3391
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد السابع
من صفحة 503
تاريخ ابن خلدون
الاجازة الثانية إلي الاندلس، ثم إلى تلمسان، واللحاق باحياء العرب، والمقامة عند أولاد عريف:
ولما كان ما قصصته من تنكر السلطان أبي العباس صاحب فاس، والذهاب مع الأمير عبد الرحمن، ثم الرجوع عنه إلى ونزمار بن عريف، طلباً لوسيلته في انصرافي إلى الأندلس بقصد القرار والانقباض، والعكوف على قراءة العلم؛ فتم ذلك، ووقع الإسعاف به بعد الامتناع، وأجزت إلى الأندلس في ربيع سنة ست وسبعين وسبعمائة؛ ولقيني
السلطان بالبر والكرامة وحسن النزل على عادته، وكنت لقيت بجبل الفتح كاتب السلطان ابن الأحمر، من بعد ابن الخطيب، الفقيه أبا عبد الله بن زمرك، ذاهباً إلى فاس في غرض التهنئة، وأجاز إلى سبتة في أسطوله، وأوصيته بإجازة أهلي وولدي إلى غرناظة؛ فلما وصل إلى فاس، وتحدث مع أهل الدولة في إجازتهم، تنكروا لذلك، وساءهم استقراري بالأندلس، واتهموا أني ربما احمل السلطان ابن الأحمر على الميل إلى الأمير عبد الرحمن، الذي اتهموني بملابسته، ومنعوا اهلي من اللحاق بي. وخاطبوا السلطان ابن الأحمر في أن يرجعني إليهم؛ فأبى من ذلك، فطلبوا منه أن يجيزني إلى عدوة تلمسان؛ وكان مسعود بن ماسي قد أذنوا له في اللحاق بالأندلس، فحملوه على مشافهة السلطان بذلك، وأبدوا له أني كنت ساعياً في خلاص ابن الخطيب، وكانوا قد اعتقلوه لأول استيلائهم على البلد الجديد وظفرهم به. وبعث إلي ابن الخطيب من محبسه مستصرخاً بي، ومتوسلاً. فخاطبت في شأنه أهل الدولة، وعولت فيه منهم على ونزمار، وابن ماساي، فلم تنجح تلك السعاية، وقتل ابن الخطيب بمحبسه؛ فلما قدم ابن ماساي على السلطان ابن الأحمر- وقد اغروه بي- فألقى إلى السلطان ما كان مني في شأن ابن الخطيب، فاستوحش لذلك، وأسعفهم بإجازتي إلى الغدوة، ونزلت بهنين، والجو بيني وبين السلطان أبي حمّو مظلم، بما كان مني في إجلاب العرب عليه بالزاب كما مرّ. فأوعز بمقامي بهنين، ثم وفد عليه محمد بن عريف فعذله في شأني فبعث عني إلى تلمسان، واستقررت بها بالعباد. ولحق بي اهلي وولدي من فاس، وأقاموا معي، وذلك في عيد الفطر سنة ست وسبعين وسبعمائة، وأخذت في بث العلم، وعرض للسلطان أبي حمّو أثناء ذلك رأي في الدواودة، وحاجة إلى استئلافهم؛ فاستدعاني، وكلفني السفارة إليهم في هذا الغرض، فاستوحشت منه، ونكرته على نفسي، لما آثرته من التخلي والانقطاع، واجبته إلى ذلك ظاهراً، وخرجت مسافراً من تلمسان حتى انتهيت إلى البطحاء، فعدلت ذات اليمين إلى منداس، ولحقت بأحياء أولاد عريف قبلة جبل كزول، فتلقوني بالتحفي والكرامة، وأقمت بينهم أياماً حتى بعثوا عن أهلي وولدي من تلمسان، وأحسنوا العذر إلى السلطان عني في العجز عن قضاء خدمته، وأنزلوني باهلي في قلعة ابن سلامة، من بلاد بني توجين التي صارت لهم بإقطاع السلطان، فأقمت بها أربعة
أعوام، متخلياً عن الشواغل كلها؛ وشرعت في تأليف هذا الكتاب، وأنا فقيم بها، وأكملت المقدمة منه على ذلك النحو الغريب، الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة، فسالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر، حتى امتخضت زبدتها، وتألفت نتائجها؛ وكانت من بعد ذلك الفيئة إلى تونس كما نذكره.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق