543
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر حال غياث الدين مع الدز وأيبك
لما عاد الدز إلى غزنة وأسر علاء الدين وأخاه جلال الدين كما ذكرناه كتب إليه غياث الدين يطالبه بالخطبة له فأجابه جواب مدافع وكان جوابه في هذه المرة أشد منه فيما تقدم فأعاد غياث الدين إليه يقول: إما أن تخطب لنا وإما أن تعرفنا ما في نفسك فلما وصل الرسول بهذا أحضر خطيب غزنة وأمره أن يخطب لنفسه بعد الترحم على شهاب الدين فخطب لتاج الدين الدز بغزنة.
فلما سمع الناس ذلك ساءهم وتغيرت نياتهم ونيات الأتراك الذين معه ولم يروه أهلًا أن يخدموه وإنما كانوا يطيعونه ظنًا منهم أنه ينصر دولة غياث الدين فلما خطب له أرسل إلى غياث الدين يقول له: بماذا تشتط علي وتتحكم في هذه الخزانة نحن جمعناها بأسيافنا وهذا الملك قد أخذته وأنت قد اجتمع عندك الذين هم أساس الفتنة وأقطعتهم الإقطاعات ووعدتني بأمور لم تقف عليها فإن أنت أعتقتني خطبت لك وحضرت خدمتك.
فلما وصل الرسول أجابه غياث الدين إلى عتق الدز بعد الامتناع الشديد والعزم على مصالحة خوارزم شاه على ما يريد وقصد غزنة ومحاربته بها فلما أجابه إلى العتق أشهد عليه به وأشهد عليه أيضًا بعتق قطب الدين أيبك مملوك شهاب الدين ونائبه ببلاد الهند وأرسل إلى كل واحد منهما ألف قباء وألف قلنسوة ومناطق الذهب وسيوفًا كثيرة وجترين ومائة رأس من الخيل وأرسل إلى كل واحد منهما رسولًا فقبل الدز الخلع ورد الجتر وقال: نحن عبيد ومماليك والجتر له أصحاب.
سار رسول أبيك إليه وكان بفرشابور قد ضبط المملكة وحفظ البلاد ومنع المفسدين من الفساد والأذى والناس معه في أمن فلما قرب الرسول منه لقيه على بعد وترجل وقبل حافر الفرس ولبس الخلعة وقال: أما الجتر فلا يصلح للمماليك وأما العتق فمقبول وسوف أجاريه بعبودية الأبد.
وأما خوارزم شاه فإنه أرسل إلى غياث الدين يطلب منه أن يتصاهرا ويطلب منه ابن خرميل صاحب هراة إلى طاعته ويسير معه في العساكر إلى غزنة فإذا ملكها من الدز اقتسموا المال أثلاثًا: ثلث لخوارزم شاه وثلث لغياث الدين وثلث للعسكر فأجابه إلى ذلك ولم يبق إلا الصلح فوصل الخبر إلى خوارزم شاه بموت صاحب مازندران فسار عن هراة إلى مرو وسمع الدز بالصلح فجزع لذلك جزعًا عظيمًا ظهر أثره عليه وأرسل إلى غياث الدين: ما حملك على هذا فقال: حملني عليه عصيانك وخلافك علي.
فسار الدز إلى نكياباذ فأخذها وإلى بست وتلك الأعمال فملكها وقطع خطبة غياث الدين منها وأرسل إلى صاحب سجستان يأمره بإعادة الترحم على شهاب الدين وقطع خطبة خوارزم شاه وأرسل إلى ابن خرميل صاحب هراة بمثل ذلك وتهددهما بقصد بلادهما فخافهما الناس.
ثم إن الدز أخرج جلال الدين صاحب باميان من أسره وسير معه خمسة آلاف فارس مع أي دكز التتر مملوك شهاب الدين إلى باميان ليعيدوه إلى ملكه ويزيلوا ابن عمه عنه وزوجه ابنته وسار ومعه أي دكز فلا خلا به وبخه على لبسه خلعة الدز وقال له: أنتم ما رضيتم أن تلبسوا خلعة غياث الدين وهو أكبر سنًا منكم وأشرف بيتًا تلبس خلعة هذا المأبون! يعين الدز ودعاه إلى العود معه إلى غزنة وأعلمه أن الأتراك كلهم مجمعون على خلاف الدز.
فلم يجبه إلى ذلك فقال أي دكز: فإنني لا أسير معك وعاد إلى كابل وهي إقطاعه فلما وصل أي دكز إلى كابل لقيه رسول من قطب الدين أيبك إلى الدز يقبح له فعله ويأمره بإقامة خطبة غياث الدينم ويخبره أنه قد خطب له في بلاده ويقول له إن لم يخطب له هو أيضًا بغزنة ويعود إلى طاعته وإلا قصده وحاربه.
فلما علم أي دكز ذلك قويت نفسه على مخالفة الدز وصمم العزم على قصد غزنة ووصل أيضًا رسول أيبك إلى غياث الدين بالهدايا والتحف ويشير عليه بإجابة خوارزم شاه إلى ما طلب الآن وعند الفراغ من أمر غزنة تسهل أمور خوارزم شاه وغيره وأنفذ له ذهبًا عليه اسمه فكتب أي دكز إلى أيبك يعرفه عصيان الدز على غياث الدين وما فعله في البلاد وأنه على عزم مشاققه الدز وهو ينتظر أمره فأعاد أيبك جوابه يأمره بقصد غزنة فإن حصلت له القلعة أقام بها إلى أن يأتيه وأن لم تحصل له القلعة وقصده الدز انحاز إليه أو إلى غياث الدين أو يعود إلى كابل.
فسار إلى غزنة وكان جلال الدين قد كتب إلى الدز يخبره خبر أي دكز وما عزم عليه فكتب الدز إلى نوابه بقلعة غزنة يأمرهم بالاحتياط منه فوصلها أي دكز أول رجب من السنة وقد حذروه فلم يسلموا إليه القلعة ومنعوه عنها فأمر أصحابه بنهب البلد فنهبوا عدة مواضع منه فتوسط القاضي الحال بأن سلم إليه من الخزانة خمسين ألف دينار ركنية وأخذ له من التجار شيئًا آخر وخطب أي دكز بغزنة لغياث الدين وقطع خطبة الدز ففرح الناس بذلك.
وكان مؤيد الملك ينوب عن الدز بالقلعة ووصل الخبر إلى الدز بوصول أي دكز إلى غزنة ووصول رسول أيبك إليه ففت في عضده وخطب لغياث الدين في تكياباذ وأسقط اسمه من الخطبة فخطب له ورحل إلى غزنة فلما قاربها رحل أي دكز عنها إلى بلد الغور فأقام في تمران وكتب إلى غياث الدين يخبره بحاله وأنفذ إليه المال الذي أخذه من الخزانة ومن أموال الناس فأرسل إليه خلعًا وأعتقه وخاطبه بملك الأمراء ورد عليه المال الذي كان أخذه من الخزانة وقال له: أما مال الخزانة فقد أعدناه إليك لتخرجه وأما أموال التجار وأهل البلد فقد أرسلته مع رسولي ليعاد إلى أربابه لئلا نفتتح دولتنا بالظلم وقد عوضتك عنه ضعفه.
وأرسل أموال الناس إلى غزنة إلى قاضي غزنة وأمره أن يرد المال المنفذ على أربابه فأنهى القاضي الحال إلى الدز وأشار عليه بالخطبة لغياث الدين وقال: أنا أسعى في الوصلة بينكما والصهر والصلح فأمر بذلك فبلغ الخبر إلى غياث الدين فأرسل إلى القاضي ينهاه عن المجيء إليه وقال: لا تسأل في عبد أبق قد بان فساده واتضح عناده فأقام بغزنة هو والدز وسير غياث الدين وقد أقطعها لبعض الأمراء فهجموا على صاحبها فنهبوا ماله وأخذوا أولاده فنجا وحده إلى غياث الدين فاقتضى الحال أن سار غياث الدين إلى بست وتلك الولاية فاستردها وأحسن إلى أهلها وأطلق لهم خراج سنة لما نالهم من الدز من الأذى.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق