إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

367 زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث فصل


367

زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث

   فصل


         وأما هَديه فى عَقد الذِّمة وأخذِ الجزية، فإنَّهُ لم يأخذ مِن أحد من الكفار جزيةً إلا بعد نزول سورة ((براءة)) فى السنة الثامنةِ مِن الهجرة، فلما نزلت آية الجِزية، أخذها مِن المجوس، وأخذها مِن أهل الكتاب، وأخذها مِن النصارى، وبعث معاذاً رضى الله عنه إلى اليمن، فعقد لمن لم يُسْلِم مِن يهودها الذِّمة، وضرب عليهم الجزيةَ، ولم يأخذها من يهودِ خيبر، فظن بعض الغالِطين المخطئين أن هذا حكم مختصٌ بأهل خيبر، وأنه لا يؤخذ منهم جزيةٌ وإن أُخِذَتْ منِ سائر أهل الكتاب، وهذا مِن عدم فقهه فى السير والمغازى، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم وصالحهم على أن يُقِرَّهم فى الأرض ما شاء، ولم تكن الجزيةُ نزلت بعد، فسبق عقدُ صلحهم وإقرارُهم فى أرض خيبر نزولَ الجزية، ثم أمره الله سبحانه وتعالى أن يُقاتِلَ أهلَ الكِتاب حتى يُعطوا الجزية، فلم يدخل فى هذا يهودُ خيبر إذ ذاك، لأن العقد كان قديماً بينه وبينهم على إقرارهم، وأن يكونوا عمالاً فى الأرض بالشطر، فلم يُطالبهم بشىء غيرِ ذلك، وطالبَ سواهم من أهل الكتاب ممن لم يكن بينه وبينهم عقدٌ كعقدهم بالجزية، كنصارى نجرانَ، ويهودِ اليمن، وغيرِهم، فلما أجلاهم عمرُ إلى الشام، تغيّر ذلك العقدُ الذى تضمن إقرارَهم فى أرض خيبر، وصار لهم حكمُ غيرهم مِن أهل الكتاب.
                    ولما كان فى بعض الدول التى خفيت فيها السُّـنَّة وأعلامها، أظهر طائفة منهم كتاباً قد عَتَّقُوهُ وزوَّرُوهُ، وفيه: أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أسقط عن يَهودِ خيبر الجزية، وفيه: شهادةُ على بن أبى طالب، وسعد بن معاذ، وجماعة مِن الصحابة رضى الله عنهم، فراج ذلك على مَنْ جَهِلَ سُـنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومغازيَه وسِيَرَه، وتوهَّموا، بل ظنوا صِحته، فَجَروْا على حُكم هذا الكتاب المزور، حتى أُلقى إلى شيخ الإسلام ابن تيمية  قدّس الله روحه  وطُلِبَ منه أن يُعين على تنفيذه، والعملِ عليه، فبصق عليه، واستدلّ على كذبه بعشرة أوجه:
منها: أن فيه شهادةَ سعد بن معاذ، وسعد توفى قبل خيبر قطعاً.
         ومنها: أن فى الكتاب، أنه أسقط عنهم الجزية، والجزية لم تكن نزلت بعد، ولا يعرِفها الصحابة حينئذ، فإن نزولها كان عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام.
ومنها: أنه أسقط عنهم الكُلَفَ والسُّخَرَ، وهذا محال، فلم يكن فى زمانه كُلَفٌ ولا سُخَرٌ تُؤخذ منهم، ولا مِن غيرهم، وقد أعاذه الله، وأعاذ أصحابَه مِن أخذ الكُلَفِ والسُّخَرِ، وإنما هى من وضع الملوكِ الظَّلمة، واستمر الأمر عليها.
         ومنها: أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فلم يذكره أحدٌ من أهل المغازى والسير، ولا أحدٌ من أهل الحديث والسُّـنَّة، ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء، ولا أحدٌ من أهل التفسير، ولا أظهروه فى زمان السَلَف، لعلمهم أنهم إن زوَّروا مثلَ ذلك، عرفوا كذبَه وبُطلانه، فلما استخفُّوا بعضَ الدول فى وقت فتنةٍ وخفاء بعض السُّـنَّة، زوَّروا ذلك، وعتَّقوهُ وأظهروه، وساعدهم على ذلك طمعُ بعضِ الخائنين لله ولرسوله، ولم يستمرَّ لهم ذلك حتى كشف الله أمره، وبيَّن خلفاءُ الرسل بطلانه وكذبَه.
         فصل
فى الأصناف التى تؤخذ منهم الجزية
         فلما نزلت آيةُ الجزية، أخذها صلى الله عليه وسلم مِن ثلاث طوائف: مِن المجوسِ، واليهود، والنصارى، ولم يأخذها من عُبَّادِ الأصنام. فقيل: لا يجوزُ أخذُها مِن كافر غير هؤلاء، ومَن دان بدينهم، اقتداءً بأخذه وتركه. وقيل: بل تُؤخذ من أهل الكتاب وغيرِهم من الكفار كعبدة الأصنام من العجم دون العرب، والأول: قول الشافعى رحمه الله، وأحمد، فى إحدى روايتيه. والثانى: قولُ أبى حنيفة، وأحمد رحمهما الله فى الرواية الأخرى.
         وأصحاب القول الثانى يقولون: إنما لم يأخذها مِنْ مشركى العربِ، لأنها إنما نزَلَ فرضُها بعد أن أسلمت دَارَةُ العرب، ولم يبق فيها مُشِركٌ، فإنها نزلت بعد فتح مكة، ودخولِ العربِ فى دين الله أفواجاً، فلم يبق بأرض العرب مشرك، ولهذا غزا بعد الفتح تبوكَ، وكانُوا نصارى، ولو كان بأرض العرب مشركون، لكانُوا يلونه، وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين.
         ومن تأمَّل السِّـيَرَ، وأيامَ الإسلام، علم أن الأمرَ كذلك، فلم تؤخذ منهم الجزيةُ لعدم مَن يُؤخذ منه، لا لأنهم ليسوا مِن أهلها، قالوا: وقد أخذها من المجوس، وليسوا بأهلِ كتاب، ولا يَصح أنه كان لهم كتاب، ورفع وهو حديث لا يثـبُت مثلُه، ولا يصح سنده.
         ولا فرق بين عُـبَّادِ النَّار، وعُـبَّاد الأصنام، بل أهلُ الأوثانِ أقربُ حالاً من عُبَّادِ النار، وكان فيهم مِن التمسك بدين إبراهيم ما لم يكُن فى عُـبَّاد النار، بل عُـبَّاد النار أعداءُ إبراهيم الخليل، فإذا أُخِذَتْ منهم الجزية، فأخذها من عُـبَّاد الأصنام أولى، وعلى ذلك تدل سُـنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه فى ((صحيح مسلم)) أنه قال: ((إذا لَقيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فادْعهُم إلى إِحْدَى خِلاَلٍ ثَلاَثٍ، فَأيَّتهنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فاقْبَلْ مِنْهُم، وكُفَّ عنهم)). ثم أمرَه أن يَدْعُوَهُم إلى الإِسْلاَمِ، أَو الجِزْيَةِ، أو يُقَاتِلَهم.
         وقال المغيرة لعاملِ كسرى: ((أمرنا نبيُّنَا أن نُقاتِلَكم حتى تعبُدوا الله، أو تؤدُّوا الجزية)).
         وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِقريش: ((هَلْ لَكُمْ فى كَلِمةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا العَرَبُ، وتُؤدَّى العَجَمُ إِلَيْكُمُ بِهَا الجِزْيَةَ)) ؟. قالُوا: ما هى ؟ قال: ((لاَ إِلَهََ إِلاَّ الله)).
 




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق