660
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر ملك بدر الدين قلعتي العمادية وهرور
في هذه السنة ملك بدر الدين قلعة العمادية من أعمال الموصل وقد تقدم ذكر عصيان أهلها عليه سنة خمس عشرة وستمائة وتسليمها إلى عماد الدين زنكي ثم عودهم إلى طاعة بدر الدين وخلافهم على عماد الدين فلما عادوا إلى بدر الدين أحسن إليهم وأعطاهم الإقطاع الكثير وملكهم القرى ووصلهم بالأموال الجزيلة والخلع السنية فبقوا كذلك مدة يسيرة.
ثم شرعوا يراسلون عماد الدين زنكي ومظفر الدين صاحب إربل وشهاب الدين غازي بن العادل لما كان بخلاط ويعدون كلًا منهم بالانحياز إليه والطاعة له وأظهروا من المخالفة لبدر الدين ما كانوا يبطنونه فكانوا لا يمكنون أن يقيم عندهم من أصحاب بدر الدين إلا من يريدونه ويمنعون من كرهوه فطال الأمر وهو يحتمل فعلهم ويداريهم وهم لا يزدادون إلا طمعًا وخروجًا عن الطاعة.
وكانوا جماعة فاختلفوا فقوي بعضهم وهم أولاد خواجه إبراهيم وأخوه ومن معهم على الباقين فأخرجوهم عن القلعة وغلبوا عليها وأصروا على ما كانوا عليه من النفاق.
فلما كان هذه السنة سار بدر الدين إليهم في عساكره فأتاهم بغتة فحصرهم وضيق عليهم وقطع الميرة عنهم وأقام بنفسه عليهم وجعل قطعة من الجيش على قلعة هرور يحصرونها وهي من أمنع الحصون وأحصنها لا يوجد مثلها وكان أهلها أيضًا قد سلكوا طريق أهل العمادية من
عصيان وطاعة ومخادعة فأتاهم العسكر وحصروهم وهم في قلة من الذخيرة فحصروها أيامًا ففني ما في القلعة فاضطر أهلها إلى التسليم فسلموها ونزلوا منها.
وعاد العسكر إلى العمادية فأقاموا عليها مع بدر الدين فبقي بدر الدين بعد أخذ هرور يسيرًا وعاد إلى الموصل وترك العسكر بحاله مع ابنه أمين الدين لؤلؤ فبقي الحصار إلى أول ذي القعدة فأرسلوا يذعنون بالطاعة ويطلبون العوض عنها ليسلموها فاستقرت القواعد على العوض من قلعة يحتمون فيها وأقطاع ومال وغير ذلك فأجابهم بدر الدين إلى ما طلبوا وحضر نوابهم ليحلفوا بدر الدين.
فبينما هو يريد أن يحلف لهم وقد أحضر من يشهد اليمين إذ قد وصل طائر من العمادية وعلى جناحه رقعة من أمين الدين لؤلؤ يخبر أنه قد ملك العمادية قهرًا وعنوة وأسر بني خواجه الذين كانوا تغلبوا عليه فامتنع بدر الدين من اليمين.
وأما سبب غلبة أمين الدين عليها فإنه كان قد ولاه بدر الدين عليها لما عاد أهلها إلى طاعته فبقي فيها مدة وأحسن فيهم واستمال جماعة منهم ليتقوى بهم على الحرب للذين عصوا أولًا فنمى الخبر إليهم فأساؤوا مجاورته واستقالوا من ولايته عليهم ففارقهم إلى الموصل.
وكان أولئك الذين استمالهم يكاتبونه ويراسلونه فلما حصرهم كانوا أيضًا يكاتبونه في النشاب يخبرونه بكل ما يفعله أولاد خواجة من إنفاذ رسول وغير ذلك وبما عندهم من الذخائر وغيرها إلا إنهم لم يكونوا من الكثرة إلى حد أنهم يقهرون أولئك.
فلما كان الآن واستقرت القواعد من التسليم لم يذكر أولاد خواجه أحدًا من جند القلعة في نسخة اليمين بمال ولا غيره من أمان وإقطاع فسخطوا هذه الحال وقالوا لهم: قد حلفتم لأنفسكم بالحصون والقرى والمال ونحن قد خربت بيوتنا لأجلكم فلم تذكرونا فأهانوهم ولم يلتفتوا إليهم فحضر عند أمين الدين رجلان منهم ليلًا وطلبوا منه أن يرسل إليهم جمعًا يصعدونهم إلى القلعة ويثبون بأولئك ويأخذونهم فامتنع فقال: أخاف أن لا يتم هذا الأمر ويفسد علينا كل ما فعلناه.
فقالوا: نحن نقبض عليهم غدًا بكرة وتكون أنت والعسكر على ظهر فإذا سمعتم النداء باسم بدر الدين وشعاره تصعدون إلينا فأجابهم إلى ذلك.
وركب بنفسه بكرة هو والعسكر على العادة وأما أولئك فإنهم اجتمعوا وقبضوا على أولاد خواجة ومن معهم ونادوا بشعار بدر الدين فبينما العسكر قيام إذا الصوت من القلعة باسم بدر الدين فصعدوا إليها وملكوها وتسلم أمين الدين أولاد خواجه فحبسهم وكتب الرقعة على جناح الطائر بالحال وملكوا القلعة صفوًا وعفوًا بغير عوض وكان يريد أن يغرم مالًا جليلًا وأقطاعًا كثير وحصنًا منيعًا فتوفر الجميع عليه وأخذ منهم كل ما احتقبوه وادخروه وإذا
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق