إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

361 زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث فصل


361

زاد المعاد في هدي خير العباد ( ابن قيم الجوزية ) الجزء الثالث

   فصل


         وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرايةَ علىَّ بن أبى طالب، واستخلفَ على المدينة ابنَ أمِّ مكتومٍ، ونازل حصُون بنى قُريظة، وحصرهم خمساً وعشرين ليلةً، ولـمَّا اشتد عليهم الحِصَارُ، عرض عليهم رئيسُهم كعبُ بن أسد ثلاثَ خِصال: إما أن يُسْلِمُوا ويدخُلوا مع محمد فى دينه، وإما أن يقتلوا ذراريَهم، ويخرجوا إليه بالسيوف مُصلتة يناجِزُونه حتى يظفروا بِه، أو يُقتلوا عن آخرهم، وإما أن يهجمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابِه ويكبِسُوهم يومَ السبت، لأنهم قد أمِنُوا أن يُقاتِلوهم فيه، فأَبَوْا عليه أن يُجِيبُوهُ إلى واحدة منهن، فبعثوا إليه أن أرسل إلينا أبا لُبابة بنَ عبد المنذر نستشيرُه، فلما رأوه، قاموا فى وجهه يبكون، وقالوا: يا أبا لُبابة ؛ كيف ترى لنا أن ننزِل على حكم محمد ؟ فقال: نعم، وأشارَ بيده إلى حلقه يقول: إنه الذَّبح، ثم عَلِمَ مِن فوره أنه قد خان الله ورسولَه، فمضى على وجهه، ولم يَرْجعْ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المسجد مسجد المدينة، فربط نفسه بسارِيَة المسجد، وحلف ألا يحلَّه إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخلُ أرضَ بنى قُريظة أبداً، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: ((دَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ اللهَ عَلَيْهِ)) ثم تاب الله عليه، وحلَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم إنهم نزلُوا على حُكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامَت إليه الأوسُ، فقالوا: يا رَسُولَ الله ؛ قد فعلتَ فى بنى قَيْنُقَاع ما قد عَلِمْتَ وهم حلفاءُ إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسِنْ فيهم، فقال: ((ألاَ تَرْضوَْنَ أَنْ يَحْكُم فِيِهمْ رَجُلٌ مِنْكُم)) ؟ قالوا: بلى. قال: ((فَذَاكَ إلى سَعْدِ بْنِ مُعَاذ)). قالوا: قد رضينا، فأرسلَ إلى سعد بن معاذ، وكان فى المدينة لم يخرُج معهم لجُرح كان به، فأُرْكِبَ حماراً وجاء إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجعلُوا يقولون له وهم كَنَفتاهُ: يا سَعْدُ ؛ أجمل إلى مواليَك، فأحْسِن فيهم، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد حكَّمك فِيهم لِتُحْسِنَ فيهم، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً، فلما أكثرُوا عليه، قال: لقد آن لِسعد ألا تأخذه فى اللهِ لومةُ لائم، فلما سَمِعُوا ذلِكَ منه، رجعَ بعضُهم إلى المدينة، فنعى إليهم القومَ، فلما انتهى سعد إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال للصحابة: ((قُومُوا إلَى سَيِّدكُم)) فلما أنزلُوهُ، قالوا: يا سعدُ ؛ إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حُكمك، قال: وحكمى نافِذٌ عليهم ؟. قالوا: نعم. قال: وعلى المسلمين ؟ قالوا: نعم. قال: وعلى مَن ههنا وأعرض بوجهِهِ، وأشار إلى ناحية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له وتعظيماً ؟ قال: ((نعم، وعلىَّ)). قال: فإنى أحكم فيهم أن يُقتل الرِّجَالُ، وتُسْبىَ الذُّرِّيَّةُ، وتقسمَ الأموالُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الله مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَات)) وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول، وهرب عمرو بن سُعْدَى، فانطلق فلمْ يُعلم أين ذهب، وكان قد أبى الدخُول معهم فى نقض العهد، فلما حكم فيهم بذلك، أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل كُلِّ مَن جرت عليه الموسى منهم، ومَن لم يُنْبتْ أُلحِقَ بالذُرِّية ، فحفر لهم خنادِقَ فى سوق المدينة، وضُرِبَتْ أعناقهم، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة، ولم يُقتل مِن النساء أحد سوى امرأة واحدة كانت طَرحَتْ على رأس سويد بن الصامت رحى، فقتلته، وجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً، فقالوا لرئيسهم كعب بن أسد: يا كعبُ ؛ ما تراه يصنَعُ بنا ؟ فقال: أفى كل موطن لا تعقِلُونَ ؟ أما ترون الدَّاعى لا يَنْزعُ، والذاهِبُ منكم لا يرجعُ، هو واللهِ القتلُ.
         قال مالك فى رواية بن القاسم: قال عبد الله بنُ أُبَىِّ لِسعد بن معاذ فى أمرهم: إنهم أحد جناحَىَّ، وهم ثلاثُمائَةِ دارع، وستمائة حاسر، فقال: قد آن لسعد ألا تأخذه فى اللهِ لومة لائم، ولما جىء بحُـيَىّ بن أخطب إلى بين يديه، ووقع بصُره عليه، قال: أما والله ما لُمتُ نفسِى فى معاداتك، ولكن مَنْ يُغَالِب اللهَ يُغلبْ، ثم قال: يا أيُّها الناس ؛ لا بأسَ قدر الله وملحمةٌ كتبت على بنى إسرائيل، ثم حبس، فضربتْ عنقُه. واستوهب ثابت بن قيس الزبيرَ بن باطا وأهلهُ ومالَهُ من رسول الله، فوهبهم له، فقال له ثابت بن قيس: قد وهبك لى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووهب لى مالك وأهلك، فهم لك. فقال: سألتُكَ بيدى عندك يا ثابتُ إلا ألحقتنى بالأحبَّةِ، فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود، فهذا كُلُّهُ فى يهود المدينة، وكانت غزوة كل طائفة منهم عَقِبَ كُلِّ غزوة من الغزوات الكبار.
         فغزوة بنى قَيْنُقَاع عقب بدر، وغزوة بنى النَّضير عقب غزوة أُحُد، وغزوة بنى قُريظة عقب الخندق.
         وأما يهود خيبر، فسيأتى ذكر قصتهم إن شاء الله تعالى.
 




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق