2576
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد الخامس
من صفحة 413-
مقتل المعظم تورانشاه وولاية شجرة الدر
وفداء الفرنسيس بدمياط:
ولما بويع المعظم تورانشاه وكانت له بطانة من المماليك جاء بهم من كيفا فتسلطوا
على موالي أبيه، وتقسموهم بين النكبة والإهمال. وكان للصالح جماعة من الموالي وهم البحرية الذين كان ينزلهم بالدار التي بناها إزاء المقياس، وكانوا بطانته وخالصته. وكان كبيرهم بيبرس، وهو الذي كان الصالح بعثه بالعساكر لقتال الخوارزمية عندما زحفوا مع عمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق. وقد مر ذكر ذلك فصارت صاغيته معهم. ثم استمالهم الصالح فصاروا معه وزحفوا مع عساكره إلى عساكر دمشق والإفرنج فهزموهم وحاصروا دمشق وملكوها بدعوة الصالح كما مر. واستوحش بيبرس حتى بعث إليه الصالح بالأمان سنة أربع وأربعين ولحقه بمصر فحبسه على ما كان منه، ثم أطلقه.وكان من خواص الصالح أيضاً قلاون الصالحي كان من موالي علاء الدين قراسنقرمملوك العادل، وتوفي سنة خمس وأربعين وورثه الصالح بحكم الولاء. ومنهم أقطاي الجامدار وأيبك التركماني وغيرهم فأنفوا من استعلاء بطانة المعظم تورانشاه عليهم وتحكمهم فيهم فاعصوصبواً واعتزموا على الفتك بالمعظم. ورحل من المنصورة بعد هزيمة الإفرنج راجعاً إلى مصر فلما قربت له الحراقة عند البرج ليركب البحر كبسوه بمجلسه، وتناوله بيبرس بالسيف فهرب إلى البرج فاضرموه ناراً فهرب إلى البحر فرموه بالسهام فألقى نفسه في الماء وهلك بين السيف والماء لشهرين من وصوله وملكه. ثم إجتمع هؤلاء الأمراء المتولون قتل تورانشاه ونصبوا للملك أم خليل شجرة الدر زوجة الصالح، وأم ولده خليل المتوفى في حياته، وبه كانت تلقب. وخطب لها على المنابر وضربت السكة باسمها ووضعت علامتها على المراسم، وكان نص علامتها أم خليل وقدم أتابك على العساكر عز الدين الجاشنكيرأيبك التركماني، فلما استقرت الدولة طلبهم الفرنسيس في الفداء على تسليم دمياط للمسلمين فاستولوا عليها سنة ثمان وأربعين. وركب الفرنسيس البحر إلى عكا وعظم
الفتح وأنشد الشعراء في ذلك وتساجلوا. ولجمال الدين بن مطروح نائب دمشق ابيات في الواقعة يتداولها الناس لهذا العصر، والله تعالى ولي التوفيق وهي:
# قل للفرنسيس إذا جئته مقال صدق عن قول فصيح
# آجرك الله على ما جرى من قتل عباد يسوع المسيح
# أتيت مصراً تبتغي ملكها تحسب أن الزمر بالطبل ريح
# فساقك الحين إلى أدهم ضاق بهم في ناظريك الفسيح
# وكل أصحابك أودعتهم بسوء تدبيرك بطن الضريح
# خمسون ألفاً لا يرى منهم إلا قتيل أو أسير جريح
# وفقك الله لأمثالها لعلنا من شركم نستريح
# إن كان باباكم بذا راضياً فرب غش قد أتى من نصيح
# أوصيكم خيراً به إنه لطف من الله إليكم أتيح
# لو كان ذا رشد على زعمكم ما كان يستحسن هذا القبيح
# فقل لهم إن أضمروا عودة لأخذ ثأر أو لقصد قبيح
# دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشى صبيح
والطواشي في لغة أهل المشرق هو الخصي، ويسمونه الخادم أيضاً والله أعلم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق