إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 24 فبراير 2015

3389 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) من تاريخ العلامة ابن خلدون المجلد السابع من صفحة 503 تاريخ ابن خلدون وتداعى الدعرة وتعاوى الشرار.


3389

تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
  
من تاريخ العلامة ابن خلدون
   
المجلد السابع

من صفحة 503

تاريخ ابن خلدون


 وتداعى الدعرة وتعاوى الشرار.

وقد كنا أغرينا من بالجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغه التي سدت بين القاعدتين رندة ومالقة الطريق، وألبست ذل الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما ان يسيغا الريق؛ فلا سبيل إلى الإلمام، لطيف المنام، إلا في الأحلام، ولا رسالة إلا في أجنحة هدل الحمام؛ فيسر الله فتحها، وعجل منحها، بعد حرب انبتت فيها النحور، وتزينت الحور. وتبع هذه الأم بنات شهيرة، وبقع للزرع والضرع خيرة، فشفي الثغر من بؤسه، وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية الناجية بعد عبوسة.

ثم أعملنا الحركة إلى مدينة إطريرة، على بعد المدى، وتغلغلها في بلاد العدا، واقتحام هول الفلا وغول الردى؛ مدينة تبنتها حمص فأوسعت الدار، واغلت الشوار، وراعت الاشتكثار، وبسطت الاعتمار؛ رجح لدينا قصدها على البعد، والطريق الجعد، ما اشفت به المسلمين من استئصال طائفة من اسراهم، مروا بها آمنين، وبطائرها المشئوم متيفنين، قد أنهكهم 



الاعتقال، والقيود الثقال، وأضرعهم الإنكسار وجللهم الانكسار، فجدلوهم في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد، وأهدوا

بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد، وترة الماجد؛ فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضل ولا ينسى، وصبحتها الخيل، ثم تلاحق الرجل لما جن الليل، وحاق بها الويل؛ فأبيح منها الذمار، وأخذها الذمار، ومحقت من مصانعها البيض الأهلة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهلها الضلوع الحرار، وسلطت على هياكلها النار، واستولى على الآلاف العديدة من تسبيها الأسار، وانتهى إلى إشبيليه الثكلى المغار فجلل وجوه من بها من كبار النصرانية الصغار، واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله الأوقار.

وعدنا والأرض تموج سبياً، لم نترك بعفرين شبلا ولا بوجرة ظبيا، والعقائل حسرى، والعيون يبهرها الصنع الأسرى وصبح السرى قد حمد من بعد المسرى، فسبحان الذي اشرى؛ ولسان الحمية ينادي، في تلك الكنائس المخربة والنوادي: يا لثارات الأسرى!





ولم يكن إلا أن نفلت الأنفال، ووسمت بالأوضاح الأغفال، وتميزت الهوادي والأكفال، وكان إلى غزو مدينة جيان الاحتفال، قدنا إليها الجرد تلاعب الظلال نشاطا، والأبطال تقتحم الأخطار رضى بما عند الله واغتباطاً، والمهندة الدلق تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطاً، واستكثرنا من عدد القتال احتياطاً، وأزحنا العلل عمن أراد جهاداً منجياً غباره من دخان جهنم ورباطا، ونادينا الجهاد! الجهاد! يا أمة الجهاد! راية النبي الهاد! الجنة تحت ظلال السيوف الحداد!؛ فهز النداء إلى الله تعالى كل عامر وغامر، وائتمر الجم من دعوى الحق إلى أمر آمر، وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالاً وعلى كل ضامر، وكاثرت الرايات ازهار البطاح لوناً وعداً، وسدت الحشود مسالك الطريق العريضة سداً، ومد بحرها الزاخر مداً، فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حداً.

وهذه المدينة هي الأم الولود، والجنة التي في النار لسكانها من الكفار الخلود؛ وكرسي الملك، ومجنبة الوسطى من السلك؛ باءت بالمزايا العديدة ونجحت، وعند الوزان. بغيرها من أمات البلدان، رجحت، غاب الأسود، وجحر الحيات السود، ومنصب التماثيل الهائلة، ومعلق النواقيس المصلصلة.





فأدنينا إليها المراحل، وعنينا ببحار المحلات المستقلات منها الساحل، ولما أكثبنا جوارها، وكدنا نلتمح نارها، تحركنا إليها ووشاح الأفق المرقوم، بزهر النجوم، فد دار  دائره، والليل من خوف الصباح، على سطحه المستباح، قد شابت غدائره، والنسر يرفرف باليمن طائره، والسماك الرامح يثأر بعز الإسلام ثائره، والنعائم راعدة فرائص الجسد، من خوف الأسد، والقوس يرسل سهم السعادة، بوتر العادة، إلى أهداف النعم المعادة، والجوزاء عابرة نهر المجرة، والزهرة تغار من الشعرى العبور



 بالضرة؛ وعطارد يسدي في حبل الحروب، على البلد المحروب ويلحمه، ويناظر على أشكالها الهندسية فيفحمه، والأحمر يبهر، وبعلمه الأبيض يغري وينهر، والمشتري يبدى غ في فضل الجهاد ويعيد، ويزاحم في الحلقات، على ما للسعادة من الصفقات، ويزيد؛ وزحل عن الطالع منزحل، وعن العاشر مرتحل، وفي زلق السعود وحل؛ والبدر يطالع حجر المنجنيق، كيف يهوي إلى النيق، ومطلع الشمس يرقب، وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب. ولما فشا سر الصباح، واهتزت أعطاف الرايات بتحيات مبشرات الرياح، أطللنا

عليها إطلال الأسود على الفرائس، والفحول على العرائس؛ فنظرنا  منظراً يروع بأساً ومنعة، ويروق وضعاً وصنعة، تلفعت معاقله الشم للسحاب ببرود،



 ووردت من غدر المزن في برود، واشرعت لاقتطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود، وبلداً يعمي الماسح والذارع، وينتظم المحاني والأجارع؛ فقلنا: اللهم نفله أيدي عبادك، وأرنا فيه آية من آيات جهادك؛ ونزلنا بساحتها العريضة المتون، نزول الغيث الهتون، وتيمنا من فحصها بسورة " التين والزيتون "، متبرئة من من أمان الرحمان للبلد المفتون؛ وأعجلنا الناس بحمية نفوسهم النفيسة، وسجية شجاعتهم البئيسة، عن أن تبوأ للقتال المقاعد، وتدني بأسماع شهير النفير منهم الأباعد، وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم، ويركع المنجنيق ركعتي القدوم؛ فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان. وسبق إلى حومة الميدان، حتى أحجروهم في البلد، وسلبوهم لباس الجلد، في موقف يذهل الوالد عن الولد، صابت السهام فيه غماماً، وطارت كأسراب الحمام تهدى حماما، وأضحت القنا قصداً، بعد أن كانت شهاباً رصداً، وماج بحر القتام بأمواج النصول، وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصياح الموصول؛ فلا ترى إلا شهيدا تظلل مصرعه الحور، وصريعاً تقذف به إلى الساحل تلك البحور؛ ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنحور؛ 



فالمقضب، فوده يخضب، والأسمر، غصنه يستثمر، والمغفر، حماه يخفر، وظهور القسي تقصم، وعصم الجند الكوافر تفصم، وورق اليلب في المنقلب يسقط،  والبيض تكتب والسمر تنقط، فاقتحم الربض الأعظم لحينه، وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزة دينه، وتبرأ الشيطان من خدينه، ونهب الكفار وخذلوا، وبكل مرصد جدلوا؛ ثم دخل البلد بعده غلاباً، وجلل قتلاً واستلاباً؛ فلا تسل إلا الظبا والأسل عن قيام ساعته، وهول يومها وشناعته، وتخريب المبائت والمباني، وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني، ونقل الوجود الأول إلى الوجود الثاني؛ وتخارق السيف فجاء بغير المعتاد، ونهلت القنا الردينية من الدماء، حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد، وهمت أفلاك القسي وسحت، وأرنت حتى بخت، ونفدت موادها فشخت، مما ألحت،وسدت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر، واستأصل الله من عدوه الشأفة وقطع الدابر، وأزلف الشهيد وأحسب الصابر، وسبقت رسل الفتح الذي يسلم يسمع بمثله في الزمن الغابر. تنقل البشرى من أفواه المحابر، إلى آذان المنابر.

أقمنا بها أياماً نعقر الأشجار، ونستأصل بالتخريب الوجار، ولسان الانتقام من عبدة الأصنام، ينادي: يا لثارات الإسكندرية تشفياً من الفجار، ورعياً لحق الجار؛ وقفلنا وأجنحة الرايات، برياح العنايات، خافقة وأوفاق، التوفيق، الناشئة من خطوط الطريق، موافقة، وأشواق العز بالله نافقة، وحملاء الرفق مصاحبة- والحمد لله- مرافقة؛ وقد ضاقت ذروع الجبال، عن أعناق الصهب السبال، ورفعت على الأكفال، ردفاء كرائم الأنفال، وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال، بالهندام والاحتيال؛ وهلك بمهلك هذه الأم بنات كن يرتضعن ثديها الحوافل، ويستوثرن حجرها الكافل؛ شمل التخريب أسوارها، وعجلت النار بوارها.





ثم تحركنا بعدها حركة الفتح، وأرسلنا دلاء الأدلاء قبل المتح، فبشرت بالمنح؛ وقصدنا مدينة أبدة، وهي ثانية الجناحين، وكبرى الأختين، ومساهمة جيان في حين الحين؛ مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق، وتمشت فيه أرباضها تمشي الكتابة الجامحة في المهرق؛ المشتملة على المتاجر والمكاسب، والوضع المتناسب، والفلح المعي ريعه عمل الحاسب وكوارة الدبر اللاسب المتعددة اليعاسب؛ فأناخ العفاء بربوعها العامرة، ودارت كؤوس عقار الحتوف، ببنان السيوف، على متديريها المعاقرة، وصبحتها طلائع الفاقرة، وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة؛ ودخلت مدينتها عنوة السيف، في أسرع من خطرة الطيف، ولا تسال عن الكيف، فلم يبلغ العفاء من  مدينة حافلة، وعقيلة في حلل المحاسن رافلة، ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النيران أبراجها،



 وتضاءل بالرغام معراجها؛ وضفت على أعطافها ملابس الخذلان، وأقفر من كنائسها كناس الغزلان.

ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة، وخزائن المزاين الوافرة، و رئة الشهرة السافرة، والأنباء المسافرة؛ قرطبة، وما أدراك ما هيه! ذات الأرجاء الحالية الكاسية، والأطواد الراسخة الراسية، والمباني المباهية، والزهراء الزاهية، والمحاسن غير المتناهية؛ حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السور المشيد البناء داراً، ونهر المجرة من نهرها الفياض، المسلول حسامه من غمود الغياض، قد لصق بها جاراً، وفلك الدولاب، المعتدل الانقلاب، قد استقام مداراً، ورجع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأول وأذكاراً حيث الطود كالتاج، يزدان بلجين العذب المجاج، فيزري بتاج كسرى وداراً؛ حيث قسي الجسور المديدة، كأنها عوج المطي العديدة، تعبر النهر قطاراً؛ 



حيث آثار العامري المجاهد، تعبق بين تلك المعاهد، شذى معطاراً؛ حيث كرائم السحائب، تزور عرائس الرياض الحبائب، فتحمل لها من الذر نثاراً؛ حيث شمول الشمال تدار على الأدواح، بالغدو والرواح، فترى الغصون سكارى، وما هي بسكارى؛ حيث أيدي الافتتاح، تفتض من شقائق البطاح، أبكاراً؛ حيث ثغور الأقاح الباسم، تقبلها بالسحر زوار النواسم، فتخفق قلوب النجوم الغيارى؛ حيث المصلى العتيق، قد رحب مجالاً وطال مناراً، وأزرى ببلاط الوليد احتقاراً؛ حيث الظهور المثارة 



بسلاح الفلاح، تجب عن مثل أسنمة المهارى، والبطون كأنها لتدميث الغمائم، بطون العذارى، والأدواح العالية، تخترق أعلامها الهادية، بالجداول الحيارى. فما شئت من جو بقيل، ومعرس للحسن ومقيل، ومالك للعقل وعقيل؛ وخمائل، كم فيها للبلابل، من قال وقيل، وخفيف يجاوز بثقيل؛ وسنابل تحكي من فوق سوقها، وقصب بسوقها، الهمزات على الألفات، والعصافير البديعة الصفات، فوق القضب المؤتلفات، تميل لهبوب الصبا والجنوب،. مالئة الجيوب، بدر الحبوب، وبطاح لا تعرف عين المحل، فتطلبه بالذحل، ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار، عند افتتاح السوسن والبهار، غير الغبدان من سودان النحل؛ وبحر الفلاحة 



الذي لا يدرك ساحله، ولا يبلغ الطية البعيدة راحله؛ إلى الوادي، وسمر النوادي، وقرار دموع الغوادي؛ للتجاسر على تخطيه، عند  تمطيه، الجسر العادي، والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد، والفرا الذي في جوفه كل صيد؛ أقل كرسيه خلافة الإسلام، وأغار بالرصافة والجسر دار السلام، وما عسى أن تطنب في وصفه السنة الأقلام أو تعبر به عن ذلك الكمال فنون الكلام.

فأعملنا إليها السرى والسير، وقدنا إليها الخيل قد عقد الله في نواصيها الخير. ولما  وقفنا بظاهرها المبهت المعجب، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب؛ والقلوب تلتمس الإعانة من فنعم مجزل، وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل، والركائب واقفة من خلفنا بمعزل، تتناشد في معاهد الإسلام:

"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل "

برز من حاميتها المحاميه، ووقود النار الحاميه، وبقية السيف الوافرة على الحصاد النامية، قطع الغمائم الهامية، وأمواج البحور الطامية؛ واستجنت بظلال أبطال المجال، أعداد الرجال، الناشبة والرامية، وتصدى للنزال، 



من صناديدها الصهب السبال، أمثال الهضاب الراسية، تجنها جنن السوابغ الكاسية، وقواميسها المفادية للصلبان يوم بوسها بنفوسها المواسية، وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله، ستور الظلم الغاشية، وصخور القلوب القاسية؛ فكان بين الفريقين أمام جسرها الذي فرق البحر، وحلى بلجينه، ولآليء زينه، منها النحر، حرث لم تنسج الأزمان على منوالها، ولا أتت الأيام الحبالى بمثل أجنة اهوالها؛ من قاسها بالفجار أفك وفجر؛ أو مثلها بجفر الهباءة خرف وهجر؛ ومن شبهها بحرب داحس والغبراء، فما عرف الخبر، فليسأل من جرب وخبر؛ ومن نظرها بيوم شعب جبله فهو ذو بله؛ أو عادلها ببطن عاقل، فغير عاقل؛ أو احتبئ بيوم ذي قار، فهو إلى



 المعرفة ذو افتقار؛ أو ناضل بيوم الكديد، فسهمه غير السديد؛ إنما كان مقاماً غير معتاد، ومرعى نفوس سلم يف بوصفه لسان مرتاد وزلزال جبال أوتاد، ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتاد؛ اعلم فيه البطل الباسل، وتورد الأبيض الباتر، وتأود الأسمر العاسل، ودوم الجليد المتكاسل، وانبعث من حدب الحنية، إلى هدف الرمية، الناشر الناسل، ورويت لمرسلات السهام المراسل؛ ثم أفضى أمر الرماح إلى التشاجر والإرتباك، ونشبت الأسنة في الدروع نشب السمك في الشباك؛ ثم اختلط المرعي بالهمل، وعزل الرديني عن العمل؛ وعادت السيوف من فوق  المفارق تيجاناً، بعد أن شقت غدر السوابغ خلجاناً؛ واتحدت جداول الدروع، فصارت بحراً وكان التعانق، فلا ترى إلا نحراً يلازم نحراً، عناق وداع، وموقف شمل ذي انصداع، وإجابة منادٍ إلى فراق الأبد وداع؛ واستكشفت مآل الصبر الأنفس الشفافة، وهبت بريح النصر الطلائع المبشرة الهفافة؛ ثم أمد السيل ذلك



 العباب، وصقل الاستبصار الألباب، واستخلص العزم صفوة اللباب، وقال لسان النصر: ( ادخلوا عليهم الباب)؛ فأصبحت طوائف الكفار، حصائد مناجل الشفار، فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالأخفار، ورءوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار، وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرقة والأسوار، ورفرف على المدينة جناح البوار، لولا الانتهاء إلى الحد والمقدار، والوقوف عند اختفاء سر الأقدار.

ثم عبرنا نهرها، وشددنا بأيدي الله قهرها، وضيقنا حصرها، وأدرنا بلالىء القباب البيض خضرها؛ وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما، وترمي الأدواح ببوارها، وتسلط النيران على أقطارها؛ فلولا عائق المطر، لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر، فرأينا أن نروضها بالأجتثاث والانتساف، ونوالي على زروعها وربوعها كرات رياح الاعتساف؛ حى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها، ويتهنا بفضل الله إرث نعمتها؛ ثم كانت من موقفها الإفاضة من بعد نحر النحور، وقذف جمار الدمار على العدو المدحور، وتدافعت خلفنا السيقات المتسقات تدافع أمواج البحور.

وبعد أن ألححنا على جناتها المصحرة، وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم، وعوضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم، وطاف عليها طائف من ربنا فاصبحت كالصريم، وأغرينا حلاق النار بجمم الجميم، وراكمنا في أحواف



 أجرافها غمائم الدخان؛ يذكر طيبه البان بيوم العميم، وأرسلنا رياح الغارات (لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم )؛ واستقبلنا الوادي يهول مداً، ويروع سيفه الصقيل حداً؛ فيسره الله من بعد الأعواز، وانطلقت على الفرصة بتلك الفرضة أيدي الانتهاز، وسألنا من سائله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز، فعم الاكتساح والاستباح جميع الأحواز فأديل المصون، وانتهبت القرى، وهذت الحصون، واجتثت الأصول، وحطمت الغصون؛ ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصابحها بالبوس، وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس؛ فهي الآن مجرى السوابق ومجر العوالي، على التوالي، والحسرات تتجدد في أطلالها  البوالي؛ وكان بها قد ضرعت، وإلى الدعوة المحمدية أسرعت، بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت، وعزة من أذعنت الجبابرة لعره وخضعت، وعدنا والبنود لا يعرف اللص نشرها، والوجوه المجاهدة لا يخالط التقطيب بشرها؛ والأيدي بالعروة الوثقى متعلقة، والألسن بشكر نعم الله منطلقة، والسيوف في مضاجع الغمود قلقه، وسراييل الدروع خلقه، والجياد من ردها إلى المرابط والأواري، رد العواري، حنقة، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة؛ ننظر إلينا نظر العاتب، وتعود من ميادين الاختيال والمراح،



 تحت حلل السلاح، عود الصبيان إلى المكاتب؛ والطبل بلسان العز هادر، والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر، ووجود نوع الرماح، من بعد ذلك الكفاح نادر، والقاسم يرتب بين يديه من السبي النوادر، ووارد مناهل الأجور، غير المحلاء ولا المهجور، غير صادر، ومناظر الفصل الآتي، عقب أخيه الشاتي، على المطلوب المواتي مصادر والله على تيسير الصعاب، وتخويل المنن الرغاب، قادر؛ لا اله إلا هو. فما أجمل لنا صنعه الحفي، وإكرم بنا لطفه الخفي، الفهم لا نحصي ثناء عليك، ولا نلجأ منك إلا إليك، ولا نلتمس خيم الدنيا والآخرة إلا لديك؛ فأعد علينا عوإئد نصرك، يا مبدىء يا معيد، وأعنا من وسائل شكرك، على ما ينثال به المزيد، يا حي يا قيوم يا فعال لما يريد.

وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق فتح بعيد صيته مشرئبً ليته، وفخر من فوق النجوم العواتم مبيته، عجبناً من تأتي أمله الشارد، وقلنا: البركة في قدم الوارد؛ وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملةٍ من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت، والتماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت ادالها الله- بمحاولتنا- الطيب من الخبيث، والتوحيد من التثليث، وعاد إليها الإسلام عود الأب الغائب، إلى البنات الحبائب، يسأل عن شؤونها، ويمسح دموع الرقة من



 جفونها؛ وهي للروم خطة خسف قلما ارتكبوها فيما نعلم من العهود، ونادرة من نوادر الوجود. وإلى الله علينا وعليكم عوارف الجود، وجعلنا في محاريب الشكر من الركع السجود.

عرفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير، ويمن من الله وتيسير، إذ استيفاء الجزئيات عسير لنسركم بما منح الله دينكم، ونتوج بعز الملة الحنيفية جبينكم، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم؛ فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض، وكفيل بالمواهب

المسئولة من المنعم الوهاب متقاض؛ وأنتم أولى من ساهم في بر، وعامل الله بخلوص سر؛ وأين يذهب الفضل عن بيتكم، وهو صفة حيكم، وتراث ميتكم، ولكم مزية القدم، ورسوخ القدم؛ والخلافة مقرها إيوانكم، وأصحاب الإمام مالك- رضي الله عنه- مستقرها قيروانكم، وهجير المنابر ذكر إمامكم، والتوحيد إعلام أعلامكم، والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم، والصحابة الكرام فتحة أوطانكم، وسلالة الفاروق عليه السلام وشائج سلطانكم؛ ونحن نستكثر من بركة خطابكم، ووصلة جنابكم؛ ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم.

والله- عز وجل- يتولى عنا من شكركم المحتوم، ما قصر المكتوب منه عن المكتوم؛ ويبقيكم لإقامة الرسوم، ويحل محبتكم من القلوب محل الأرواح من الجسوم؛ وهو سبحانه يصل سعدكم، وبحرس مجدكم، ويوالي نعمه عندكم.

والسلام الكريم، الطيب الزكي المبارك البر العميم، يخصكم كثيراً أثيراً، ما أطلع الصبح وجهاً منيرا، بعد أن أرسل النسيم سفيراً، وكان الوميض الباسم لأكواس الغمائم، على أزهار الكمائم، مديرا؛ ورحمة الله وبركاته.





وكتب إلي يهنئني بمولود، ويعاتب على تأخير الخبر بولاده عنه:

            #هنيئاً أبا الفضل الرضا وأبا زيد          وأفنت من بغي يخاف ومن كيد

            #بطالع يمني طال في السعد شأوه          فما هو من عمرو الرجال و، زيد

            #وقيد بشكر الله أنعمه التي                أوابدها تأبى سوى الشكر من قيد

 أهلا بدري المكاتب، وصدري المراتب، وعتبى الزمن العاتب وبكر المشتري والكاتب؛ ومرحباً بالطالع، في أسعد المطالع، والثاقب، في أجلى المراقب؛ وسهلاً بغيي البشير، وعزة الأهل والعشير، وتاج الفخر الذي يقصر عنه كسرى واردشير؛ الآن اعتضدت الحلة الحضرمية بالفارس، وأمن السارح في حمى الحارس، وسعدت بالمنير الكبير، أفلاك التدوير، من حلقات المدارس، وقرت بالجنى الكريم عين الغارس، واحتقرت أنظار الآبلي وأبحاث ابن الدارس؛



 وقيل للمشكلات: طالما الفت الخمرة، وأمضيت على الأذهان الإمرة، فتأهبي للغارة المبيحة لحماك، وتحيزي إلى فئة البطل المستأثر برشف لماك. ولله من نصبة احتفى سفيها المشتري واحتفل، وكفى سني تربيتها

 وكفل، واختال عطارد في حلل الجذل لها ورفل، واتضحت الحدود، وتهللت الوجوه، وتنافست المثلثات تؤمل الحظ وترجوه، ونبه البيت على واجبه، وأشار لحظ الشرف بحاجبه، وأسرع نير النوبة في الأوبة، قائما في الإعتذار مقام التوبة؛ واستأثر بالبروج المولدة بيت البنين، وتخطت خطا القمر رأس الجوزهر وذنب التنين؛ وساوق منها حكم الأصل، حذوك النعل بالنعل،



 تحويل السنين، وحقق هذا المولود بين المواليد نسبة عمر الوالد، فتجاوز درجة المئين؛ واقترن بعاشره السعدان اقتران الجسد، وثبت بدقيقة مركزه قلب الأسد، وسرق من بيت أعدائه خرثي الغل والحسد؛ ونظفت طرق التسيير، كما نفعل بين يدي السادة عند المسير، وسقط الشيخ الهرم من الدرج في البير، ودفع المقاتل إلى الوبال الكبير:

            #لم لا ينال العلا أو يعقد التاج            والمشتري طالع والشمس هيلاج

           #والسعد يركض في ميدانها مرحاً          جذلان والفلك الدوار هملاج 

كان به- والله يهديه- قد انتقل من مهد التنويم، إلى النهج القويم؛ ومن أريكة الذراع، إلى تصريف اليراع، ومن كتد الداية، إلى مقام الهداية، والغاية المختطفة البداية؛ جعل الله وقايته عليه عودة، وقسم حسدته قسمة محرم الفحم، بين منخنقةٍ ونطيحةٍ ومترديةٍ



 وموقوذة؛ وحفظ هلاله في البدار إلى تمه وبعد تمه، وأقر به عين أبيه وأمه، غير أني- والله يغفر لسيدي- بيد أني راكع في سبيل الشكر وساجد، فأنا عاتب وواجد؛ إذ كان ظني أن البريد بهذا الخبر إلي يعمل، وأن إتحافي به لا يهمل، فانعكست القضية، ورابت الحال المرضية، وفضلت الأمور الذاتية الأمور العرضية، والحكم جازم، واحذ الفرضين لازم؛ إما عدم السوية، ويعارضه اعتناء حبله مغار، وعهدة سلمٍ لم يدخلها جزية ولا صغار؛ أو جهل بمقدار الهبة، ويعارضه علم بمقدار الحقوق، ورضى مناف للعقوق، فوقع الاشكال؛ وربما لطف عذر كان عليه الاتكال. وإذا لم يبشر مثلي بمنحة الله قبل تلك الذات السرية، الخليقة بالنعم الحرية؛ فمن الذي يبشر، وعلى من يعرض بزها أو ينشر، وهي التي واصلت التفقد، وبهرجت المعاملة وأبت أن تنقد، وأنست الغربة وجرحها غير فندمل، ونفست الكربة وجنحها على الجوانح مشتمل؛ فمتى فرض نسيان الحقوق لم ينلني فرض، ولا شهد به علي سماء ولا

أرض؛ وإن قصر فيما يجب لسيدي عمل، لم يقصر رجاء ولا أمل، ولي في شرح حمده ناقة وجمل. ومنه جل وعلا نسأل أن يريه قرة العين في نفسه وماله وبنيه، ويجعل أكبر عطايا الهيالج أصغر سنيه، ويقلد عواتق



 الكواكب البابانية حمائل أمانيه. وإن تشوف سيدي لحال وليه، فخلوة طيبة، ورحمة من جانب الله صيبة، وبرق يشام، فيقال: حدث ما وراءك يا هشام. ولله در شيخنا إذ يقول:

#لا بارك الله في إن لم           أصرف النفس في الأهم

 #وكثر الله في همومي          إن كان غير الخلاص همي 

وإن انعم سيدي بالإلماع بحالة، وحال الولد المبارك، فذلك من غرر إحسانه، ومنزلته في لحظ لحظي بمنزلة إنسانه؛ والسلام.





يتبع 

يارب الموضوع يعجبكم 
تسلموا ودمتم بود 
عاشق الوطن 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق