563
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر قتل سنجر شاه وملك ابنه محمود
في هذه السنة قتل سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر صاحب جزيرة ابن عمر وهو ابن عم نور الدين صاحب الموصل قتله ابنه غازي ولقد سلك ابنه في قتله طريقًا عجيبًا يدل على مكر ودهاء.
وسبب ذلك أن سنجر كان سيء السيرة مع الناس كلهم من الرعية والجند والحريم والأولاد وبلغ من قبح فعله مع أولاده أنه سير ابنيه محمودًا ومودودًا إلى قلعة فرح من بلد الزوزان وأخرج ابنه هذا إلى دار بالمدينة أسكنه فيها ووكل به من يمنعه من الخروج.
وكانت الدار إلى جانب بستان لبعض الرعية فكان يدخل إليه منها الحيات والعقارب وغيرهما من الحيوان المؤذي ففي بعض الأيام اصطاد حية وسيرها في منديل إلى أبيه لعله يرق له فلم يعطف عليه فأعمل الحيلة حتى نزل من الدار التي كان بها واختفى ووضع إنسانًا كان يخدمه فخرج من الجزيرة وقصد الموصل وأظهر أنه غازي بن سنجر فلما سمع نور الدين بقربه منها أرسل نفقة وثيابًا وخيلًا وأمره بالعود وقال: إن أباك يتجنى لنا الذنوب التي لم نعملها ويقبح ذكرنا فإذا صرت عند جعل ذلك ذريعة للشناعات والبشاعات ونقع معه في صراع لا ينادي وليده فسار إلى الشام.
وأما غازي بن سنجر فإنه تسلق إلى دار أبيه واختفى عند بعض سراريه وعلم به أكثر من بالدار فسترت عليه بغضًا لأبيه وتوقعًا للخلاص منه لشدته عليهن فبقي كذلك وترك أبوه الطلب له ظنًا منه أنه بالشام فاتفق أن أباه في بعض الأيام شرب الخمر بظاهر البلد مع ندمائه فكان يقترح على المغنين أن يغنوا في الفراق وما شاكل ذلك ويبكي ويظهر في قوله قرب الأجل
ودنوا الموت وزوال ما هو فيه فلم يزل كذلك إلى أخر النهار وعاد إلى داره وسكر عند بعض حظاياه ففي الليل دخل الخلاء وكان ابنه عند تلك الحظية فدخل إليه داره فضربه بالسكين أربع عشرة ضربة ثم ذبحه وتركه ملقى ودخل الحمام وقعد يلعب مع الجواري فلو فتح باب الدار وأحضر الجند واستحلفهم لملك البلد لكنه أمن واطمأن ولم يشك في الملك.
فاتفق أن بعض الخدم الصغار خرج إلى الباب وأعلم أستاذ دار سنجر الخبر فأحضر أعيان الدولة وعرفهم ذلك وأغلق الأبواب على غازي واستحلف الناس لمحمود بن سنجر شاه وأرسل إليه فأحضره من فرح ومعه أخوه مودود فلما حلف الناس وسكنوا فتحوا باب الدار على غازي ودخلوا عليه ليأخذوه فمانعهم عن نفسه فقتلوه وألقوه على باب الدار فأكلت الكلاب بعض لحمه ثم دفن باقيه.
ووصل محمود إلى البلد وملكه ولقب بمعز الدين لقب أبيه فلما استقر أخذ كثيرًا من الجواري اللواتي لأبيه فغرقهن في دجلة.
ولقد حدثني صديق لنا أنه رأى بدجلة في مقدار غلوة سهم سبع جوار مغرقات منهن ثلاث قد أحرقت وجوههن بالنار فلم أعلم سبب ذلك الحريق حتى حدثتني جارية اشتريتها بالموصل من جواريه أن محمودًا كان يأخذ الجارية فيجعل وجهها في النار فإذا احترقت ألقاها في وكان سنجر شاه قبيح السيرة ظالمًا غاشمًا كثير المخاتلة والمواربة والنظر في دقيق الأمور وجليلها لا يمتنع من قبيح يفعله مع رعيته وغيرهم من أخذ الأموال والأملاك والقتل والإهانة وسلك معهم طريقًا وعرًا من قطع الألسنة والأنوف والآذان وأما اللحى فإنه حلق منها ما لا يحصى. وكان جل فكره في ظلم يفعله.
وبلغ من شدة ظلمه أنه كان إذا استدعى إنسانًا ليحسن إليه لا يصل إلا وقد قارب الموت من شدة الخوف واستعلى في أيامه السفهاء ونفقت سوق الأشرار والساعين بالناس فخرب البلد وتفرق أهله لا جزم سلط الله عليه أقرب الخلق إليه فقتله ثم قتل ولده غازي وبعد قليل قتل ولده محمود أخاه مودودًا وجرى في داره من التحريق والتغريق والتفريق ما ذكرنا بعضه ولو رمنا شرح قبح سيرته لطال والله تعالى بالمرصاد لكل ظالم.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق