إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 24 فبراير 2015

3384 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) من تاريخ العلامة ابن خلدون المجلد السابع من صفحة 503 تاريخ ابن خلدون الرحلة الى الاندلس:



3384

تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
  
من تاريخ العلامة ابن خلدون
   
المجلد السابع

من صفحة 503

تاريخ ابن خلدون


الرحلة الى الاندلس:

ولفا أجمعت الرحلة إلى الأندلس، بعثت بأهلي وولدي إلى أخوالهم بقسنطينة، وكتبت لهم إلى صاحبها السلطان أبي العباس، من حفدة السلطان أبي يحيى، وأني أمر على الأندلس، وأجيز إليه من هنالك. وسرت إلى سبتة فرضة المجاز، وكبيرها يومئذ الشريف أبو العباس أحمد بن الشريف الحسني، ذو النسب الواضح، السالم من الريبة عند كافة أهل المغرب؛ انتقل سلفه إلى سبتة من صقلية، وأكرمهم بنو العزفي أولاً وصاهروهم. ثم عظم صيتهم في البلد، فتنكروا لهم. وغربهم يحيى العزفي آخرهم إلى الجزيرة؛ فاعترضتهم مراكب النصارى في الزقاق؛ فأسروهم. وانتدب السلطان أبو سعيد إلى فديتهم، رعاية لشرفهم؛ فبعث إلى النصارى في ذلك فأجابوه. وفادى هذا الرجل وأباه على ثلاثة آلاف دينار، ورجعوا إلى سبتة. وانقرض بنو العزفي



 ودولتهم، وهل والد الشريف، وصار هو إلى رياسة الشورى. ولما كانت واقعة القيروان، وخلع أبو عنان أباه، واستولى على المغرب، وكان بسبتة عبد الله بن علي الوزير، والياً من قبل السلطان أبي الحسن، فتمسك بدعوته، ومال أهل البلد إلى السلطان أبي عنان. وبث فيهم الشريف دعوته؛ فثاروا بالوزير وأخرجوه، ووفدوا على أبي عنان. وأمكنوه من بلدهم؛ فولى عليها من عظماء دولته سعيد بن موسى العجيسي؛ كافل تربيته في صغره. و أفرد هذا الشريف برياسة الشورى في سبتة؛ فلم يكن يقطع أمر دونه. ووفد على السلطان بعض الأيام، فتلقاه من الكرامة بما لا يشاركه فيه أحد من وفود الملوك والعظماء. ولم يزل على ذلك سائر أيام السلطان وبعد وفاته. وكان معظماً وقور المجلس، هش اللقاء، كريم الوفادة، متحلياً بالعلم والأدب، منتحلاً للشعر، غاية في الكرم وحسن العهد، وسذاجة النفس، ولما مررت به سنة أربع وستين وسبعمائة، أنزلني ببيته إزاء المسجد الجامع، وبلوت منه ما لا يقدر مثله من الملوك، وأركبني الحراقة ليلة سفري؛ يباشر دحرجتها إلى الماء بيده، إغراباً في الفضل والمساهمة. وحططت بجبل الفتح وهو يومئذ لصاحب المغرب. ثم خرجت منه إلى غرناطة، وكتبت إلى السلطان ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب بشأني. وليلة بت بقرب غرناطة على بريد منها، لقيني كتاب ابن الخطيب يهنئني بالقدوم ويؤنسني، ونصه:

#حللت حلول الغيث بالبلد المحـــــل          على الطائر الميمون والرحب والسهل

#يميناً بمن تعنو الوجوه لوجهــــــه            من الشيخ والطفل المهدا والكهل

#لقد نشأت عندي للقياك غبطــــــة         تنسي اغتباطي بالشبيبة والأهل

#وودي لا يحتاج فيه لشاهــــــــد        وتقريري المعلوم ضرب من الجهل

 أقسمت بمن حجت قريش لبيته، وقبر صرفت؛ أزمة الأحياء لميته، ونور ضربت الأمثال بمشكاته رزيته. لو خيرت أيها الحبيب الذي زيارته الأمنية السنية، والعارفة الوارفة، والمطيفة المطيفة، بين رجع الشباب يقطر ماء، ويرف نماء، ويغازل عيون الكواكب، فضلاً عن الكواعب، إشارة وإيماء، بحيث لا آلو في 



خط يلم بسياج لمته، أو بقدح ذباله في ظلمته، أو يقدم حواريه في ملته، من الأحابش وأفته، وزمانة روح وراح، ومغدىً في النعيم ومراح، وقصف صراح، ورقى وجراح، وانتخاب واقتراح، وصدور ما بها إلا انشراح، ومسرات تردفها أفراح؛ وبين قدومك خليع الرسن، ممتعاً  والحمد لله باليقظة والوسن، محكما في نسك الجنيد أو فتك الحسن، ممتعاً بظرف المعارف، مالئاً أكف الصيارف، ماحياً بأنوار البراهين شبه الزخارف لما اخترت الشباب وإن شاقني زمنه، وأعياني ثمنه، وأجرت سحاب دمعي دمنه. فالحمد لله الذي رقى جنون اغترابي، وملكبني أزمة آرابي، وغبطني بمائي وترابي، ومألف أترابي، وقد أغصني بلذيذ شرابي، ووقع على سطوره المعتبرة إضرابي. وعجلت هذه مغبطة بمناخ الماطية، منتهى الطية، وملتقى للسعود غير البطية، وتهني الآمال الوثيرة الوطية. فما شئت من نفوس عاطشة إلى ربك، متجملة بزيك، عاقلة خطاً مهريك؛ ومولى مكارمه نشيدة أمثالك، ومظان مثالك، وسيصدق الخبر ما هنالك، وشمع فضل مجدك في التخلف عن الإصحار، لا، بل للقاء من وراء البحار، والسلام.

ثم أصبحت من الغد قادما على البلد، وذلك ثامن ربيع الأول عام أربعة وستين وسبعمائة،

وقد اهتز السلطان لقدومي، وهيأ لي المنزل من قصوره، بفرشه وماعونه، وأركب خاضته للقائي، تحفياً وبراً، ومجازاة بالحسنى؛ ثم دخلت عليه فقابلني بما يناسب ذلك، وخلع علي وانصرفت. وخرج الوزير ابن الخطيب فشيعني إلى مكان نزلي؛ ثم نظمني في علية أهل مجلسه، واختصني بالنجي في خلوته، والمواكبة في ركوبه، والمواكلة والمطايبة

والفكاهة في خلوات أنسه؛ وأقمت على ذلك عنده؛ وسفرت عنه سنة خمس وستين وسبعمائة إلى الطاغية ملك قشتالة يومئذ؛ بتره بن الهنشه بن أذفونش، لإتمام عقد الصلح ما بينه وبين ملوك العدوة، بهدية فاخرة، من ثياب الحرير، والجياد المقربات بمراكب الذهب الثقيلة؛ فلقيت الطاغية بإشبيلية، وعاينت آثار سلفي بها، وعاملني من الكرامة بما لا مزيد عليه، وأظهر الاغتباط بمكاني، وعلم أولية



 سلفنا بإشبيلية. وأثنى علي عنده طبيبه إبراهيم بن زرور اليهودي، المقدم في الطب والنجامة، وكان لقيني بمجلس السلطان أبي عنان، وقد استدعاه يستطبه، وهو يومئذ بدار ابن الأحمر بالأندلس. ثم نزع بعد مهلك رضوان القائم بدولتهم إلى الطاغية؛  فأقام عنده، ونظمه في أطبائه. فلما قدمت أنا عليه، أثنى علي عنده، فطلب الطاغية مني حينئذ المقام عنده، وأن يرد علي تراث سلفي بإشبيلية، وكان بيد زعماء دولته، فتفاديت من ذلك بما قبله. ولم يزل على اغتباطه إلى أن انصرفت عنه؛ فزودني وحملني، واختصني ببغلة فارهة، بمركب ثقيل ولجام ذهبيين، أهديتهما إلى السلطان، فأقطعني قرية إلبيرة من إراضي السقي بمرج غرناطة، وكتب بها منشورا كان نصه:

ثم حضرت المولد النبوي لخامسة قدومي، وكان يحتفل في الصنيع فيها والدعوة، وإنشاد الشعراء، اقتداء بملوك المغرب، فأنشدته ليلتئذ:



#حي المعاهد كانت قبل تحيينـــــي            بواكف الدمع يرويها ويظميني

#إن الألى نزحت داري ودارهـــــم            تحملوا القلب في آثارهم دوني

#وقفت أنشد صبراً ضاع بعدهـــــم           فيهم وأسأل رسماً لا يناجيني

# أمثل الربع من شوق فألثمــــــه            وكيف والفكر يدنيه ويقصيني 

#وينهب الوجد مني كل لؤلــــــؤة           ما زال قلبي عليها غير مأمون 

#سقت جفوني مغاني الربع بعدهــــم            فالدمع وقف على أطلاله الجون 

#قد كان للقلب داعي الهوى شغــــل           لو لأن قلبي إلى السلوان يدعوني

#أحبابنا هل لعهد الوصل مدكـــــر            منكم وهل نسمة عنكم تحييني

#ما لي وللطيف لا يعتاد زائـــــره              وللنسيم عليلاً لا يداويني 

#يا أهل نجد وما نجد وساكنهــــــا          حسناً سوى جبة الفردوس والعين

#أعندكم أنني ما مرّ ذكركــــــــم        إلا انثنيت كأن الراح تثنيني

#أصبو إلى البرق من أنحاء أرضكـــم        شوقاً ولولاكم ما كان يصبيني 

#يا نازحاً والمنى تدنيه من خلـــــدي           حتى لأحسمه قرباً يناجيني

#أسلى هواك فؤادي عن سواك ومــــا           سواك يوماً بحال عنك يسليني

#ترى الليالي أنستك إدكاري يــــــا         من لم تكن ذكره الأيام تنسيني

ومنها في وصف الايوان الذي بناه لجلوسه بين قصوره:

#يا مصنعاً شيدت منه السعود حمــــىً           لا يطرق الدهر مبناه بتوهين

#صرح يحار لديه الطرف مفتتنـــــاً            فيما يروقك من شكل وتلوين

#بعداً لإيوان كسرى إن مشـــــورك          السامي لأعظم من تلك الاواوين 

#ودع دمشق ومغناها عصـــــرك ذا           أشهى إلى القلب من أبواب جيرون "

ومنها في التعريف بمنصرفي من العدوة:

# من مبلغ عني الصحب الألى تركـــوا            ودي وضاع حماهم إذ أضاعوني

# أني أويت من العليا إلى حــــــرم           كادت مغانيه بالبشرى تحييني 

# وأنني ظاعناً لم ألق بعدهـــــــم           دهرا أشاكي ولا خصماً يشاكيني

# لا كالتي أخفرت عهدي ليالــــي إذ           أقلب الطرف بين الخوف والهون

# سقياً ورعياً لأيامي التي ظفــــرت             يداي منها بحظ غير مغبون

# ارتاد منها ملياً لا يماطلنـــــــي           وعداً وارجو كريماً لا يعنينى

# وهاك منها قواف طيها حكــــــم          مثل الأزاهر في طي الرياحين 

# تلوح إن جليت درا وإن تليـــــت           تثني عليك بأنفاس البساتين

# عانيت منها بجهدي كل شـــــاردةٍ          لولا سعودك ما كادت تواتين 

# يمانع الفكرعنها ما تقسمـــــــه          من كل حزن بطي الصدر مكنون

# لكن بسعدك ذلت لي شواردهـــــا          فرضت منها تجبير وتزيين 

# بقيت دهرك في أمن وفي دعـــــة            ودام ملكك في نصر وتمكين

وأنشدته سنة خمس وستين وسبعمائة في إعذار ولده، والصنيع الذي احتفل لهم فيه، ودعا

إليه الجفلى من نواحي الأندلس، ولم يحضرني منها إلا ما أذكره:

# صحا الشوق لولا عبرة ونحيــــب             وذكرى تجد الوجد حين تثوب

# وقلب أبى إلا الوفاء بعهـــــــده          وإن نزحت دار وبان حبيب

# ولته مني بعد حادثة النـــــــوى          فؤاد لتذكار العهود طروب

# يؤرقه طيف الخيال إذا ســـــرى             وتذكي حشاه نفحة وهبوب

# خليلي إلا تسعدا فدعا الأســــــى         فإني لما يدعو الأسى لمجيب

# ألما على الأطلال يقض حقوقهــــا             من الدمع فياض الشئون سكوب 

# ولا تعذلاني في البكاء فإنهــــــا             حشاشة نفسي في الدموع تذوب

ومنها في تقدم ولده للأعذار من غير نكول:

#فيمم منه الحفل لا متقاعــــس           لخطب ولانكسر اللقاء هيوب

# وراح كما راح الحسام من الوغى              تروق حلاه والفرند خضيب

# شواهد اهدتهن منك شمائـــل              وخلق بصفو المجد منك مشوب

 ومنها في الثناء على ولديه:

# هما النيران الطالعان على الهدى          بآيات فتح شأنهن عجيب

# شهابان في الهيجا غمامان في الندى            تسح المعالي منهما وتصوب 

# يدان لبسط المكرمات نماهمــــا          إلى المجد فياض اليدين وهوب 

وأنشدته ليلة المولد الكريم من هذه السنة:

# أبى الطيف أن يعتاد إلا توهمـــــاً             فمن لي بأن ألقى الخيالى المسلما 

# وقد كنت استهديه لو كان نافعـــــي        وأستمطر الأجفان لو تنقع الظما

# ولكن خيال كاذب وطماعـــــــة        تعلل قلباً بالأماني متيما

# أيا صاحبي نجواي والحب لوعــــة             تبيح بشكواها الضمير المكتما

# خذا لفؤادي العهد من نفس الصبــــا         وطي النقا والبان من اجرع الحمى

# ألا صنع الشوق الذي هو صانـــــع         فحبي مقيم أقصر الشوق أو سما

# وإني ليدعوني السلو تعلــــــــلاً         وتنهاني الأشجان أن أتقدما

# لمن دمن اقفرن إلا هواتـــــــف          ترد في اطلالهن الترنما

# عرفت بها سيما الهوى وتنكـــــرت         فعجبت على آياتها متوسما

# وذو الشوق يعتاد الربوع دوارســــاً           ويعرف آثار الديار توهما

# تأؤبني والليل بيني وبينــــــــه           وميض بأطراف الثنايا تضرما 

# أجد لي العهد القديم كأنــــــــه        أشار بتذكار العهود فأفهما 

# عجبت لمرتاع الجوانح خافـــــق             بكيت له خلف الدجى وتبسما

# وبت أرويه كؤوس مدامعــــــي           وبات يعاطيني الحديث عن الحمى

# وصافحته عن رسم دار بذي الغضـى        لبست بها ثوب الشبيبة معلما

# لعهدي بها تدني الظباء أو انســــا              وتطلع في آفاقها الغيد أنجما

# أحن إليها حيث سار بي الهــــوى             وأنجد رحلي في البلاد وأنهما

ولما استقر، واطمأنت الدار، وكان من السلطان الاغتباط والاستئثار وكثر الحنين

إلى الأهل والتذكار، أمر باستقدام أهلي من مطرح اغترابهم



 بقسنطينة، فبعث عنهم من جاء بهم إلى تلمسان. وأمر قائد الاسطول بالمرية؛ فسار لاجازتهم في اسطوله، واحتلوا بالمرية. واستأذنت السلطان في تلقيهم، وقدمت بهم على الحضرة، بعد أن هيأت لهم المنزل والبستان، ودمنة الفلح، وسائر ضرورات المعاش.

وكتب الوزير ابن الخطيب عندما قاربت الحضرة، وقد كتبت إليه استأذنه في القدوم، وما أعتمده في أحواله:

سيدي، قدمت بالطير الميامين، على البلد الأمين، واستضفت الرفاء إلى البنين، ومتعت بطول السنين. وصلتني البراءة المعربة عن كثب اللقاء، ودنو المزار، وذهاب البعد، وقرب الدار؛ واستفهم سيدي عفا عندي في القدوم على المخدوم، والحق أن بتقدم سيدي إلى الباب الكريم، في الوقت الذي يجد المجلس الجمهوري لم يفض حجيجه، ولا صوح بهيجه، ويصل الأهل بعده إلى المحل الذي هيأته السعادة لاستقرارهم، واختاره اليمن قبل اختيارهم، والسلام.

ثم لم يلبث الأعداء وأهل السعايات أن حملوا الوزير ابن الخطيب من ملابستي للسلطان، واشتماله علي، وحركوا له جواد الغيرة فتنكر. وشممت منه رائحة الانقباض، مع استبداده بالدولة، وتحكمه في سائر أحوالها؛ وجاءتني كتب السلطان أبي عبد الله

صاحب بجاية، بأنه استولى عليها في رمضان خمس وستين وسبعمائة. واستدعاني إليه؛ فاستأذنت السلطان ابن الأحمر في الارتحال إليه. وعميت عليه شأن ابن الخطيب إبقاء لمودته؛ فارتمض لذلك، ولم يسعه إلا الإسعاف، فودع وزود، وكتب لي مرسوماً بالتشييع من إملاء الوزير ابن الخطيب نصه:

هذا ظهير كريم، تضمن تشييعاً وترفيعاً، وإكراماً وإعظاماً، وكان لعمل الصنيعة ختاماً، وعلى الذي أحسن تماماً، وأشاد للمعتمد به بالاغتباط الذي راق قساما وتوفر أقسامأ، وأعلن له بالقبول إن نوى بعد النوى رجوعاً أو آثر على الظعن المزمع مقاماً.

أمر به، وأمضى العمل بمقتضاه وحسبه، الأمير عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نصره، وأعلى ذكره، للولي الجليس، الحظي المكين، المقرب الأود الأحب، الفقيه الجليل، الصدر الأوحد، الرئيس العلم، الفاضل الكامل، المرفع الأسمى، الأظهر الأرضى، الأخلص الأصفى، أبي زيد عبد الرحمن بن الشيخ الجليل، الحسيب الأصيل، الفقيه المرفع المعظم، الصدر الأوحد الأسنى، الأفضل الأكمل، الموقر المبرور، أبي يحيى أبي بكر، ابن الشيخ الجليل الكبير، الرفيع الماجد، القائد الحظي، المعظم الموقر، المبرور المرحوم، أبي عبد الله بن خلدون. وصل الله له أسباب السعادة، وبلغه من فضله أقصى الإرادة؛ أعلن بما عنده، أيده الله، من الاعتقاد الجميل في جانبه المرفع، وإن كان غنياً عن الإعلان. وأعرب عن معرفته بمقداره، في الحسبان العلماء الرؤساء الأعيان، وأشاد باتصال رضاه عن مقاصده البرة وشيمه الحسان، من لذن وفد بابه، وفادة العز الراسخ البنيان، وأقام المقام الذي عين له رفعة المكان، وإجلال الشان، إلى أن عزم على قصد وطنه، أبلغه الله ذلك في ظل اليمن والأمان، وكفالة الرحمن بعد الاغتباط المربى على الخبر بالعيان، والتمسك بجواره بجهد الإمكان، ثم قبول عذره بما جبلت الأنفس عليه من الحنين إلى المعاهد والأوطان. وبعد أن لم يذخر عنه كرامة رفيعة، ولم يحجب عنه وجه صنيعة، فولاه القيادة والسفارة، وأحله جليساً معتمداً بالإستشارة، وألبسه من الحظوة والتقريب أبهى الشارة، وجعل محله من حضرته مقصوداً بالمثل معنياً بالإشارة، ثم أصحبه تشييعاً يشهد بالضنانة بفراقه، ويجمع له بر الوجهة من جميع آفاقه، ويجعله بيده رتيمة خنصر، ووثيقة سامع أو مبصر؛ فمهما لوى أخدعه إلى هذه البلاد بعد قضاء وطره، وتمليه من نهمة سفره، أو نزع به حسن العهد وحنين

الود، فصدر العناية به مشروح، وباب الرضا والقبول مفتوح، وما عهده من الحظوة والبر ممنوح. فما كان القصد في مثله من أمجاد الأولياء ليتحول، ولا الاعتقاد الكريم ليتبذل، ولا الأخير من الأحوال لينسخ الأول. على هذا فليطو ضميره، وليرد متى شاء نميره، ومن وقف عليه من القواد والأشياخ والخدام، برا وبحرا، على اختلاف الخطط والرتب، وتباين الأحوال والنسب، أن يعرفوا حق



 هذا الاعتقاد، في كل ما يحتاج إليه من تشييع ونزول؛ وإعانة وقبول، واعتناء موصول، إلى أن يكمل الغرض، ويؤدى من امتثال هذا الأمر الواجب المفترض، بحول الله وقوته.

وكتب في التاسع عشر من جمادى الأولى عام ستة وستين وسبعمائة .

وبعد التاريخ العلامة بخط السلطان، ونصها: "صح هذا".



يتبع 

يارب الموضوع يعجبكم 
تسلموا ودمتم بود 
عاشق الوطن 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق