415
زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث
فصل
فى بعض ما فى قصة الحُديبية مِن الفوائِدِ الفِقهية
فمنها: اعتمارُ النبى صلى الله عليه وسلم فى أشهر الحجِّ، فإنه خرج إليها فى ذى القعدة.
ومنها: أن الإحرامَ بالعُمرة من الميقات أفضلُ، كما أن الإحرامَ بالحجِّ كذلك،
فإنه أحرم بهما مِن ذى الحُليفة، وبينها وبينَ المدينة ميلٌ أو نحوُه، وأما حديث: (( مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ومَا تَأَخَّرَ )) وفى لفظ: (( كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ )) فحديث لا يثبُت، وقد اضطرب فيه إسناداً ومتناً اضطراباً شديداً.
ومنها: أن سَوْقَ الهَدى مسنونٌ فى العُمرة المفرَدَة، كما هو مسنون فى القِران.
ومنها: أن إشْعَارَ الهَدى سُـنَّة لا مُثلَةٌ منهى عنها.
ومنها: استحبابُ مُغايظة أعداءِ اللهِ، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أهدى فى جُملة هَدْيه جملاً لأبى جهل فى أَنْفِهِ بُرَةٌ مِن فضةٍ يَغيظُ به المشركين، وقد قال تعالى فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه: { وَمَثَلُهُمْ فِى الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئَهُ فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ }[الفتح : 29]، وقال عَزَّ وجلَّ: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍ نَيْلاً إلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، إنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة : 120].
ومنها: أن أميرَ الجيشِ ينبغى له أن يبعثَ العُيونَ أمامه نحوَ العدو.
ومنها: أن الاستعانَةَ بالمُشرِكِ المأمونِ فى الجهاد جائزةٌ عند الحاجة، لأن عَيْنه الخزاعىَّ كَانَ كافراً إذ ذاك، وفيه مِن المصلحة أنه أقربُ إلى اختلاطه بالعدوِّ، وأخذه أخبارهم.
ومنها: استحبابُ مشورةِ الإمام رعيَّته وجيشه، استخراجاً لوجه الرأى، واستطابةً لنفوسهم، وأمناً لِعَتْبِهِم، وتعرفاً لمصلحةٍ يختصُّ بعلمها بعضُهم دون بعض، وامتثالاً لأمر الربِّ فى قوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ }[آل عمران : 159]، وقد مدَحَ سبحانه وتعالى عباده بقوله: { وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى : 138].
ومنها: جواز سبى ذرارى المشركينَ إذا انفردُوا عن رجالهم قبل مقاتلة الرجال.
ومنها: ردُّ الكَلامِ الباطِل ولو نُسِبَ إلى غير مُكَلَّفٍ، فإنهم لما قالوا: خلأتِ القَصْوَاءُ، يعنى حَرَنَتْ وألحَّتْ، فلَمْ تَسِرْ، والخِلاء فى الابل بكسر الخاء والمدِّ نظير الحِران فى الخيل، فلما نسبُوا إلى الناقة ما ليس من خُلُقِهَا وطبعها، ردَّهُ عليهم، وقال : (( ما خَلأَتْ ومَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُق ))، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبب بروكها، وأن الذى حَبَسَ الفيلَ عن مكة حبسها للحكمة العظيمة التى ظهرت بسبب حبسها، وما جرى بعده.
ومنها: أن تسميةَ ما يُلابسه الرجلُ مِن مراكبه ونحوها سُـنَّة.
ومنها: جوازُ الحَلِف، بل استحبابُه على الخبر الدينى الذى يريد تأكيده، وقد حُفِظَ عن النبى صلى الله عليه وسلم الحَلِف فى أكثر من ثَمَانِينَ موضعاً، وأمره الله تعالى بالحَلِفِ على تصدِيقِ ما أخبر به فى ثلاثة مواضِعَ: فى (( سورة يونس))، و((سبأ))، و((التغابن)).
ومنها: أن المُشْرِكين، وأهلَ البِدَع والفجور، والبُغَاة والظَّلَمة، إذا طَلَبُوا أمراً يُعَظِّمُونَ فيه حُرمةً مِن حُرُماتِ الله تعالى، أُجيبُوا إليه وأُعطوه، وأُعينوا عليه، وإن مُنِعوا غيره، فيُعاوَنون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبَغيهم، ويُمنعون مما سوى ذلك، فكُلُّ مَن التمس المعاونةَ على محبوب للهِ تعالى مُرْضٍ له، أُجيبَ إلى ذلك كائِناً مَن كان، ما لم يترتَّب على إعانته على ذلك المحبوبِ مبغوضٌ للهِ أعظمُ منه، وهذا مِن أدقِّ المواضع وأصعبِهَا، وأشقِّهَا على النفوس، ولذلك ضاق عنه من الصحابة مَن ضاق، وقال عمر ما قال، حتَّى عَمِلَ له أعمالاً بعده، والصِّدِّيقُ تلقاه بالرضى والتسليم، حتى كان قلبُه فيه على قلبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب عُمَرَ عما سأل عنه من ذلك بعَيْن جوابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على أن الصِّدِّيق رضى الله عنه أفضلُ الصحابة وأكملُهم، وأعرفُهم باللهِ تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأعلمُهم بدينه، وأقومُهم بمحابِّه، وأشدُّهم موافقةً له، ولذلك لم يسأل عمر عما عَرَضَ له إلا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصِدِّيقَه خاصة دونَ سائر أصحابه.
ومنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم عَدَلَ ذاتَ اليمين إلى الحُديبية. قال الشافعى: بعضُهَا مِن الحِل، وبعضُها مِن الحَرَم.
وروى الإمام أحمد فى هذه القصة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّى فى الحرم، وهو مضطرب فى الحِل، وفى هذا كالدّلالة على أن مضاعفةَ الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخصُّ بها المسجد الذى هو مكانُ الطواف، وأن قوله: (( صَلاَةٌ فى المَسْجِدِ الحَرَام أَفْضَلُ مِنْ مِائة صَلاةٍ فى مَسْجِدى ))، كقوله تعالى: {فَلا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}[التوبة : 128]، وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الإسراء: 1]، وكان الإسراء مِن بيت أُم هانئ.
ومنها: أن مَن نزل قريباً مِن مكة، فإنَّهُ ينبغى له أن ينزل فى الحِلِّ، ويصلى فى الحَرم، وكذلك كان ابنُ عمر يصنعُ.
ومنها: جوازُ ابتداءِ الإمام بطلب صلح العَدُوِّ إذا رأى المصلحةَ للمسلمين فيه، ولا يَتوقَّفُ ذلكَ على أن يكون ابتداءُ الطلب منهم.
وفى قِيام المغيرة بن شعبة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، ولم يكن عادته أن يُقام على رأسه، وهو قاعد، سُـنَّةٌ يُقتدى بها عند قدومِ رسل العدو من إظهار العزِّ والفخر، وتعظيم الإمام، وطاعته، ووقايته بالنفوس، وهذه هى العادة الجارية عند قدوم رسل المؤمنين على الكافرين، وقدوم رسل الكافرين على المؤمنين، وليس هذا من هذا النوع الذى ذمَّه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامَاً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّار ))، كما أن الفخرَ والخُيلاء فى الحرب ليسا من هذا النوع المذموم فى غيره، وفى بعث البُدْنِ فى وجه الرسول الآخر دليل على استحباب إظهارِ شعائر الإسلام لرسل الكفار.
وفى قول النبى صلى الله عليه وسلم للمغيرة: ((أمَّا الإسْلاَمُ فَأَقْبلُ، وَأَمَّا المَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فى شىء))، دليل على أن مال المشرك المعاهَد معصوم، وأنه لا يملكُ، بل يُرد عليه، فإن المغيرةَ كان قد صحبهم على الأمان، ثم غدر بهم، وأخذ أموالهم، فلم يتعرَّض النبى صلى الله عليه وسلم لأموالهم، ولا ذبَّ عنها، ولا ضمنها لهم، لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة.
وفى قول الصِّدِّيق لعروة: امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبى صلى الله عليه وسلم أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه، ويقال له: اعضُضْ أيْرَ أبيك، ولا يُكْنَى له، فلكل مقام مقال.
ومنها : احتمالُ قِلَّةِ أدبِ رسولِ الكُفار، وجهلِه وجفوته، ولا يقابَل على ذلك لما فيه من المصلحة العامة، ولم يُقابل النبىُّ صلى الله عليه وسلم عُروةَ على أخذهِ بلحيته وقتَ خطابه، وإن كانت تلك عادَة العرب، لكن الوقارَ والتعظيمَ خلافُ ذلك.
وكذلك لم يُقابل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَسولى مسيلمةَ حين قالا: نشهدُ أنه رسول الله، وقال: (( لَوْلا أنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا )).
ومنها: طهارة النُّخَامَةِ، سواء أكانت من رأسٍ أو صدر.
ومنها: طهارةُ الماءِ المستعمل.
ومنها: استحبابُ التفاؤُل، وأنَّهُ ليس مِن الطِّيَرةِ المكْرُوهَة، لقوله لما جاء سهيل: (( سَهُلَ أَمْرُكُم )).
ومنها: أن المشهودَ عليه إذا عُرِفَ باسمه واسمِ أبيه، أغنى ذلك عن ذِكر الجَدِّ، لأن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يزد على محمد بن عبد الله، وقَنِعَ مِن سهيل بذكر اسمه واسم أبيه خاصة، واشتراطُ ذِكر الجد لا أصل له، ولما اشترى العَدَّاءُ بْنُ خالد منه صلى الله عليه وسلم الغلامَ فكتب له: (( هذا مَا اشْتَرَى العَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بن هَوْذَةَ )) فذكر جده، فهو زيادةُ بيان تَدُلُّ على أنه جائز لا بأس به، ولا تَدُلُّ على اشتراطه، ولما لم يكُنْ فى الشهرة بحيث يُكتفى باسمه واسم أبيه ذكر جده، فيُشترط ذِكْرُ الجد عند الاشتراك فى الاسم واسم الأب، وعند عدمِ الاشتراك، واكتُفى بذكر الاسم واسمِ الأب.. والله أعلم.
ومنها: أن مصالحةَ المشركين ببعض ما فيه ضَيْمٌ على المُسلمينَ جائزةٌ للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شر منه، ففيه دفعُ أعلى المفسدتينِ باحتمالِ أدناهما.
ومنها: أن مَن حَلَفَ على فِعْل شىء، أو نَذَره، أو وَعَدَ غيرَه به ولم يُعيِّن وقتاً، لا بلفظه، ولا بنيته، لم يكن على الفور، بل على التراخى.
ومنها: أن الحلاقَ نُسُكٌ، وأنه أفضلُ من التقصير، وأنه نُسُكٌ فى العُمرةِ، كما هو نُسُكٌ فى الحجِّ، وأنه نُسُكٌ فى عُمرة المحصور، كما هو نُسُك فى عُمرة غيره.
ومنها: أن المُحْصَرَ ينحرُ هَدْيَه حيث أُحْصِرَ من الحِلِّ أو الحَرَم، وأنه لا يجب عليه أن يُواعِدَ مَن ينحرُهُ فى الحرم إذا لم يَصِل إليه، وأنه لا يتحلل حتى يصل إلى محله، بدليل قوله تعالى: { وَالْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ }[الفتح : 25].
ومنها: أن الموضِعَ الذى نحر فيه الهَدْى، كان من الحِلِّ لا من الحرم، لأن الحَرَمَ كُلَّهُ محلُّ الهَدْى.
ومنها: أن المُحْصَرَ لا يجب عليه القضاءُ، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرَهم بالحلق والنحر، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء، والعُمْرةُ من العام القابل لم تكن واجبةً، ولا قضاءً عن عُمرة الإحصار، فإنهم كانُوا فى عُمرة الإحصار ألفاً وأربعمائة، وكانوا فى عُمرة القضيةِ دُون ذلك، وإنما سُمِّيت عُمرةَ القضية والقضاء، لأنها العُمرة التى قاضاهم عليها، فأُضيفت العُمرة إلى مصدر فعله.
ومنها: أن الأمر المطلقَ على الفور وإلا لم يَغْضَبْ لِتأخيرهم الامتثال عن وقت الأمر، وقد اعتذر عن تأخيرهم الامتثال بأنَّهُم كانوا يَرْجُون النسخ، فأخَّروا متأوِّلين لذلك، وهذا الاعتذارُ أولى أن يُعتذر عنه، وهو باطل، فإنه صلى الله عليه وسلم لو فَهِمَ منهم ذلك، لم يشتَدَّ غضبُه لتأخير أمره، ويقول: (( مَالى لا أغْضَبُ، وأَنَا آمُرُ بالأَمْر فلا أُتَّبعُ ))، وإنما كان تأخيرُهم مِن السعى المغفور لا المشكور، وقد رضىَ الله عنهم، وغفر لهم، وأوجب لهم الجنَّة.
ومنها: أن الأصل مشارَكَةُ أُمَّتِه له فى الأحكام، إلا ما خصَّه الدليلُ، ولذلك قالت أُمُّ سلمة: (( اخرُجْ ولا تُكَلِّمْ أحدَاً حتى تَحْلِقَ رأسك وتنحر هَدْيك ))، وعلمت أن الناس سيتابعونه.
فإن قيل: فكيف فعلوا ذلك اقتداءً بفعله، ولم يمتثِلُوه حين أمرهم به ؟ قيل: هذا هو السببُ الذى لأجله ظنَّ مَن ظنَّ أنهم أخَّروا الامتثال طمعاً فى النسخ، فلما فعلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، عَلِمُوا حينئذ أنه حكم مُسْتَقِرٌ غيرُ منسوخ، وقد تقدم فسادُ هذا الظن، ولكن لما تغيَّظَ عليهم، وخرج ولم يُكلمهم، وأراهُم أنه بادر إلى امتثال ما أمر به، وأنه لم يُؤخِّر كتأخيرهم، وأن اتباعهم له وطاعتَهم تُوجِبُ اقتداءهم به، بادرُوا حينئذ إلى الاقتداء به وامتثالِ أمره.
ومنها: جوازُ صُلحِ الكُفَّارِ على ردِّ مَن جاء منهم إلى المسلمين، وألا يُرد مَنْ ذهب من المسلمين إليهم، هذا فى غير النساء، وأما النساء، فلا يجوزُ اشتراطُ رَدِّهن إلى الكفار، وهذا موضعُ النسخ خاصة فى هذا العقد بنص القرآن، ولا سبيلَ إلى دعوى النسخ فى غيره بغير موجب.
ومنها: أن خُروجَ البُضع من ملك الزوج متقوَّم، ولذلك أوجبَ اللهُ سبحانه ردَّ المهر على مَن هاجرت امرأتُه، وحِيل بينَه وبينها، وعلى مَن ارتدَّت امرأتُه مِن المسلمين إذا استحق الكفارُ عليهم ردَّ مهورِ مَن هاجر إليهم مِن أزواجهم، وأخبر أن ذلك حُكمُه الذى حكم به بينهم، ثم لم ينسخه شىءٌ، وفى إيجابِه ردَّ ما أعطى الأزواجُ من ذلك دليلٌ على تقوُّمه بالمسمَّى، لا بمهر المثل.
ومنها: أن ردَّ مَن جاء من الكفار إلى الإمام لا يتناول مَن خرج منهم مسلماً إلى غيرِ بلدِ الإمام، وأنه إذا جاء إلى بلد الإمام، لا يجبُ عليه ردُّه بدون الطلب، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يَرُدَّ أبا بصير حين جاءه، ولا أكرهه على الرجوع، ولكن لما جاؤوا فى طلبه، مكَّنهم من أخذه ولم يكرهْهُ على الرجوع.
ومنها: أن المعاهدين إذا تسلَّموه وتمكَّنُوا منه فقتل أحداً منهم لم يضمنه بديةٍ ولا قَوَدٍ، ولم يضمنه الإمام، بل يكون حكمه فى ذلك حُكمَ قتله لهم فى ديارهم حيث لا حكم للإمام عليهم، فإن أبا بصيرٍ قتل أحد الرجلين المعاهَدَيْنِ بذى الحُلَيْفَةِ، وهى مِن حُكم المدينة، ولكن كان قد تسلَّموه، وفُصِلَ عن يد الإمام وحكمه.
ومنها: أن المعاهَدِينَ إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة، فحاربتهم، وغَنِمَتْ أموالهم، ولم يَتَحَيَّزُوا إلى الإمام، لم يجب على الإمام دفعُهم عنهم، ومنعُهم منهم، وسواءٌ دخلوا فى عَقدِ الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا، والعهدُ الذى كان بين النبىِّ صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، لم يكن عهداً بين أبى بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعضِ ملوكِ المسلمين وبعضِ أهل الذِّمةِ من النصارى وغيرِهم عهد، جاز لملك آخر مِن ملوك المسلمين أن يَغْزُوَهُم، ويغنَم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخُ الإسلام فى نصارى مَلَطْيَةَ وسبيهم، مستدلاً بقصة أبى بصير مع المشركين.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق