزيعها على العاطلين!!.. وفي النهاية تخرج كلّ هذه النقود من البلد، لتصبّ في جيوب اليهود، كفوائد للديون الفاحشة التي كبّلونا بها.. إنّ هذه أكبر وأنجح عمليّات سرقة في التاريخ!!..ولكن للأسف: لا يتم معاقبة إلا صغار اللصوص، الذين يسرقون مئات أو آلاف الجنيهات، بينما كبار اللصوص في مأمن من القانون، لأنّهم هم مألّفوه ومطبّقوه!!

-   كلّ هذا وأنت تظنّ أنّك حرّ، لمجرّد أنّك تضع صوتك في صناديق الاقتراع.. وبفرض أنّ الانتخابات نزيهة، وأنّ صوتك له قيمة، فإنّك في النهاية لا تختار إلا ما يريدونه.. إنّك ترى بعيونهم وتسمع بآذانهم.. إنّك غارق وسط الفوضى التي اصطنعوها لك حتّى لا ترى الحقيقة.. وفي النهاية يصل للحكم والمناصب من يريدونه هم وليس أنت.. فإذا حدث خطأ ووصل أحد من تريدهم، فإنّهم يسارعون باحتوائه.. إن لم يكن بالقتل فبتلفيق الجرائم والتشهير.. أو بشرائه بالمال والسلطة.. أو بتهميشه وتثبيطه وإعاقته.. وعليك أن تظلّ تحلم إلى ما لا نهاية بأن يصل من يفهمك ويسمع صوتك إلى المكان المناسب.. بلا جدوى!!

-   وبهذا تجد نفسَك غارقا في نفسك.. في أسرتك.. في مجتمعك.. في دولة متخلّفة لا علم فيها ولا اقتصاد ولا ضمير ولا ديمقراطيّة ولا قوّة عسكريّة!!.. فقط عليك أن تتمتّع بالبرود والسلبيّة واللامبالاة، لتموت في هدوء وصمت بمئات الأمراض الناتجة عن كلّ شيء ملوّث تأكله وتشربه وتشمّه.. أو بضربة مطواةٍ من بلطجيّ في شارعٍ جانبيّ.. أو في حادث سيّارةٍ على طريق مهمل.. أو في مبنىً ينهار على رأسك، أو قطارٍ يحترق بك.. أو ربّما تعيش طويلا، خاويا من الروح في زمن ضاع فيه كلّ شيء نبيل وجميل!!

-   وإن استطعت ـ بعد كلّ هذا ـ أن تبرز برأسِك من وسْطِ هذا المستنقع، وكنت ممّن يعرفون ويفهمون ويتمرّدون، فما زالت الوسائل التاريخيّة القديمة باقيةً على حالها.. السجون والمعتقلات والتعذيب الوحشيّ.. إنّك لن تفلت من قبضتهم أبدا!.. إنّهم يعرفون كيف يجعلونك عبرةً لمن لا يعتبر!

-   ولو حاولت أن تهرب من المجتمع الذي يضطهدك أو الذي لا تحقّق فيه ذاتك، فستصطدم بالحدود الجغرافيّة وتصريحات السفر وتأشيرات الدخول ومشاكل الحصول على الجنسيّة.. حتّى حرّيّة السفر والانتقال التي كانت مكفولة للأحرار عبر كلّ التاريخ صارت تاريخا.. إنّنا نعيش في سجون كبيرة بكلّ معنى للكلمة!

-   وأخيرا.. أخيرا بعد كلّ هذه المعاناة، تجد نفسك واقعا تحت الاحتلال العسكريّ لدولة أجنبيّة، مثلما حدث للعراق، ومثلما سيحدث لنا ولغيرنا عند أوّل بادرة نحاول فيها التملّص من قبضة هذه الحياة اللعينة!!

هل علمت الآن لِمَ تزدادُ معدلاتُ الإلحاد والإباحيّة والجريمة والإدمان والجفاء الأسريّ والطلاق والأمراض النفسيّة والعصبيّة والجنون والانتحار في كلّ مكان بالعالم؟

إنّ الحرّيّة الوحيدة المتاحة لنا هي حرّيّة الانحراف.. حرّيّتنا في أن نعصي اللهَ سبحانه.. حرّيّتنا في أن نؤذي أنفسَنا ومن حولنا.. حرّيّتنا في أن نبيع ضمائرَنا وأخلاقَنا وأنفسَنا!!

باختصار: إنّنا نفقدُ الدنيا والآخرة.. نفقد سعادتنا واستقرارنا.. نفقد حتّى آدميّتنا!!

إنّ هذا هو ما قدّمه الغرب للعالم من حرّيّة!.. يا لها من حرّيّة!!

إنّ هذا هو ما يحاربُ المتأمركون والعلمانيّونَ دينَنا من أجله!!.. يا لهم من عباقرة!!

إنّ هذا هو هدفنا الأسمى في الحياة!!.. يا لها من حياة!!

احلُموا ما تشاءون، ما دمتم نائمين!

طيروا لأبعد ما تستطيعون، ما دمتم في أقفاصكم الصدئة!

اشمخوا برءوسكم كيفما تبتغون، فإنّ كلّ ذرّة من كِيانكم راكعةٌ خضوعا ومذلّةً لسادة هذا العصر!!

آهٍ كم أحسد عبيد التاريخ!!







 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق