440
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر حال أهله وأولاده بعده
لما مات صلاح الدين بدمشق كان معه بها ولده الأكبر والأفضل نور الدين علي وكان قد حلف له العساكر جميعها غير مرة في حياته فلما مات ملك دمشق والساحل والبيت المقدس وبعلبك وصرخد وبصرى وبانياس وهونين وتبنين وجمع الأعمال إلى الداروم.
وكان ولده الملك العزيز عثمان بمصر فاستولى عليها وعلى جميع أعمالها مثل: حارم وتل باشر وإعزاز وبرزية ودرب ساك ومنبج وغير ذلك.
وكان بحماة محمود بن تقي الدين عمر فأطاعه وصار معه.
وكان بحمص شيركوه بن محمد بن شيركوه فأطاع الملك الأفضل.
وكان الملك العادل قد سار إليه كما ذكرنا فامتنع فيه لم يحضر عند أحد من أولاد أخيه فأرسل إليه الملك الأفضل يستدعيه ليحضر عنده فوعده ولم يفعل فأعاد مراسلته وخوفه من الملك العزيز صاح مصر ومن أتابك عز الدين صاحب الموصل فإنه كان قد سار عنها إلى بلاد العادل الجزرية على ما نذكره ويقول له: إن حضرت جهزت العساكر وسرت إلى بلادك فحفظتها وإن أقمت قصدك أخي الملك العزيز لما بينكما من العداوة وإذا ملك عز الدين بلادك فليس له دون الشام مانع وقال لرسوله: إن حضر معك وإلا فقل له قد أمرني إن سرت إليه بدمشق عدت معك وإن لم تفعل أسير إلى الملك العزيز أحالفه على ما يختار.
فلما حضر الرسول عنده وعده بالمجيء فلما رأى أن ليس معه منه غير الوعد أبلغه ما قيل له في معنى موافقة العزيز فحينئذ سار إلى دمشق وجهز الأفضل معه عسكرًا من عنده وأرسل إلى صاحب حمص وصاحب حماة وإلى أخيه الملك الظاهر بحلب يحثهم على إنفاذ العساكر مع العادل إلى البلاد الجزرية ليمنعها من صاحب الموصل ويخوفهم إن هم لم يفعلوا.
ومما قال لأخيه الظاهر: قد عرفت صحبة أهل الشام لبيت أتابك فوالله لئن ملك عز الدين حران ليقومن أهل حلب عليك ولتخرجن منها وأننت لا تعقل وكذلك يفعل بي أهل دمشق فاتفقت كلمتهم على تسيير العساكر معه فجهزوا عساكرهم وسيروها إلى العادل وقد عبر الفرات.
فعسكرت عساكرهم بنواحي الرها بمرج الريحان وسنذكر ما كان منه إن شاء الله تعالى.
إلى بلاد العادل وعوده بسبب مرضه لما بلغ أتابك عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي صاحب الموصل وفاة صلاح الدين جمع أهل الرأي من أصحابه وفيهم مجاهد الدين قايماز كبير دولته والمقدم على كل من فيها وهو نائبه فيهم واستشارهم فيما يفعل فسكتوا.
فقال له بعضهم وهو أخي مجد الدين أبو السعادات المبارك: أنا أرى أنك تخرج مسرعًا جريدة فيمن خف من أصحابك وحلقتك الخاص وتتقدم إلى الباقين باللحاق بك وتعطي من هو محتاج إلى شيء ما يتجهز به ما يخرجه ويلحق بك إلى نصيبين وتكاتب أصحاب الأطراف مثل مظفر الدين بن زين الدين وصاحب إربل وسنجر شاه ابن أخيك صاحب جزيرة ابن عمر وأخيك عماد الدين صاحب سنجار ونصيبين تعرفهم أنك قد سرت وتطلب منهم المساعدة وتبذل لهم اليمين على ما يلتمسونه فمتى رأوك قد سرت خافوك وإن أجابك أخوك صاح بسنجار ونصيبين إلى الموافقة وإلا بدأ بنصيبين فأخذتها وتركت عسكره مقابل أخيك يمنعه الحركة إن أرادها أو قصدت الرقة فلا تمنع نفسها وتأتي حران والرها فليس فيها من يحفظها لا صاحب ولا عسكر ولا ذخيرة فإن العادل أخذهما من ابن تقي الدين ولم يقم فيهما ليصلح حالهما وكان القوم يتكلون على قوتهم فلم يظنوا هذا الحادث فإذا فرغت من ذلك الطرف عدت إلى من امتنع من طاعتك فقاتلته وليس وراءك ما تخاف عليه فإن بلدك عظيم لا يبالي بكل من وراءك.
فقال مجاهد الدين: المصلحة أننا نكاتب أصحاب الأطراف ونأخذ رأيهم في الحركة ونستميلهم فقال له أخي: إن أشاروا بترك الحركة تقبلون منهم قال: لا! قال: إنهم لا يشيرون إلا بتركها لأنهم لا يريدون أن يقوى هذا السلطان خوفًا منه وكأني بهم يغالطونكم ما دامت البلاد الجزرية فارغة من صاحب وعسكر فإذا جاء إليها من يحفظها جاهروكم بالعداوة.
ولم يمكنه أكثر من هذا القول خوفًا من مجاهد الدين حيث رأى ميله إلى ما تكلم به فانفصلوا على أن يكاتبوا أصحاب الأطراف فكاتبوهم فكل أشار بترك الحركة إلى أن ينظر ما يكون من أولاد صلاح الدين وعمهم فتثبطوا.
ثم إن مجاهد الدين كرر المراسلات إلى عماد الدين صاحب سنجار يعده ويستميله فبينما هم على ذلك إذ جاءهم كتاب الملك العادل من المناخ بالقرب من دمشق وقد سار عن دمشق إلى بلاده يذكر فيه موت أخيه وأن البلاد قد استقرت ولده الملك الأفضل والناس متفقون على طاعته وأنه هو المدبر لدولة الأفضل وقد سيره في عسكر جم كثير العدد لقصد ماردين لما
بلغه أن صاحبها تعرض إلى بعض القرى التي له وذكر من هذا النحو شيئًا كثيرًا فظنوه حقًا وأن قوله لا ريب فيه ففتروا عن الحركة وذلك الرأي فسيروا الجواسيس فأتتهم الأخبار بأنه في ظاهر حران نحو من مائتي خيمة لا يغر فعادوا فتحركوا فإلى أن تقررت القواعد بينهم وبين صاحب سنجار وصلته العساكر الشامية التي سيرها الأفضل وغيره إلى العادل فامتنع بها وسار أتابك عز الدين عن الموصل إلى نصيبين واجتمع هو وأخوه عماد الدين بها وساروا على سنجار نحو الرها وكان العادل قد عسكر قريبًا منها بمرج الربحان فخافهم خوفهًا عظيمًا.
فلما وصل أتابك عز الدين إلى تل موزن مرض بالإسهال فأقام عدة أيام فضعف عن الحركة وكثر مجيء الدم من فخاف الهلاك فترك العساكر مع أخيه عماد الدين وعاد جريدة في مائتي فارس ومعه مجاهد الدين وأخي مجد الدين فلما وصل إلى دنيسر استولى عليه الضعف فأحضر أخي وكتب وصية ثم سار فدخل الموصل وهو مريض أول رجب.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق