622
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر ملك التتر همذان وقتل أهلها
لما تفرق العسكر الإسلامي عاد التتر إلى همذان فنزلوا بالقرب منها وكان لهم بها شحنة يحكم فيها فأرسلوا إليه ليطلب من أهلها مالًا وثيابًا وكانوا قد استنقذوا أموالهم في طول المدة.
وكان رئيس همذان شريفًا علويًا وهو من بيت رئاسة قديمة لهذه المدينة هو الذي يسعى في أمورهم أهل البلد مع التتر ويوصل إليهم ما يجمعه من الأموال فلما طلبوا الآن منهم المال لم يجد أهل همذان ما يحملونه إليهم فحضروا عند الرئيس ومعه إنسان فقيه قد قام في اجتماع الكلمة على الكفار قيامًا مرضيًا فقالوا لهما: هؤلاء الكفار قد أفنوا أموالنا ولم يبق لنا ما نعطيهم وقد هلكنا من أخذهم أموالنا وما يفعله النائب عنهم بنا من الهوان.
وكانوا قد جعلوا بهمذان شحنة لهم يحكم في أهلها بما يختاره فقال الشريف: إذا كنا نعجز عنهم فكيف الحيلة فليس لنا إلا مصانعتهم بالأموال فقالوا له: أنت أشد علينا من الكفار! وأغلظوا له في القول فقال: أنا واحد منكم فاصنعوا ما شئتم.
فأشار الفقيه بإخراج شحنة التتر من البلد والامتناع فيه ومقاتلة التتر فوثب العامة على الشحنة فقتلوه وامتنعوا في البلد فتقدم التتر إليهم وحصروهم وكانت الأقوات متعذرة في تلك البلاد جميعها لخرابها وقتل أهلها وجلاء من سلم منهم فلا يقدر أحد على الطعام إلا قليلًا وأما التتر فلا يبالون بعدم الأقوات لأنهم لا يأكلون إلا اللحم ولا تأكل دوابهم إلا نبات الأرض حتى إنها تحفر بحوافرها الأرض عن عروق النبات فتأكلها.
فلما حصروا همذان قاتلهم أهلها والرئيس والفقيه في أوائلهم فقتل من التتر خلق كثير وجرح الفقيه عدة جراحات وافترقوا ثم خرجوا من الغد فاقتتلوا أشد من القتال الأول وقتل أيضًا من التتر أكثر من اليوم الأول وجرح الفقيه أيضًا عدة جراحات وهو صابر وأرادوا أيضًا الخروج اليوم الثالث فلم يطق الفقيه الركوب وطلب الناس الرئيس العلوي فلم يجدوه كان قد هرب في سرب صنعه إلى ظاهر البلد هو وأهله إلى قلعة هناك على جبل عال فامتنع فيها.
فلما فقده الناس بقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون إلا أنهم اجتمعت كلمتهم على القتال إلى أن وكان التتر قد عزموا على الرحيل عنهم لكثرة من قتل منهم فلما لم يروا أحدًا خرج إليهم من البلد طمعوا واستدلوا على ضعف أهله فقصدوهم وقاتلوهم في رجب من سنة ثماني عشرة وستمائة ودخلوا المدينة بالسيف وقاتلهم الناس في الدروب فبطل السلاح للزحمة واقتتلوا بالسكاكين فقتل من الفريقين ما لا يحصيه إلا الله تعالى وقوي التتر على المسلمين فأفنوهم قتلًا ولم يسلم إلا من كان عمل له نفقًا يختفي فيه وبقي القتل في المسلمين عدة أيام ثم ألقوا النار في البلد فأحرقوه ورحلوا عنه إلى مدينة أردويل.
وقيل كان السبب في ملكها أن أهل البلد لما شكوا إلى الرئيس الشريف ما يفعل بهم الكفار أشار عليهم بمكاتبة الخليفة لينفذ إليهم عسكرًا مع أمير يجمع كلمتم فاتفقوا على ذلك فكتب إلى الخليفة ينهي إليه ما هم عليه من الخوف والذل وما يركبهم به العدو من الصغار والخزي ويطلب نجدة ولو ألف فارس مع أمير يقاتلون معه ويجتمعون عليه فلما سار القصاد بالكتب أرسل بعض من علم بالحال إلى التتر يعلمهم ذلك فأرسلوا إلى الطريق فأخذوهم وأخذوا الكتب منهم وأرسلوا إلى الرئيس ينكرون عليه الحال فجحد فأرسلوا إليه كتبه وكتب الجماعة فسقط في أيديهم وتقدم إليهم التتر حينئذ وقاتلوهم وجرى في القتال كما ذكرنا.
وملكهم أردويل وغيرها لما فرغ التتر من همذان ساروا إلى أذربيجان فوصلوا إلى أردويل فملكوها وقتلوا فيها وأكثروا وخربوا أكثرها وساروا منها إلى تبريز وكان قد قام بأمرها شمس الدين الطغرائي وجمع كلمة أهلها وقد فارقها صاحبها أوزبك بن البهلوان وكان أميرًا متخلفًا لا يزال منهمكًا في الخمر ليلًا ونهارًا يبقى الشهر والشهرين لا يظهر وإذا سمع هيعة طار مجفلًا له وله جميع أذربيجان وأران وهو أعجز خلق الله عن حفظ البلاد من عدو يريدها ويقصدها.
فلما سمع بمسير التتر من همذان فارق هو تبريز وقصد نقجوان وسير أهله ونساءه إلى خوي ليبعد عنهم فقام هذا الطغرائي بأمر البلد وجمع الكلمة وقوى نفوس الناس على الامتناع وخذرهم عاقبة التخاذل والتواني وحصن البلد بجهده وطاقته فلما قاربه التتر وسمعوا بما أهل البلد عليه من اجتماع الكلمة على قتالهم وأنهم قد حصنوا المدينة وأصلحوا أسواها وخندقها أرسلوا يطلبون منهم مالًا وثيابًا فاستقر الأمر بينهم عل قدر معلوم من ذلك فسيروه إليهم فأخذوه ورحلوا إلى مدينة سراو فنهبوها وقتلوا كل من فيها.
ورحلوا منها إلى بيلقان من بلاد أران فنهبوا كل ما مروا به من البلاد والقرى وخربوا وقتلوا من ظفروا به من أهلها فلما وصولا إلى بيلقان حصروها فاستدعى أهلها منهم رسولًا يقرون معه الصلح فأرسلوا إليهم رسولًا من أكابرهم ومقدميهم فقتله أهل البلد فزحف التتر إليهم وقاتلوهم ثم إنهم ملكوا البلد عنوة في شهر رمضان سنة ثماني عشرة ووضعوا فيهم السيف فلم يبقوا على صغير ولا كبير ولا امرأة حتى إنهم كانوا يشقون بطون الحبالى ويقتلون الأجنة وكانوا يفجرون بالمرأة ثم يقتلونها وكان الإنسان منهم يدخل الدرب فيه الجماعة فيقتلهم واحدًا بعد واحد حتى يفرغ من الجميع لا يمد أحد منهم إليه يدًا.
فلما فرغوا منها استقصوا ما حولها بالنهب والتخريب وساروا إلى مدينة كنجة وهي أم بلاد أران فعلموا بكثرة أهلها وشجاعتهم لكثرة ذريتهم بقتال الكرج وحصانتها فلم يقدموا عليها فساروا إلى أهلها يطلبون منهم المال والثياب فحملوا إليهم ما طلبوا فساروا عنهم.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق