إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 5 أغسطس 2016

552 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر قتل ابن خرميل وحصر هراة



552


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر قتل ابن خرميل وحصر هراة

ثم إن ابن خرميل صاحب هراة رأى سوء معاملة عسكر خوارزم شاه للرعية وتعديهم إلى الأموال فقبض عليهم وحبسهم وبعث رسولًا إلى خوارزم شاه يعتذر ويعرفه ما صنعوا فعظم عليه ولم يمكنه محاقته لاشتغاله بقتال الخطا فكتب إليه يستحسن فعله ويأمره بإنفاذ الجند الذين قبض عليهم لحاجتاه إليهم وقال له‏:‏ إنني قد أمرت عز الدين جلدك بن طغرل صاحب الخام أن يكون عندك لما أعلمه من عقله وحسن سيرته وأرسل إلى جلدك يأمره بالمسير إلى هراة وأمر إليه أن يحتال في القبض على حسين بن خرميل ولو أول ساعة يلقاه‏.‏

فسار جلدك في ألفي فارس وكان أبوه طغرل أيام السلطان سنجر واليًا بهراة فهوى إليها بالأشواق يختارها على جميع خراسان فلما قارب هراة أمر ابن خرميل الناس بالخروج لتلقيه وكان للحسين وزير يعرف بخواجه الصاحب وكان كبيًا قد حنكته التجارب فقال لابن خرميل‏:‏ لا تخرج إلى لقائه ودعه يدخل إليك منفردًا فإنني أخاف أن يغدر بك وأن يكون خوارزم شاه أمر بذلك‏.‏

فقال‏:‏ لا يجوز أن يقدم مثل هذا الأمير ولا ألتقيه وأخاف أن يضطغن ذلك علي خوارزم شاه وما أظنه يتجاسر علي‏.‏

فخرج إليه الحسين بن خرميل فلما بصر كل واحد منهما بصاحبه ترجل للالتقاء وكان جلدك قد أمر أصحابه بالقبض عليه فاختلطوا بهما وحالوا بين ابن خرميل وأصحابه وقبضوا عليه فانهزم أصحابه ودخلوا المدينة وأخبروا الوزير بالحال فأمر بإغلاق الباب والطوع إلى الأسوار واستعد للحصار ونزل جلدك على البلد وأرسل إلى الوزير يتهدده إن لم يسلم البلد بقتل ابن خرميل فنادى الوزير بشعار غياث الدين محمود الغوري وقال لجلدك‏:‏ لا أسلم البلد إليك ولا إلى الغادر ابن خرميل وإنما هو لغياث الدين ولأبيه قبله‏.‏

فقدموا ابن خرميل إلى السور فخاطب الوزير وأمره بالتسليم فلم يفعل فقتل ابن خرميل وهذه عاقبة الغدر فقد تقدم من أخباره عند شهاب الدين الغوري ما يدل على غدره وكفرانه الإحسان ممن أحسن إليه‏.‏

فلما قتل ابن خرميل كتب جلدك إلى خوارزم شاه بجلية الحال فأنفذ خوارزم شاه إلى كزلك خان والي نيسابور وإلى أمين الدين أبي بكر صاحب زوزن يأمرهم بالمسير إلى هراة وحصارها وأخذها فسارا في عشرة آلاف فارس فنزلوا على هراة وراسلوا الوزير بالتسليم فلم يلتفت إليهم وقال‏:‏ ليس لكم من المحل ما يسلم إليكم مثل هراة لكن إذا وصل السلطان خوارزم شاه سلمتها إليه‏.‏

فقاتلوه وجدوا في قتاله فلم يقدروا عليه‏.‏

وكان ابن خرميل قد حصن هراة وعمل لها أربعة أسوار محكمة وحفر خندقها وشحنها بالميرة فلما فرغ من كل ما أراد قال‏:‏ بقيت أخاف على هذه المدينة شيئًا واحدًا وهو أن تسكر المياه التي لها أيامًا كثيرة ثم ترسل دفعة واحدة فتخرق أسوارها‏.‏

فلما حصرها هؤلاء سمعوا قول ابن خرميل فسكروا المياه حتى اجتمعت كثيرًا ثم أطلقوها على هراة فأحاطت بها ولم تصل إلى السور لأن أرض المدينة مرتفعة فامتلأ الخندق ماء وصار حولها وحلًا فانتقل العسكر عنهم ولم يمكنهم القتال لبعدهم عن المدينة فأقاموا مدة حتى نشف الماء فكان قول ابن خرميل من أحسن الحيل‏.‏

ونعود إلى قتال خوارزم شاه الخطا وأسره وأما خوارزم شاه فإنه دام القتال بينه وبين الخطا ففي بعض الأيام اقتتلوا واشتد القتال ودام بينهم ثم انهزم المسلمون هزيمة قبيحة وأسر كثير منهم وقتل كثير منهم وكان من جملة الأسرى خوارزم شاه وأسر معه أمير كبير يقال له فلان بن شهاب الدين مسعود أسرهما رجل واحد‏.‏

ووصلت العساكر الإسلامية إلى خوارزم ولم يروا السلطان معهم فأرسلت أخت كزلك خان صاحب نيسابور وهو يحاصر هراة وأعلمته الحال فلما أتاه الخبر سار عن هراة ليلًا إلى نيسابور وأحس به الأمير أمين الدين أبو بكر صاح زوزن فأراد هو ومن عنده من الأمراء منعه مخافة أن يجري بينهم حرب يطمع بسببها أهل هراة فيهم فيخرجون إليهم فيبلغون منهم ما يريدونه فأمسكوا عن معارضته‏.‏

وكان خوارزم شاه قد خرب سور نيسابور لما ملكها من الغورية فشرع كزلك خان يعمره وأدخل إليها الميرة واستكثر من الجند وعزم على الاستيلاء على خراسان إن صح فقد السلطان‏.‏

وبلغ خبر عدم السلطان إلى أخيه علي شاه وهو بطبرستان فدعا إلى نفسه وقطع خطبة أخيه واستعد لطلب السلطنة واختلطت خراسان اختلاطًا عظيمًا‏.‏

وأما السلطان خوارزم شاه فإنه لما أسر قال له ابن شهاب الدين مسعود‏:‏ يجب أن تذع السلطنة في هذه الأيام وتصير خادمًا لعلي أحتال في خلاصك فشرع يخدم ابن مسعود ويقدم له الطعام ويخلعه ثيابه وخفه ويعظمه فقال الرجل الذي أسرهما لابن مسعود‏:‏ أرى هذا الرجل يعظمك فمن أنت فقال‏:‏ أنا فلان وهذا غلامي فقام إليه وأكرمه وقال‏:‏ ولولا أن القوم عرفوا بمكانك عندي لأطلقتك ثم تركته أيامًا فقال له ابن مسعود‏:‏ إني أخاف أن يرجع المنهزمون فلا يراني أهلي معهم فيظنون أني قتلت فيعملون العزاء والمأتم وتضيق صدورهم لذلك ثم يقتسمون مالي فأهلك وأحب أن تقرر علي شيئًا من المال حتى أحمله إليك فقرر عليه مالًا وقال له‏:‏ أريد أن تأمر رجلًا عاقلًا يذهب بكتابي إلى أهلي ويخبرهم بعاقبتي ويحضر معه من يحمل المال‏.‏

ثم قال‏:‏ إن أصحابكم لا يعرفون أهلنا ولكن هذا غلامي أثق به ويصدقه أهلي فأذن له الخطائي بإنفاذه فسيره وأرسل معه الخطائي فرسًا وعدة من الفرسان يحمونه فساروا حتى قاربوا خوارزم وعاد الفرسان عن خوارزم شاه ووصل خوارزم شاه إلى خوارزم فاستبشر به الناس وضربت البشائر وزينوا البلد وأتته الأخبار بما صنع كزلك بنيسابور وبما صنع أخوه علي شاه بطبرستان‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق