إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

658 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير ذكر وفاة الخليفة الناصر لدين الله




658


الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير

ذكر وفاة الخليفة الناصر لدين الله

في هذه السنة آخر ليلة من شهر رمضان توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي عبد الله بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبي العباس محمد بن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن إسحق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي أحمد محمد بن جعفر المتوكل على الله ولم يكن الموفق خليفة وإنما كان ولي عهد أخيه المعتمد على الله فمات قبل المعتمد فصاروا ولده المعتضد بالله ولي عهد المعتمد على الله‏.‏

وكان المتوكل على الله ابن المعتصم بالله أبي إسحق محمد بن هرون الرشيد ابن محمد المهدي بن أبي جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي نسب كأن عليه من شمس الضحى نورًا ومن فلق الصباح عمودا فكان في آبائه أربعة عشر خليفة وهم كل من له لقب والباقون غير خلفاء وكان فيهم من ولي العهد محمد بن القائم والمرفق بن المتوكل وأما باقي الخلفاء من بني العباس فلم يكونوا من آبائه فكان الشفاح أبو العباس عبد الله أخا المنصور ولي قبله وكان موسى الهادي أخا الرشيد ولي قبله وكان محمد الأمين وعبد الله المأمون ابنا الرشيد أخوي المعتصم وليًا قبله وكان محمد المنتصر بن المتوكل ولي بعده‏.‏

ثم ولي بعد المنتصر بالله المستعين بالله أبو العباس أحمد بن محمد بن المعتصم وولي بعد المستعين المعاز بالله محمد وقيل طلحة وهو ابن المتوكل وولي بعد المعتز المهتدي بالله محمد بن الواثق ثم ولي بعده المعتمد على الله أحمد بن المتوكل فالمنتصر والمعتز والمعتمد إخوة الموفق والمهتدي ابن عمه والموفق من أجداد الناصر لدين الله‏.‏

ثم ولي المعتضد بعد المعتمد وولي بعد المعتضد ابنه أبو محمد علي المكتفي بالله وهو أخو المقتدر بالله وولي بعد المقتدر بالله أخوه القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد وولي بعد القاهر الراضي بالله أبو العباس محمد بن المقتدر‏.‏

ثم ولي بعده المتقي لله أبو إسحق إبراهيم بن المقتدر ثم ولي بعده المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي بن المعتضد ثم ولي بعده المطيع لله أبو بكر عبد الكريم فالقاهر والراضي والمتقي والمطيع بنوه والمستكفي ابن أخيه المكتفي‏.‏

ثم ولي الطائع لله بن المقتدر ثم ولي بعد الطائع القادر بالله وهو من أجداد الناصر لدين الله ثم ولي بعده المستظهر بالله ثم ولي بعده ابنه المسترشد بالله أبو منصور وولي بعد المسترشد بالله ابنه الراشد أبو جعفر فالمسترشد أخو المتقي والراشد بالله ابن أخيه فجمع من ولي الخلافة ممن ليس في سياق نسب الناصر تسعة عشر خليفة‏.‏

وكانت أم الناصر أم ولد تركية اسمها زمرد وكانت خلافته ستًا وأربعين سنة وعشرة أشهر وثمانية وعشرين يومًا وكان عمره نحو سبعين سنة تقريبًا فلم يل الخلافة أطول مدة منه إلا ما قيل عن المستنصر بالله العلوي صاحب مصر فإنه ولي ستين سنة ولا اعتبار به فإنه ولي وله سبع سنين فلا تصح ولايته‏.‏

وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلًا عن الحركة بالكلية وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصارًا ضعيفًا وفي آخر الأمر أصابه دوسنطاريا عشرين يومًا ومات‏.‏

ووزر له عدة وزراء وقد تقدم ذكرهم ولم يطلق في طول مرضه شيئًا كان أحدثه من الرسوم الجائرة وكان قبيح السيرة في رعيته ظالمًا فخرب في أيامه العراق وتفرق أهله في البلاد وأخذ أملاكهم وأموالهم وكان يفعل الشيء وصده فمن ذلك أنه عمل دور الضيافة ببغداد ليفطر الناس عليها في رمضان فبقيت مدة ثم قطع ذلك ثم عمل دور الضيافة للحجاج فبقيت مدة ثم بطلها وأطلق بعض المكوس التي جددها ببغداد خاصة ثم أعادها‏.‏

وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة فبطل الفتوة في البلاد جميعها إلا من يلبس منه سراويل يدعى إليه ولبس كثير من الملوك منه سراويلات الفتوة‏.‏

وكذلك أيضًا مع الطيور المناسيب لغيره إلا ما يؤخذ من طيوره ومنع الرمي بالندق إلا من ينتمي إليه فأجابه الناس بالعراق وغيره إلى ذلك إلا إنسانًا واحدًا يقال له ابن السفت من بغداد فإنه هرب من العراق ولحق بالشام فأرسل إليه يرغبه في المال الجزيل ليرمي عنه وينسب في الرمي إليه‏:‏ فلم يفعل فبلغني أن بعض أصدقائه أنكر عليه الامتناع من أخذ المال فقال‏:‏ يكفيني فخرًا أنه ليس في الدنيا أحد إلا يرمي للخليفة إلا أنا‏.‏

فكان غرام الخليفة بهذه الأشياء من أعظم الأمور وكان سبب ما ينسبه العجم إليه صحيحًا من أنه هو الذي أطمع التتر في البلاد وراسلهم في ذلك فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب‏.‏

قد ذكرنا سنة خمس وثمانين وخمسمائة الخطبة للأمير أبي نصر محمد ابن الخليفة الناصر لدين الله بولاية العهد في العراق وغيره من البلاد ثم بعد ذلك خلعه الخليفة من ولاية العهد وأرسل إلى البلاد في قطع الخطبة له وإنما فعل ذلك لأنه كان يميل إلى ولده الصغير علي فاتفق أن الولد الصغير توفي سنة اثنتي عشرة وستمائة ولم يكن للخليفة ولد غير ولي العهد فاضطر إلى إعادته إلا أنه تحت الاحتياط والحجر لا يتصرف في شيء‏.‏

فلما توفي أبوه ولي الخلافة وأحضر الناس لأخذ البيعة وتلقب بأمر الله وعنى أن أباه وجميع أصحابه أرادوا صرف الأمر عنه فظهر وولي الخلافة بأمر الله لا بسعي أحد‏.‏

ولما ولي الخلافة أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين فلو قيل إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقًا فإنه أعاد الخراج القديم في جميع العراق وأن يسقط جميع ما جدده أبوه وكان كثيرًا لا يحصى فمن ذلك أن قرية بعقوبا كان يحصل منها قديمًا نحو عشرة آلاف دينار فلما تولى الناصر لدين الله كان يؤخذ منها كل سنة ثمانون ألف دينار فحضر أهلها واستغاثوا وذكروا أن أملاكهم أخذت حتى صار يحصل منها هذا المبلغ فأمر أن يؤخذ الخراج القديم وهو عشرة آلاف دينار فقيل له إن هذا المبلغ يصل إلى المخزن فمن أين يكون العوض فأقام لهم العوض من جهات أخرى فإذا كان المطلق من جهة واحدة

ومن أفعاله الجميلة أنه أمر بأخذ الخراج الأول من باقي البلاد جميعها فحضر كثير من أهل العراق وذكروا أن الأملاك التي كان يؤخذ منها الخراج قديمًا يبس أكثر أشجارها وخربت ومتى طولبوا بالخراج الأول لا يفي دخل الباقي بالخراج فأمر أن لا يؤخذ الخراج إلا من كل شجرة سليمة وأما الذاهب فلا يؤخذ منه شيء وهذا عظيم جدًا‏.‏

ومن ذلك أيضًا أن المخزن كان له صنجة الذهب تزيد على صنجة البلد نصف قيراط يقبضون بها المال ويعطون بالصنجة التي للبلد يتعامل بها الناس فسمع بذلك فخرج خطه إلى الوزير وأوله ‏ «‏ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم‏» ‏ ‏ «‏المطففين‏:‏ 1‏» ‏‏.‏

قد بلغنا أن الأمر كذا وكذا فتعاد صنجة المخزن إلى الصنجة التي يتعامل بها المسلمون واليهود والنصارى‏.‏

فكتب بعض النواب إليه يقول‏:‏ إن هذا مبلغ كثير وقد حسبناه فكان في السنة الماضية خمسة وثلاثين ألف دينار فأعاد الجواب ينكر على القائل ويقول‏:‏ لو أنه ثلاث مائة ألف وخمسون ألف دينار يطلق‏.‏

وكذلك أيضًا فعل في إطلاق زيادة الصنجة التي للديوان وهي في كل دينار حبة وتقدم إلى القاضي أن كل من عرض عليه كتابًا صحيحًا بملك يعيده إليه من غير إذن وأقام رجلًا صالحًا في ولاية الحشري وبيت المال وكان الرجل حنبليًا فقال‏:‏ إنني من مذهبي أن أورث ذوي الأرحام فإن أذن أمير المؤمنين أن أفعل ذلك وليت وإلا فلا‏.‏

فقال له‏:‏ أعط كل ذبي حق حقه واتق الله ولا تتق سواه‏.‏

ومنها أن العادة كانت ببغداد أن الحارس بكل درب يبكر ويكتب مطالعة إلى الخليفة بما تجدد في دربه من اجتماع بعض الأصدقاء ببعض على نزهة أو سماع أو غير ذلك ويكتب ما سوى ذلك من صغير كبير فكان الناس من هذا في حجر عظيم فلما ولي هذا الخليفة جاه الله خيرًا أتته المطالعات على العادة فأمر بقطعها وقال‏:‏ أي غرض لنا في معرفة أحوال الناس في بيوتهم فلا يكتب أحد إلينا إلا ما يتعلق بمصالح دولتنا فقيل له‏:‏ إن العامة تفسد بذلك ويعظم شرها فقال‏:‏ نحن ندعو الله أن يصلحهم‏.‏

ومنها أنه لما ولي الخلافة وصل صاحب الديوان من واسط وكان قد سار إليها أيام الناصر لتحصيل الأموال فأصعد ومعه من المال ما يزيد على مائة ألف دينار وكتب مطالعة تتضمن ذكر ما معه ويستخرج الأمر في حمله فأعاد الجواب بأن يعاد إلى أربابه فلا حاجة لنا إليه فأعيد عليهم‏.‏

ومنها أنه أخرج كل من كان في السجون وأمر بإعادة ما أخذ منهم‏.‏

وأرسل إلى القاضي عشرة ومن سن نيته للناس أن الأسعار في الموصل وديار الجزيرة كانت غالية فرخصت الأسعار وأطلق حمل الأطعمة إليها وأن يبيع كل من أراد البيع للغلة فحمل منها الكثير الذي لا يحصى فقيل له‏:‏ إ السعر قد غلا شيئًا والمصلحة المنع منه فقال‏:‏ أولئك مسلمون وهؤلاء مسلمون وكما يجب علينا النظر في أمر هؤلاء كذلك يجب علينا النظر لأولئك‏.‏

وأمر أن يباع من الأهراء التي له طعام أرخص ما يبيع غيره ففعلوا ذلك فرخصت الأسعار عندهم أيضًا أكثر مما كانت أولًا وكان السعر في الموصل لما ولي كل مكوك بدينار وثلاثة قراريط فصار كل أربعة مكاكيك بدينار في أيام قليلة وكذلك باقي الأشياء من التمر والدبس والأرز والسمسم وغيرها فالله تعالى يؤيده وينصره ويبقيه فإنه غريب في هذا الزمان الفاسد‏.‏

ولقد سمعت عنه كلمة أعجبتني جدًا وهي أنه قيل له في الذي يخرجه ويطلقه من الأموال التي لا تسمح نفس ببعضها فقال لهم‏:‏ أنا فتحت الدكان بعد العصر فاتركوني أفعل الخير فكم أعيش وتصدق ليله عيد الفطر من هذه السنة وفرق في العلماء وأل الدين مائة ألف دينار‏.‏


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق