451
زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث
فصل
فى الفتح الأعظم
الذى أعزَّ اللهُ به دينَه، ورسولَه، وجنده، وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيتَه الذى جعله هُدىً للعالمين مِن أيدى الكفار والمشركين، وهو الفتحُ الذى استبشر به أهلُ السماءِ، وضربت أطنابُ عِزِّه على مَناكِبِ الجوزاء، ودخل الناسُ به فى دين الله أفواجاً، وأشرق به وجهُ الأرضِ ضِياءً وابتهاجاً، خرج له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكتائِبِ الإسلام، وجُنود الرحمن سنةَ ثمانٍ لعشر مَضَيْنَ مِن رمضان، واستعمل على المدينة أبا رُهْمٍ كُلثوم بن حُصين الغِفارى. وقال ابن سعد: بل استعمل عبدَ الله بْنَ أُمِّ مكتوم.
وكان السبب الذى جرَّ إليه، وحدا إليه فيما ذكر إمامُ أهل السير والمغازى والأخبار محمد بن إسحاق بن يسار، أن بنى بَكر بن عبدِ مناة بن كِنانة عَدَتْ على خُزاعة، وهُمْ على ماءٍ يُقال له: الوتير، فبيَّتُوهم وقتلُوا منهم، وكان الذى هاج ذلك أن رجلاً من بنى الحضرمى يقال له: مالكُ بن عبَّاد خرج تاجراً، فلما توسَّط أرضَ خُزاعة، عَدَوْا عليه فقتلُوه، وأخذُوا مالَه، فعدت بنُو بكر على رجل من بنى خُزاعة فقتلُوه، فعدت خُزاعة على بنى الأسود، وهم سَلْمَى وكُلثوم وذُؤَيْب، فقتلوهُم بِعَرَفة عند أنصاب الحَرَمِ، هذا كُلُّهُ قَبْلَ المبعث، فلما بُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام، حجز بينهم، وتشاغلَ الناسُ بشأنه، فلما كان صُلْحُ الحُديبية بينَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينَ قريش، وقع الشرطُ: أنه مَن أحبَّ أن يدخل فى عَقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهدِهِ، فَعَلَ، ومَن أحبَّ أن يدخلُ فى عَقد قريش وعَهدهم، فعل، فدخلت بنو بكر فى عَقد قُريش وعهدهم، ودخلت خُزاعة فى عَقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فلما استمرَّت الهُدنة، اغتنمها بنو بكر من خُزاعة، وأرادوا أن يُصيبُوا منهم الثأرَ القديم، فخرج نوفلُ بنُ معاوية الدِّيلى فى جماعة مِن بنى بكر، فبيَّت خُزاعة وهم على الوَتير، فأصابُوا منهم رجالاً، وتناوشُوا واقتتلوا، وأعانت قُريش بنى بكر بالسِّلاح، وقاتلَ معهم مِن قريش مَن قاتل مستخفياً ليلاً، ذكر ابن سعد منهم: صفوان بن أُمية، وحُويطب بن عبد العُزَّى، ومِكْرز بن حفص، حتى حازوا خُزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه، قالت بنو بكر: يا نوفل؛ إنَّا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك. فقال كلمة عظيمة: لا إله لَهُ اليوم، يا بنى بكر أصيبُوا ثأركم، فلعمرى إنكم لتسرِقُون فى الحرم أفلا تُصيبُونَ ثأركُم فيه؟ فلما دَخَلَتْ خُزاعة مكة، لجؤوا إلى دار بُديل بن ورقاء الخُزاعى ودار مولى لهم يقال له: رافع، ويخرج عمرو بن سالم الخُزاعى حتى قَدِمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو جالس فى المسجد بين ظهرانى أصحابه فقال:
ياربِّ إنِّى نَاشِــدٌ مُحَمَّدا حِـلْفَ أَبينَا وَأبيهِ الأتْلَــــدا
قَدْ كُنْتُمُ وُلْدَاً وكُنـَّا وَالِدا ثُمَّتَ أَسْــلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَـدا
فَانْصُرْ هَداَكَ اللهُ نَصـْراً أَبَدا وادْعُ عِبَــادَ اللهِ يَأْتُوا مَــدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَـرَّدا أَبْيَضَ مِثْلَ البـَدْرِ يَسْمـُو صُعُدَا
إنْ سِيمَ خَسْفاً وَجْهُهُ تَرَبَّدَا فى فَيـْلَقٍ كالبَحْرِ يَجْـرِى مُزْبِدا
إنَّ قُرَيْـشاً أَخْلَفُوكَ المَوْعِدا ونَقَـضُوا مِيثَاقَكَ المُؤَكَّــــدَا
وَجَـعَلُوا لى فى كَدَاءٍ رَصَدَا وَزَعَمُوا أَنْ لَسْـتَ تَدْعـُو أَحـَدَا
وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَـــدَدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالـــوَتِيرِ هُــجَّدَا
وَقَتَلُونَا رُكَّعَاً وَسُجَّدَا
يقول: قُتِلْنَا وقَدْ أَسْلَمْنَا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((نُصِرْتَ يَا عَمْرو بنَ سالم))، ثم عرضَتْ سحابةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنَّ هذه السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بنى كَعْبٍ))، ثم خرج بُديل بنُ ورقاء فى نَفَرٍ من خُزاعة، حتى قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه بما أُصيب منهم، وبمُظَاهَرَةِ قريش بنى بكر عليهم، ثم رجعُوا إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: ((كَأَنَّكُم بأَبِى سُفْيانَ، وَقَدْ جَاءَ لِيَشُدَّ العَقْدَ وَيَزِيدَ فى المُدَّة)).
ومضى بُديل بنُ ورقاء فى أصحابه حتى لَقُوا أبا سفيان بنَ حرب بعُسفان وقد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيَشُدَّ العقدَ، ويزيدَ فى المدة، وقد رَهِبُوا الذى صنعوا، فلما لقى أبو سفيان بُديلَ بن ورقاء، قال: من أين أقبلتَ يا بُديل؟ فظنَّ أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: سِرتُ فى خُزاعة فى هذا الساحل، وفى بطن هذا الوادى، قال: أَوَ ما جئتَ محمداً؟ قال: لا، فلما راح بُديل إلى مكة، قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة، لقد علفَ بها النوى، فأتى مَبْرَكَ راحِلته، فأخذ من بعرها، ففتَّه، فرأى فيها النوى، فقال: أحِلفُ باللهِ لقد جاء بُديل محمداً.
ثم خرج أبو سفيان حتى قَدِمَ المدينة، فدخل على ابنتِه أُمِّ حبيبة، فلما ذهب لِيجلس على فِراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، طَوَتْهُ عنه، فقال: يا بُنية؛ ما أدرى أَرغبتِ بى عن هذا الفراش، أم رغبتِ به عنى؟ قالت: بل هو فِراشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مُشرك نَجَسٌ، فقال: واللهِ لقد أصابك بعدى شر.
ثم خرج حتى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّمه، فلم يَرُدَّ عليه شيئاً، ثم ذهبَ إلى أبى بكر، فكلَّمه أن يُكَلَّمَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عُمَرَ بنَ الخطاب فكلَّمه، فقال: أنا أشفعُ لكم إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فواللهِ لو لم أجد إلا الذَّرَّ لجاهدتُكم به، ثم جاء فدخل على علىٍّ بن أبى طالب، وعنده فاطمَةُ، وحسنٌ غلامٌ يَدِبُّ بين يديهما، فقال: يا علىُّ؛ إنك أمسُّ القومِ بى رحماً، وإنى قد جئتُ فى حاجة، فلا أرْجِعَنَّ كما جئتُ خائباً، اشفع لى إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سُفيان، واللهِ لقد عزم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيعُ أن نُكَلِّمَه فيه، فالتفتَ إلى فاطمة فقال: هَلْ لَكِ أَنْ تأمُرى ابْنَك هذا، فيجير بينَ الناس،فيكون سيدَ العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: واللهِ ما يبلغُ ابنى ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا الحسن؛ إنى أرى الأُمورَ قد اشتدت علىَّ، فانصحنى، قال: واللهِ ما أعلم لك شيئاً يُغنى عنك، ولكنك سَيدُ بنى كِنانة، فقم فأجِرْ بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أَوَ ترى ذلك مغنيا عنى شيئاً، قال: لا واللهِ ما أظنه، ولكنِّى ما أجد لك غيرَ ذلك، فقام أبو سفيان فى المسجد فقال: أيها الناس؛ إنى قد أجرتُ بين الناس، ثم ركب بعيره، فانطلق فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئتُ محمداً فكلَّمتُه، فواللهِ ما ردَّ علىَّ شيئاً، ثم جئتُ ابن أبى قُحافة، فلم أجد فيه خيراً، ثم جئتُ عمر بن الخطاب، فوجدته أعدى العدُو، ثم جئتُ علياً فوجدته ألين القوم، قد أشار علىَّ بشئ صنعته، فواللهِ ما أدرى، هل يُغنى عنى شيئاً، أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرنى أن أجير بين الناس، ففعلتُ، فقالُوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلَك، واللهِ إن زاد الرجلُ على أن لعب بك، قال: لا واللهِ ما وجدتُ غير ذلك.
وأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ بالجَهَازِ، وأمر أهله أن يُجهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها، وهى تُحَرِّكُ بعضَ جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أى بُنيَّة؛ أمركنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيزه؟ قالت: نعم، فتجهز. قال: فأين تَرَيْنَهُ يُريد، قالت: لا والله ما أدرى.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، فأمرهم بالجد والتجهيز، وقال: ((اللَّهُمَّ خُذِ العُيُونَ والأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَبْغَتَها فى بِلاَدِهَا))، فتجهز الناسُ.
فكتب حاطِبُ بن أبى بَلْتَعَةَ إلى قُريش كتاباً يُخبرهم بمسيرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم أعطاه امرأة، وجعل لها جعلاً على أن تُبلغه قريشاً، فجعلته فى قُرون فى رأسها، ثم خرجَتْ به، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ مِن السماء بما صنع حاطب، فبعث علياً والزُبير، وغير ابن إسحاق يقول: بعث علياً والمقداد والزبير، فقال: انطلقا حتَّى تأتيا رَوْضَةَ خاخ، فإنَّ بها ظعينة معها كِتاب إلى قُريش، فانطلقا تَعَادى بهما خَيْلُهما، حتى وجدا المرأةَ بذلك المكانِ، فاستنزلاها، وقالا: معكِ كتابٌ؟ فقالت: ما معى كتاب، ففتشا رَحْلها، فلم يجدا شيئاً، فقال لها على رضى الله عنه : أحِلفُ باللهِ ما كذبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، واللهِ لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أو لنُجَرِّدَنَّكِ، فلما رأت الجدَّ منه، قالت: أَعْرِضْ، فأعرض، فحلَّت قُرون رأسها، فاستخرجت الكِتاب منها، فدفعته إليهما، فأتيا به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: مِن حاطب ابن أبى بَلتعة إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً، فقال: ما هذا يا حَاطِبُ؟ فقال: لا تَعْجَل علىَّ يا رسولَ الله، واللهِ إنى لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددتُ، ولا بدَّلْتُ، ولكنى كُنْتُ امرءاً مُلْصَقاً فى قريش لستُ من أنفسهم، ولى فيهم أهل وعشيرة وولد، وليس لى فيهم قرابة، يحمونهم، وكان مَنْ معكَ لهم قراباتٌ يحمونهم، فأحببتُ إذ فاتنى ذلك أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتى، فقال عُمَرُ بنُ الخطاب: دعنى يا رسول الله أضرب عُنُقَهُ، فإنه قد خان اللهَ ورسوله، وقد نافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّهُ قَدْ شَهدَ بَدْراً، وما يُدْريكَ يَا عُمَرُ، لَعَلَّ الله قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْملُوا مَا شِئْتُم، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم)) فَذَرَفَتْ عَيْنَا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. ثم مضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ صائم، والناسُ صِيامٌ، حتى إذا كانوا بالكُدَيد وهو الذى تسميه النَّاسُ اليومَ قُدَيْداً أفطرَ وأفطرَ الناسُ معه.
ثم مضى حتى نزلَ مرَّ الظَّهْرَانِ، وهو بطن مَرِّ، ومعه عشرةُ آلاف، وعمَّى اللهُ الأخبارَ عن قريش، فهم على وَجَلِ وارتقاب، وكان أبو سفيان يخرج يتحسَّسُ الأخبار، فخرج هو وحكيمُ بنُ حِزام، وبُدَيْلُ بنُ ورقاء يتحسَّسُونَ الأخبار، وكان العبَّاسُ قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلماً مهاجراً، فلقى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالجُحْفَةِ، وقيل: فوق ذلك، وكان مِمن لقيه فى الطريق ابنُ عمه أبو سفيان بن الحارث، وعبدُ الله بنُ أبى أُميَّة لقياه بالأبواء، وهما ابن عمِّه وابنُ عمَّته، فأعرض عنهما لِما كان يلقاه مِنهما مِن شِدَّةِ الأذى والهَجْوِ، فقالت له أُمُّ سَلَمة: لا يَكُن ابنُ عمِّكَ وابنُ عمَّتك أشقى الناس بك، وقال علىّ لأبى سفيان فيما حكاه أبو عمر : ائتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَل وجهه، فقل له ما قال إخوةُ يوسف ليوسف: {تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}[يوسف: 91] . فإنه لا يرضى أن يكون أحدٌ أحسنَ منه قولا، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف: 92]، فأنشده أبو سفيان أبياتاً منها:
لَعَمْـــــرُك إنِّى حينَ أَحْمِلُ رايةً لِتَغْلِــبَ خَيْلُ اللاَّتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَـكالمُـــدْلِـجِ الحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُه فَهذَا أوانى حِينَ أُهْدَى فَأَهْــتَدِى
هَــــدَانِى هَادٍ غَيْرُ نَفْسِى وَدَلَّنِى عَلــى اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُـطَرَّدِ
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدرَه وقال: ((أَنْتَ طَرَّدْتَنِى كُلَّ مُطَرَّدٍ))، وحَسُنَ إسلامُه بعد ذلك.
ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياءً منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبه، وشهد له بالجنَّة، وقال: ((أرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفاً مِنْ حَمْزَة))، ولما حضرته الوفاةُ، قال: لا تَبْكُوا علىَّ، فواللهِ ما نطقتُ بخطيئة منذ أسلمتُ
فلما نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مرَّ الظهران، نزله عشاء، فأمر الجيشَ، فأوقدوا النيران، فأُوقِدَت عشرةُ آلاف نار، وجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الحَرَس عُمَرَ بنَ الخطَّاب رضى الله عنه، وركب العباسُ بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمِسُ لعله يجد بعضَ الحطَّابة، أو أحداً يُخبر قريشاً ليخرجوا يستأمنون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلَها عَنْوَةً، قال: واللهِ إنى لأسير عليها إذ سمعتُ كلامَ أبى سفيان، وبُديل بن ورقاء وهُما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيتُ كالليلة نيراناً قطُّ ولا عسكراً، قال: يقولُ بدليل: هذه واللهِ خزاعة حَمَشَتْهَا الحَرْبُ، فيقول أبو سفيان: خُزاعة أقلُّ وأذلُّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكَرها، قال: فعرفتُ صوته، فقلت: أبا حنظلة، فعرف صوتى، فقال: أبا الفضل؟ قلتُ: نعم، قال: مالك فِداك أبى وأُمى؟ قال: قلتُ: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس، واصباحَ قُريش واللهِ، قال: فما الحيلةُ فِداك أبى وأُمى؟ قلت: واللهِ لئن ظَفِرَ بك لَيَضْرِبَنَّ عُنقَكَ، فاركب فى عجزِ هذه البغلة حتى آتىَ بِكَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأستأمنه لك، فركب خَلْفِى ورجع صَاحِبَاه، قال: فجئتُ به، فكلما مررتُ به على نار من نيران المسلمين، قالوا: مَنْ هذَا؟، فإذا رأَوْا بغلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها، قالوا: عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررتُ بنارِ عمر بن الخطاب، فقال: مَن هذا؟ وقام إلىَّ، فلما رأى أبا سفيان على عَجزِ الدابة، قال: أبو سفيان عَدُوُّ اللهِ، الحمد للهِ الذى أمْكَنَ مِنْكَ بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحوَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضتُ البغلة، فَسَبَقَتْ، فاقتحمتُ عن البغلة، فدخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليه عُمَرُ، فقال: يا رسولَ الله؛ هذا أبو سفيان، فدعنى أَضْرِبْ عنقه، قال: قلتُ: يا رسول الله؛ إنى قد أجرته، ثم جلستُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذتُ برأسه، فقلتُ: واللهِ لا يُناجيه الليلةَ أحد دونى، فلما أكثر عُمَرُ فى شأنه، قلتُ: مهلاً ياعمر، فواللهِ لو كان مِن رجال بنى عدى بْنِ كعب ما قُلْتَ مِثْلَ هذا، قال: مهلاً يا عبَّاسُ، فواللهِ لإسْلامُكَ كَانَ أَحَبَّ إلىَّ مِنْ إسْلام الخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، ومَا بى إلا أنِّى قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إسْلامَكَ كَانَ أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطَّاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذْهَبْ بِهِ يا عبَّاسُ إلى رَحْلِك، فإذا أَصْبَحْتَ فَأتنى به، فذهبتُ فلما أصبحتُ، غدوتُ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَان، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله))؟ قال: بأبى أنتَ وأُمى، ما أحلمكَ، وأكرمَكَ، وأوصلَكَ، لقد ظننتُ أن لو كان مع اللهِ إلهٌ غيرُه، لقد أغنى شيئاً بعد، قال: ((ويحَكَ يا أبا سفيان، أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّى رَسُولُ الله))؟ قال: بأبى أنتَ وأُمى، ما أحلمكَ وأكرمَكَ وأوصلَكَ، أما هذه، فإن فى النفس حتى الآن منها شيئاً، فقال له العباس: ويحكَ أسلم، واشهد أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله قبل أن تُضَرَبَ عُنقُك، فأسلم وشَهِدَ شهادةَ الحق، فقال العباسُ: يا رسولَ اللهِ؛ إن أبا سفيان رَجُلٌ يُحِبُّ الفخر، فاجعل له شيئاً، قال: ((نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أبى سُفيان، فهُوَ آمِنٌ، ومَنْ أغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَه، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرام، فَهُوَ آمن)).
وأمر العباسَ أن يَحبِسَ أبا سفيان بمضيقِ الوادى عند خَطْمِ الجبلِ حتى تَمُرَّ به جنودُ الله، فيراها، ففعل، فمرَّتِ القبائلُ على راياتها، كـلما مرَّتْ به قبيلةٌ قال: يا عباسُ؛ مَنْ هذه؟ فأقول: سُليم، قال: فيقول: مالى ولِسُليم، ثم تمرُّ به القبيلة، فيقول: يا عباسُ؛ مَنْ هؤلاء؟ فأقول: مُزَيْنَة، فيقول: مالى ولمُزَيْنَة، حتى نَفَدَتِ القبائلُ، ما تَمُرُّ به قبيلة إلا سألنى عنها، فإذا أخبرتُه بهم قال: مالى ولبنى فلان، حتى مرَّ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى كتيبتِه الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرى منهم إلا الحَدَق مِن الحديد، قال: سبحان اللهِ با عباس، مَن هؤلاء؟ قال: قلتُ: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة، ثم قال: واللهِ يا أبا الفضل؛ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابن أخيك الْيَوْمَ عظيماً، قال: قلتُ: يا أبا سفيان؛ إنها النُّبوة، قال: فنعم إذاً، قال: قلتُ: النَّجاء إلى قومك.
وكانت رايةُ الأنصار مع سعد بن عُبادة، فلما مرَّ بأبى سفيان، قال له: اليَوْم يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الحُرْمةُ، اليَوْمَ أذَلَّ اللهُ قُرَيْشَاً.
فلما حاذى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان، قال: يارسولَ الله؛ ألم تسمعْ ما قال سعد؟ قال: ((وما قال))؟، فقال: كذا وكذا، فقال عثمان وعبد الرحمن بن عَوْف: يا رسولَ الله؛ ما نأمن أن يكون له فى قُريش صَوْلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَلِ اليَوْمَ يَوْمٌ تُعَظَّمُ فيهِ الكَعْبَةُ، اليَوْمَ يَوْمٌ أَعَزَّ اللهُ فيه قُرَيْشاً)). ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فنزع منه اللواء، ودفعه إلى قيس ابنه، ورأى أن اللواء لم يخرُجْ عن سعد إذ صار إلى ابنه، قال أبو عمر: ورُوى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما نزع منه الراية، دَفَعَها إلى الزبير.
ومضى أبو سفيان حتى إذا جاء قُريشاً، صـرخ بأعلى صوته : يا معشرَ قُريش ؛ هذا محمد قد جاءكم فيما لا قِبَلَ لكم به، فمَن دخل دارَ أبى سفيان، فهو آمن، فقامت إليه هندُ بنتُ عتبة ، فأخذت بشَاربه، فقالت: اقتلُوا الحَميت الدسم، الأحْمَشَ السَّاقين ، قُبِّح مِن طَلِيعَةِ قوم، قال: ويلكم، لا تغرَّنَّكُم هذه مِن أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قِبَلَ لكم به، مَن دخل دار أبى سفيان، فهو آمن، ومَن دخل المسجد، فهو آمن، قالوا: قاتلكَ اللهُ، وما تُغنى عنا دارُك؟ قال: ومَن أغلق عليه بابه، فهو آمن، ومَن دخل المسجد، فهو آمن، فتفرَّق الناسُ إلى دورهم وإلى المسجد
وسار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فدخل مكة من أعلاها، وضُرِبَتْ له هنالك قُبَّة، وأمر رسـول الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليد أن يدخلها من أسفلها، وكان على المُجَنِّبَةِ اليُمنى، وفيها أسلم، وسُليم، وغِفار، ومُزَيْنَة، وجُهينة، وقبائل مِن قبائل العرب، وكان أبو عُبيدة على الرجالة والحُسًَّرِ، وهم الذين لا سلاح معهم، وقال لخالد ومَن معه: ((إن عرضَ لكم أحدٌ من قُريش، فاحصدوهم حصداً حتى تُوافونى على الصَّفا))، فما عرض لهم أحد إلا أنامُوه، وتجمَّع سفهاء قريش وأخِفَّاؤُها مع عِكرمة بن أبى جهل، وصفوان بنِ أُميَّة، وسهيل بن عمرو بالخَنْدَمَةِ لِيقاتِلُوا المسلمين، وكان حِمَاسُ بنُ قيس بن خالد أخو بنى بكر يُعِدُّ سلاحاً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له امرأتُه: لماذا تُعِدُّ ما أرى؟ قال: لِمحمد وأصحابه، قالت: واللهِ ما يقومُ لِمحمد وأصحابه شىء، قال: إنى واللهِ لأرجو أنْ أُخْدِمَك بعضهم، ثم قال:
إنْ يُقْبِلُوا اليَوْمَ فَمَا لى عِلَّهْ هذا سِـــــلاَحٌ كَاملٌ وألَّهْ
وذُو غِرارَيْنِ سَريعُ السَّلهْ
ثم شهد الخَنْدَمَةَ مع صفوان وعِكرمة وسهيل بن عمرو، فلما لَقِيَهُم المسلمون ناوشوهم شيئاً من قتال، فقتل كُرز بن جابر الفهرى، وخُنَيْس بن خالد ابن ربيعة من المسلمين، وكانا فى خيل خالد بن الوليد، فشذَّا عنه، فسلكا طريقاً غيرَ طريقه، فقُتِلا جميعاً، وأُصيبَ من المشركين نحو اثنى عشر رجلاً، ثم انهزموا، وانهزم حِماس صاحبُ السلاح حتى دخل بيته، فقال لامرأته: أغلقى علىَّ بابى، فقالت: وأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنَّكِ لَوْ شَهِدْتِ يَوْمَ الخَنْدَمـهْ إذْ فَرَّ صَــفْوانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ
وَاسْـتَقْبَلَتْنَا بِالسُّيوف المُسْلِمَهْ يَقْطَعْنَ كَلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُـمَهْ
ضَرْباً فلا نَسْمَعُ إلاَّ غَمْغَـمَهْ لَهُمْ نَهِيتٌ حَوْلَنَا وَهَمْهَمَــهْ
لَمْ تَنْطِقِى فى اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ
وقال أبو هريرة: أقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فدخل مكة، فبعث الزبيرَ على إحدى المجنبتين، وبعث خالدَ بن الوليد على المجنبةِ الأُخرى، وبعث أبا عُبيدة ابنَ الجراح على الحُسَّر، وأخذوا بطن الوادى ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى كتيبته، قال: وقد وبَّشت قريش أوباشاً لها، فقالوا: نُقَدِّم هؤلاء، فإن كان لِقريش شىء كنا معهم، وإن أُصيبُوا أعطينا الذى سُئِلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة))، فقلتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسعدَيك، فقال: ((اهْتِفْ لى بالأنصارِ، ولا يَأْتِينى إلاَّ أنْصارى))، فهتف بهم، فجاؤوا، فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أَتَروْنَ إلى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِم))؟ ثمَّ قال بيديه إحداهما على الأُخرى: ((احْصُدُوهُم حَصْداً حتَّى تُوافُونِى بالصَّفَا))، فانطلقنا، فما يشاءُ أحد منا أن يقتُلَ منهم إلا شاء، وما أحد منهم وجَّه إلينا شيئاً.
ورُكِزَتْ رايةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحَجُونِ عند مسجد الفَتْح.
(يتبع...)
@ ثم نهض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار بينَ يديه، وخلفَه وحولَه، حتى دخل المسجِدَ، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طافَ بالبيتِ، وفى يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطْعَنُها بالقوسِ ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء: 81]{جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]والأصنامُ تتسَاقَطُ على وجوهها.
وكان طوافُه على راحلته، ولم يكن محرماً يومئذٍ، فاقتصر على الطَّوافِ، فلما أكملهُ، دعا عثمان بنَ طلحة، فأخذ منه مفتاحَ الكعبة، فأمر بها فَفُتحت، فدخلها فرأى فيها الصَّوَرَ، ورأى فيها صورةَ إبراهيم وإسماعيل يستقسمانِ بِالأزْلاَمِ، فقال: ((قَاتَلَهُم اللهُ، واللهِ إن اسْتَقْسما بِها قطُّ)).
ورأى فى الكعبة حمامة من عِيدان، فكسرها بيده، وأمر بالصُّوَرِ فمُحيت.
ثم أغلق عليه البابَ، وعلى أُسامة وبلال، فاستقبل الجِدَارَ الذى يُقابل البابَ، حتى إذا كانَ بينَه وبينَه قدرُ ثلاثةِ أذْرُعٍ، وقف وصلَّى هناك، ثم دار فى البيت، وكبَّر فى نواحيه، ووحَّد الله، ثم فتح البابَ، وقريش قد ملأت المسجد صفوفاً ينتظرون ماذا يصنَعُ، فأخذَ بعضَادتى الباب، وهم تحتَه، فقال: ((لا إلَهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ له، صَدَقَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، ألا كُلُّ مَأْثُرَةٍ أوْ مَال أوْ دَم، فَهُو تَحْتَ قَدَمَى هاتين إلاَّ سِدَانة البيْت وسقَايةَ الحَاجِّ، ألا وَقَتْلُ الخَطَأ شِبْهُ العَمْدِ السَّوطُ والعَصا، ففيهِ الدِّيةُ مُغَلَّظَةً مائة مِنَ الإبلِ، أرْبَعُونَ مِنْهَا فى بُطُونِها أوْلادُها، يَا مَعْشَرَ قُرَيْش؛ إنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُم نَخْوَةَ الجَاهِلِيَّةِ وتَعظُّمَها بالآباء، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وآدَمُ مِنْ تُرابٍ))، ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعارَفُواْ، إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13].
ثم قال: ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْش؛ مَا تَرَوْنَ أنِّى فَاعِلٌ بكم))؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابنُ أخ كريم، قال: ((فإنِّى أقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لإخْوَتِهِ: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُم اليَوْمَ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ)).
ثم جلس فى المسجد، فقام إليه علىٌ رضى الله عنه، ومفتاحُ الكعبة فى يده، فقال: يا رسول الله؛ اجمَعْ لنا الحِجَابَة مع السِّقَاية صلَّى الله عليك، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَة))؟ فدُعِىَ له، فقال له: هَاكَ مِفْتَاحَكَ يا عُثْمَانُ، اليَوْمُ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفَاء)).
وذكر ابن سعد فى ((الطبقات)) عن عثمان بن طلحة، قال: كنا نفتحُ الكعبةَ فى الجاهلية يومَ الاثنين، والخميس، فأقبلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً يُريد أن يدخُلَ الكعبة مع الناس، فأغلظتُ له، ونِلتُ منه، فحلمَ عنِى، ثم قال: ((يا عثمانُ؛ لعلَّك سترى هذا المِفتاح يوماً بيدى أضعهُ حيث شِئْتُ))، فقلتُ: لقد هلكت قريشٌ يومئذ وذلَّت، فقال: ((بل عَمَرَتْ وعزَّتْ يومئذ))، ودخل الكعبة، فوقعت كلمتُه منى موقِعاً ظننتُ يومئذ أن الأمرَ سيصيرُ إلى ما قال، فلما كان يومُ الفتح، قال: يا عثمان؛ ائتنى بالمفتاح، فأتيتُه به، فأخذه منِّى، ثم دفعه إلىَّ وقال: ((خُذُوها خَالِدَةً تَالِدَةً لا يَنْزِعُها مِنْكُم إلاَّ ظَالِمٌ، يا عُثمانُ؛ إنَّ اللهَ اسْتَأْمَنَكُم عَلَى بَيْتهِ، فَكُلُوا مِمَّا يَصِلُ إلَيْكُم مِنْ هذا البَيْت بالمَعْرُوف))، قال: فلما ولَّيتُ، نادانى، فرجَعْتُ إليه فقال: ((أَلَمْ يَكُنِ الَّذى قُلْتُ لَكَ))؟ قال: فذكرتُ قوله لى بمكة قبل الهجرة: ((لعلك سترى هذا المفتاح بيدى أضعه حيث شِئتُ))، فقلتُ: بلَى أَشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ الله.
وذكر سعيدُ بن المسيِّب أن العباس تطاولَ يومئذٍ لأخذ المفتاح فى رجال من بنى هاشم، فردَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة.
وأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يصعَد فيؤذِّنَ على الكعبة، وأبو سفيان بنُ حرب، وعتَّابُ بنُ أسيد، والحارثُ بنُ هِشام، وأشرافُ قريش جُلوسٌ بِفِناء الكعبة، فقال عتَّاب: لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سَمِعَ هذا، فيسمعَ منه ما يُغِيظُه، فقال الحارث: أما واللهِ لو أعلم أنه حقٌ لاتبعته، فقال أبو سفيان: أما واللهِ لا أقول شيئاً، لو تكلمتُ، لأخبرت عنى هذه الحصباءُ، فخرج عليهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ((قَدْ عَلِمْتُ الَّذِى قُلْتُم))، ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتَّاب: نشهد أنكَ رسول الله، واللهِ ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول: أخبرك
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق