687
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر تسليم البيت المقدس إلى الفرنج
في هذه السنة أول ربيع الآخر تسلم الفرنج لعنهم الله البيت المقدس صلحًا أعاده الله إلى الإسلام سريعًا.
وسبب ذلك ما ذكرناه سنة خمس وعشرين وستمائة من خروج الأنبرور ملك الفرنج في البحر من داخل بلاد الفرنج إلى ساحل الشام وكانت عساكره قد سبقته و نزلوا بالساحل وأفسدوا فيما يجاورهم من بلاد المسلمين ومضى إليهم وهم بمدينة صور طائفة من المسلمين يسكنون الجبال المجاورة لمدينة صور وأطاعوهم وصاروا معهم وقوي طمع الفرنج بموت الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق.
ولما وصل الأنبرور إلى الساحل نزل بمدينة عكا وكان الملك الكامل رحمه الله تعالى ابن الملك العادل صاحب مصر قد خرج من الديار المصرية يريد الشام بعد وفاة أخيه المعظم وهو نازل بتل العجول يريد أن يملك دمشق من الناصر داود ابن أخيه المعظم وهو صاحبها يومئذ وكان داود لما سمع بقصد عمه الملك الكامل له قد أرسل إلى عمه الملك الأشرف صاحب البلاد الجزرية يستنجده ويطلب منه المساعدة على دفع عمه عنه فسار إلى دمشق وترددت الرسل بينه وبين أخيه الملك الكامل في الصلح فاصطلحا واتفقا وسار الملك الأشرف إلى الملك الكامل واجتمع به.
فلما اجتمعا ترددت الرسل بينهما وبين الأنبرور ملك الفرنج دفعات كثيرة فاستقرت القاعدة على أن يسلموا إليه البيت المقدس ومعه مواضع يسيرة من بلاده ويكون باقي البلاد مثل الخليل ونابلس والغور وملطية وغير ذلك بيد المسلمين ولا يسلم إلى الفرنج إلا البيت المقدس والمواضع التي استقرت معه.
وكان سور البيت المقدس خرابًا ق خربه الملك المعظم وقد ذكرنا ذلك وتسلم الفرنج البيت المقدس واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه يسر الله فتحه وعوده إلى المسلمين بمنه وكرمه آمين.
و في هذه السنة يوم الاثنين ثاني شعبان ملك الملك الأشرف ابن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه صلاح الدين داود بن المعظم.
وسبب ذلك ما ذكرناه أن صاحب دمشق لما خاف من عمه الملك الكامل أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده ويستعين به على دفع الكامل عنه فسار إليه من البلاد الجزرية ودخل دمشق وفرح به صاحبها وأهل البلد وكانوا قد احتاطوا وهم يتجهزون للحصار فأمر بإزالة ذلك وترك ما عزموا عليه من الاحتياط وحلف لصاحبها على المساعدة والحفظ له ولبلاده عليه وراسل الملك الكامل واصلحا وظن صاحب دمشق أنه معهما في الصلح.
وسار الأشرف إلى أخيه الكامل واجتمعا في ذي الحجة من سنة خمس وعشرين يوم العيد وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها وعاد الملك الأشرف من عند أخيه واجتمع هو وصاحب دمشق ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر فبينما هما جالسان في خيمة لهما إذ قد دخل عز الدين أيبك مملوك المعظم الذي كان صاحب دمشق وهو أكبر أمير مع ولده فقال لصاحبه داود: قم اخرج وإلا قبضت الساعة فأخرجه ولم يمكن الأشرف منعه لأن أيبك كان قد أركب العسكر الذي لهم جميعه وكانوا أكثر من الذين مع الأشرف فخرج داود وسار هو وعسكره إلى دمشق.
وكان سبب ذلك أن أيبك قيل له: إن الأشرف يريد القبض على صاحبه وأخذ دمشق منه ففعل ذلك فلما عادوا وصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف وسار فنازل دمشق وحصرها وأقام محاصرًا لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل فحينئذ اشتد الحصار وعظم الخطب على أهل البلد وبلغت القلوب الحناجر.
وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل لأن أمواله بالكرك ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئًا فاحتاج إلى أن باع حلى نسائه وملبوسهن وضاقت الأمور عليه فخرج إلى عمه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك والغور وبيسان ونابلس وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها.
وتسلم الكامل دمشق وجعل نائبه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها والرقة وسروج ورأس عين من الجزيرة فلما تسلم ذلك سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف فدخلها وأقام بها وسار الكامل إلى الديار الجزرية فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين ابن خوارزم شاه مدينة خلاط فلما حضر عنده بالرقة عاد الكامل إلى ديار مصر وأما الأشرف فكان منه ما نذكره إن شاء الله تعالى.
و في هذه السنة أرسل الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك وهو أمير كبير في دولته إلى مدينة خلاط وأمره بالقبض على الحاجب حسام الدين علي بن حماد وهو المتولي لبلاد خلاط والحاكم فيها من قبل الأشرف.
ولم نعلم شيئًا يوجب القبض عليه لأنه كان مشفقًا عليه ناصحًا له حافظًا لبلاده وحسن السيرة مع الرعية ولقد وقف هذه المدة الطويلة في وجه خوارزم شاه جلال الدين وحفظ خلاط حفظًا يعجز غيره عنه وكان مهتمًا بحفظ بلاده وذابًا عنها وقد تقدم من ذكر قصده بلاد جلال الدين والاستيلاء على بعضها ما يدل على همة عالية وشجاعة تامة وصار لصاحبه به منزلة عظيمة فإن الناس يقولون: بعض غلمان الملك الأشرف يقاوم خوارزم شاه.
وكان رحمه الله كثير الخير والإحسان لا يمكن أحدًا من ظلم وعمل كثيرًا من أعمال البر من الخانات في الطرق والمساجد في البلاد وبنى بخلاط بيمارستانًا وجامعًا وعمل كثيرًا من الطرق وأصلحها كان يشق سلوكها.
فلما وصل أيبك إلى خلاط قبض عليه ثم قتله غيلة لأنه كان عدوه ولما قتل ظهر أثر كفايته فإن جلال الدين حصر خلاط بعد قبضه وملكها على ما نذكه إن شاء الله ولم يمهل الله أيبك بل انتقم منه سريعًا فإن جلال الدين أخذ أيبك أسيرًا لما ملك خلاط مع غيره من الأمراء فلما وكان سبب قتله أن مملوكًا للحاجب علي كان قد هرب إلى جلال الدين فلما أسر أيبك طلبه ذلك المملومك من جلال الدين ليقتله بصاحبه الحاجب علي فسلمه إليه فقتله وبلغني أن الملك الأشرف رأى في المنام كأن الحاجب عليًا قد دخل إلى مجلس فيه أيبك فأخذ منديلًا وجعله في رقبة أيبك وأخذه وخرج فأصبح الملك الأشرف وقال: قد مات أيبك فإني رأيت في المنام كذا وكذا.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق