إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 7 أغسطس 2016

615 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر خروج التتر إلى بلاد الشام



615


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر خروج التتر إلى بلاد الشام

لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها كارهًا لذكرها فأنا أقدم إليه رجلًا وأؤخر أخرى فمن الذي يسهل عله أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيًا منسيًا إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعًا فنقول‏:‏ عمت الخلائق وخصت المسلمين فلو قال قائل‏:‏ إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها‏.‏

ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بخت نصر ببني إسرائيل ن القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج‏.‏

وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه وهؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال شقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

لهذه الحادثة التي استطار شررها وعم ضررها وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح فإن قومًا خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلا تركستان مثل كاشغر وبلاساغون ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند وبخارى وغيرهما فيملكونها ويفعلون بأهلها ما نذكره ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها ملكًا وتخريبًا وقتلًا ونهبًا ثم يتجاوزونها إلى الري وهمذان وبلد الجبل وما فيه من البلاد إلى حد العراق ثم يقصدون بلاد أذريبجان وأرانية ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها ولم ينج إلا الشريد النادر في أقل من سنة هذا ما لم يسمع مثله‏.‏

ثم لما فرغوا من أذربيجان وأرانية ساروا إلى دربند شروان فملكوا مدنه ولم يسلم غير القلعة التي بها ملكهم وعبروا عندها إلى بلد اللان واللكز ومن في ذلك الصقع من الأمم المختلفة فأوسعوهم قتلًا ونهبًا وتخريبًا ثم قصدوا بلاد قفجاق وهم من أكثر الترك عددًا فقتلوا كل من وقف لهم فهرب الباقون إلى الغياض ورؤس الجبال وفارقوا بلادهم واستولى هؤلاء التتر عليها فعلوا هذا في أسرع زمان ولم يلبثوا إلا بمقدار مسيرهم لا غير‏.‏

ومضى طائفة أخرى غير هذه الطائفة إلى غزنة وأعمالها وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان ففعلوا فيه مثل فعل هؤلاء وأشد‏.‏

هذا ما لم يطرق الأسماع مثله فإن الإسكندر الذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة إنما ملكها في نحو عشر سنين ولم يقتل أحدًا إنما رضي من الناس بالطاعة وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأحسنه وأكثره عمارة وأهلًا وأعدل أهل الأرض أخلاقًا وسيرة في نحو سنة ولم يبق أحد في البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعها ويترقب وصولهم إليه‏.‏

ثم إنهم لا يحتاجون إلى ميرة ومدد يأتيهم فإنهم معهم الأغنام والبقر والخيل وغير ذلك من الدواب يأكلون لحومها لا غير وأما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات لا تعرف الشعير فهم إذا نزلوا منزلًا لا يحتاجون إلى شيء من خارج‏.‏

وأما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرمون شيئًا فإنهم يأكلون جميع الدواب حتى الكلاب والخنازير وغيرها ولا يعرفون نكاحًا بل المرأة يأتيها غير واحد من الرجال فإذا جاء الولد لا يعرف أباه‏.‏

ولقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم منها هؤلاء التتر قبحهم الله أقبلوا من المشرق ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها وستراها مشروحة متصلة إن شاء الله تعالى‏.‏

ومنها خروج الفرنج لعنهم الله من المغرب إلى الشام وقصدهم ديار مصر وملكهم ثغر دمياط منها وأشرفت ديار مصر والشام وغيرها على أن يملكوها لولا لطف الله تعالى ونصره ومنها الذي سلم من هاتين الطائفتين فالسيف بينهم مسلول والفتنة قائمة على ساق وقد ذكرناه أيضًا فإنا لله وإنا إليه راجعون نسأل الله أن ييسر للإسلام والمسلمين نصرًا من عنده فإن الناصر والمعين والذاب عن الإسلام معدوم ‏ «‏وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ‏» ‏ ‏ «‏الرعد‏:‏ 11‏» ‏‏.‏ فإن هؤلاء التتر إنما استقام لهم هذا الأمر لعدم المانع‏.‏

وسبب عدمه أن خوارزم شاه محمدًا كان قد استولى على البلاد وقتل ملوكها وأفناهم وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها فلما انهزم منهم لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها ‏ «‏ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا‏» ‏ ‏ «‏الأنفال‏:‏ 42‏» ‏‏.‏ وهذا حين نذكر ابتداء خروجهم إلى البلاد‏.‏



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق