472
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر وفاة الملك العزيز وملك أخيه الأفضل ديار مصر
في هذه السنة في العشرين من المحرم توفي الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب ديار مصر وكان سبب موته أنه خرج إلى الصيد فوصل إلى الفيوم متصيدًا.
فرأى ذئبًا فركض فرسه في طلبه فعثر الفرس فسقط عنه في الأرض ولحقته حمى فعاد إلى القاهرة مريضًا فبقي كذلك إلى أن توفي فلما مات كان الغالب على أمره مملوك والده فخر الدين جهاركس وهو الحاكم في بلده فأحضر إنسانًا كان عندهم من أصحاب الملك العادل أبي بكر بن أيوب وأراه العزيز ميتًا وسيره إلى العادل وهو يحاصر ماردين كما ذكرناه ويستدعيه ليملكه البلاد فسار القاصد مجدًا فلما كان بالشام رأى بعض أصحاب الأفضل علي بن صلاح الدين فقال له: قل لصاحبك إن أخاه العزيز توفي وليس في البلاد من يمنعها فليسر إليها فليس دونها مانع.
وكان الأفضل محببًا إلى الناس يريدونه فلم يلتفت الأفضل إلى هذا القول وإذا قد وصله رسل الأمراء من مصر يدعونه إليهم لملكوه وكان السب في ذلك أن الأمير سيف الدين يازكج مقدم الأسدية والفرقة الأسدية والأمراء الأكراد يريدونه ويميلون إليه وكان المماليك الناصرية الذين هم ملك أبيه يكرهونه فاجتمع سيف الدين مقدم الأسدية وفخر الدين جهاركس مقدم الناصرية ليتفقوا على من يولونه الملك فقال فخر الدين: نولي ابن الملك العزيز فقال سيف الدين: إنه طفل وهذه البلاد ثغر الإسلام ولا بد من قيم بالملك يجمع العساكر ويقاتل بها والرأي أننا نجعل الملك في هذا الطفل الصغير ونجعل معه بعض أولاد صلاح الدين يدبره إلى أن يكبر فإن العساكر لا تطيع غيرهم ولا تنقاد لأمير فاتفقا على هذا فقال جهاركس: فمن يتولى هذا فأشار يازكج بغير الأفضل ممن بينه وبين جهاركس منازعة لئلا يتهم وينفر جهاركس عنه فامتنع من ولايته فلم يزل يذكر من أولاد صلاح الدين واحدًا بعد آخر إلى أن ذكر آخرهم الأفضل فقال جهاركس: هو بعيد عنا وكان بصرخد مقيمًا فيها من حين أخذت منه دمشق فقال يازكج: نرسل إليه من يطلبه مجدًا فأخذ جهاركس يغالطه فقال يازكج: تمضي إلى القاضي الفاضل ونأخذ رأيه فاتفقا على ذلك وأرسل يازكج يعرفه ذلك ويشير بتمليك الأفضل فلما اجتمعا عنده وعرفاه صورة الحال أشار بالأفضل فأرسل يازكج في الحال القصاد وراءه فسار عن صرخد لليلتين بقيتا من صفر متنكرًا في تسعة عشر نفسًا لأن البلاد كانت للعادل ويضبط نوابه الطرق لئلا يجوز إلى مصر ليجيء العادل ويملكها.
فلما قارب الأفضل القدس وقد عدل عن الطريق المؤدي إليه لقيه فارسان قد أرسلا إليه من القدس فأخبراه أن من بالقدس قد صار في طاعته وجد في السير فوصل إلى بليس خامس ربيع الأول ولقيه إخوته وجماعته الأمراء المصرية وجميع الأعيان فاتفق أن أخاه الملك المؤيد مسعودًا صنع له طعامًا وصنع له فخر الدين مملوك أبيه طعامًا فابتدأ بطعام أخيه ليمين حلفها أخوه أنه يبدأ به فظن جهاركس أنه فعل هذا انحرافًا عنه وسوء اعتقاد فيه فتغيرت نيته وعزم على الهرب فحضر عند الأفضل وقال: إن طائفة من العرب قد اقتتلوا ولئن مل تمض إليهم تصلح بينهم يؤد ذلك إلى فساد فأذن له الأفضل في المضي إليهم ففارقه وسار مجدًا حتى وصل إلى البيت المقدس ودخله وتغلب عليه ولحقه جماعة من الناصرية منهم قراجة الزره كش وسرا سنقر وأحضروا عندهم ميمونًا القصري صاحب نابلس وهو أيضًا من المماليك الناصرية فقويت شوكتهم به واجتمعت كلمتهم على خلاف الأفضل وأرسلوا إلى الملك العادل وهو ماردين يطلبونه إليهم ليدخلوا معه إلى مصر ليملكوها فلم يسر إليهم لأنه كانت أطماعه قد قويت في أخذ ماردين وقد عجز من بها عن حفظها فظن أنه يأخذها والذي يريدونه منه لا يفوته.
وأما الأفضل فإنه دخل إلى القاهرة سابع ربيع الأول وسمع بهرب جهاركس فأمه ذلك وترددت الرسل بينه وبينهم ليعودوا إليه فلم يزدادوا إلا بعدًا ولحق بهم جماعة من الناصرية أيضًا فاستوحش الأفضل من الباقين فقبض عليهم وهم شقيرة وأيبك فطيس والبكي الفارس وكل هؤلاء بطل مشهور ومقدم مذكور سوى من ليس مثلهم في التقدم وعلو القدر وأقام الأفضل بالقاهرة وأصلح الأمور وقرر القواعد والمرجع في جميع الأمور إلى سيف الدين يازكج.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق