702 والاخيرة
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر طاعة أهل أذربيجان للتتر
في أواخر هذه السنة أطاع أهل بلاد أذربيجان جميعها للتتر وحملوا إليهم الأموال والثياب الخطائي والخوبي والعتابي وغير ذلك وسبب طاعتهم أن جلال الدين لما انهزم على آمد من التتر وتفرقت عساكر وتمزقوا كل ممزق وتخطفهم الناس وفعل التتر بديار بكر والجزيرة وإربل وخلاط ما فعلوا ولم يمنعهم أحد ولا وقف في وجوههم واقف وملوك الإسلام منجحرون في الأثقاب وانضاف إلى هذا انقطاع أخبار جلال الدين فإنه لم يظهر له خبر ولا علموا له حالة سقط في أيديهم وأذعنوا للتتر بالطاعة وحملوا إليهم ما طلبوا منهم من الأموال والثياب.
من ذلك مدينة تبريز التي هي أصل بلاد أذربيجان ومرجع الجميع إليها وإلى من بها فإن ملك التتر نزل في عساكره بالقرب منها وأرسل إلى أهلها يدعوهم إلى طاعته ويتهددهم إن امتنعوا عليه فأرسلوا إليه المال الكثير والتحف من أنواع الثياب الإبريسم وغيرها وكل شيء حتى الخمر وبذلوا له الطاعة فأعاد الجواب يشكرهم ويطلب منهم أن يحضر مقدموهم عنده فقصده قاضي البلد ورئيسه وجماعة من أعيان أهله وتخلف عنهم شمس الدين الطغرائي وهو الذي يرجع الجميع إليه إلا أنه لا يظهر شيئًا من ذلك.
فلما حضروا عنده سألهم عن امتناع الطغرائي من الحضور فقالوا إنه رجل منقطع ما له بالملوك تعلق ونحن الأصل فسكت ثم طلب أن يحضروا عنده من صناع الثياب الخطائي وغيرها ليستعمل لملكهم الأعظم فإن هذا هو من أتباع ذلك الملك فأحضروا الصناع فاستعملهم في الذي أرادوا ووزن أهل تبريز الثمن وطلب منهم خركاة لملكه أيضًا فعملوا له خركاة لم يعمل مثلها وعملوا غشاءها من الأطلس الجيد المزركش وعملوا من داخلها السمور والقندر فجاءت عليهم بجملة كثيرة وقرر عليهم شيئًا من المال كل سنة وترددت رسلهم إلى ديوان الخلافة وإلى جماعة من الملوك يطلبون منهم أنهم لا ينصرون خوارزم شاه.
ولقد وقفت على كتاب وصل من تاجر من أهل الري في العام الماضي قبل خروج التتر فلما وصل التتر إلى الري وأطاعهم أهلها وساروا إلى أذربيجان سار هو معهم إلى تبريز فكتب إلى أصحابه بالموصل يقول: إن الكافر لعنه الله ما نقدر نصفه ولا نذكر جموعه حتى لا تنقطع قلوب المسلمين فإن الأمر عظيم ولا تظنوا أن هذه الطائفة التي وصلت إلى نصيبين والخابور والطائفة الأخرى التي وصلت إلى إربل ودقوقا كان قصدهم النهب إنما أرادوا أن يعملوا هل في البلاد من يردهم أم لا فلما عادوا أخبروا ملكهم بخلو البلاد من مانع ومدافع وأن البلاد خالية من ملك وعساكر فقوي طمعهم وهم في الربيع يقصدونك وما يبقى عندكم مقام إلا إن كان في بلد الغرب فإن عزمهم على قصد البلاد جميعها فانظروا لأنفسكم.
هذا مضمون الكتاب فإن لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأما جلال الدين فإلى آخر سنة ثمان وعشرين لم يظهر له خبر وكذلك إلى سلخ صفر سنة تسع لم نقف له على حال والله المستعان.
في هذه السنة قلت الأمطار بديار الجزيرة والشام ولا سيما حلب وأعمالها فإنها كانت قليلة بالمرة وغلت الأسعار بالبلاد وكان أشدها غلاء حلب إلا أنه لم يكن بالشديد مثل ما تقدم في السنين الماضية فأخرج أتابك شهاب الدين وهو والي الأمر بحلب والمرجع إلى أمره ونهبه وهو المدبر لدولة سلطانها الملك العزيز ابن الملك الظاهر والمربي له من المال والغلات كثيرًا وتصدق صدقات دارة وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر فجزاه الله خيرًا.
وفيها بنى أسد الدين شيركوه صاحب حمص والرحبة قلعة عند سلمية وسماها سميمس وكان الملك الكامل لما خرج من مصر إلى الشام قد خدمه أسد الدين ونصح له وله أثر عظيم في طاعته والمقاتلة بين يديه فأقطعه مدينة سليمة فبنى هذه القلعة بالقرب من سليمة وهي على تل عال. وفيها قصد الفرنج الذين بالشام مدينة جبلة وهي بين جملة المدن المضافة إلى حلب ودخلوا إليها وأخذوا منها غنيمة وأسرى فسير أتابك شهاب الدين إليهم العساكر مع أمير كان أقطعها فقاتل الفرنج وقتل منهم كثيرًا واسترد الأسرى والغنيمة.
وفيها توفي القاضي ابن غنائم بن العديم الحلبي الشيخ الصالح وكان من المجتهدين في العبادة والرياضة والعاملين بعلمه فلو قال قائل: إنه لم يكن في زمانه أعبد منه لكان صادقًا فرضي الله عنه وأرضاه فإنه من جملة شيوخنا سمعنا عليه الحديث وانتفعنا برؤيته وكلامه.
وفيها أيضًا في الثاني عشر من ربيع الأول توفي صديقنا أبو القاسم عبد المجيد بن العجمي الحلبي وهو وأهل بيته مقدمو السنة بحلب وكان رجلًا ذا مروءة غزيرة وخلق حسن وحلم وافر ورئاسة كثيرة يحب إطعام الطعام وأحب الناس إليه من يأكل طعامه ويقبل بره وكان يلقى أضيافه بوجه منبسط ولا يقعد عن إيصال راحة وقضاء حاجة فرحمه الله رحمة واسعة.
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق