950
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
ص 3-55
القسم الأول
من تاريخ العلامة ابن خلدون
الدولة العلوية
إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش:
ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع وثلاثمائة، كما قدّمناه، ولّى مكانه بطبرستان صهره، وهو الحسن بن القاسم، وقد مرذكره، ويسّمى بالداعي الصغير، ويلقب بالناصر. وبعض الناس يقولون هو الحسن بن محمد أخي الأطروش، هكذا قال ابن حزم وغيره، وليس بصحيح، وانما هو صهره، الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة. ثم من عقب حافده محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن، وكان أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له ما كان بن كالي، وقام بأمره فلما قتل ليلى بن النعمان صاحب جرجان، وعاد فراتكين إليها، ثم انصرف عنها
وجاءه أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له فملكها، فبعث السعيد بن سامان صاحب خراسان قائده سيجور الدوانى في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهراً، ومع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب، وهو ابن عم ما كان بن كالي فلما اشتدّ بهم الحصار خرج أبو الحسن وسرخاب في ثمانية آلاف من الديلم والجند فانهزم سيجور أوّلاً فاتبعوه، وقد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم، وقتل من الديلم والجند نحو أربعة آلاف، وخلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ، ولحقه سرخاب فخلفه، وأقام سيجور بجرجان.
ثم هلك سرخاب وسار أبو الحسن إلى سارية، وإستخلف ما كان بن كالي على استراباذ، فاجتمع إليه الديلم، وولّوه على أنفسهم، وزحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدّة. ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها وولوا عليها يقراخان، وعادوا إلى جرجان، ثم إلى نيسابور، ثم سار ما كان بن كالي إلى استراباذ وملكها من يد يقراخان، ثم ملك جرجان، وأقام بها، وذلك سنة عشر وثلثمائة. ثم استولى أسفار بن شيرويه على جرجان، واستقلّ بها، وكان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ما كان بن كالي، ونكره لبعض أحواله فطرده من عسكره، وسار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه، وبعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له، وقد كان ما كان سار إلى طبرستان، وولّى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسن عليّاً، وكان أبو الحسن بن الأطروش معتقلا عنده، وهمّ ليله بقتله، وقصده في محبسه فظفر به أبو علي وقتله، وخرج من الدار. واختفى، وبعث من الغد إلى القوّاد فبايعوا لى، وولّوا علىّ جيشه علي بن خرشيد ورضوا به.
واستقدموا أسفار بن شيرويه فأستأذن بكر بن محمد وقدم عليهم، وسار إليهم ما كان بن كالي فحاربوه وغلبوه على طبرستان، وأنزلوا بها أبا عليّ بن الأطروش فأقام بها أياما، ومات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه، وجاء ما كان بن كالي لحرب أسفار بطبرستان فانهزم أسفار ولحق ببكر بن محمد بجرجان، وأقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة فولاّه السعيد على جرجان، وأرسل إلى مرداوبج بن دينار الجبلي، وجعله أمير جيشه،. وزحفوا إلى طبرستان فملكوها. وكان الحسن بن القاسم الدّاعي قد استولى على الريّ وقزوين وزنجان وأبهر وقمّ، وقائده ما كان بن كالي الديلميّ فسار إلى طبرستان، وقاتله أسفار فانهزم ما كان، والحسن بن القاسم الداعي، وقتل بخذلان أصحابه إيّاه، لأنه كان
يشتدّ عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في أن يستقدموا هذرسيدان من رؤساء الجبل، وكان خال مرداويج ووشكين فيقدموه عليهم، ويحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش.
ونما الخبر بذلك إلى الداعي، وقدم هذرسيدان فلقيه الداعي مع القواد وادخلهم إلى عصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا، وقتلهم عن آخرهم ،فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن وقتل، واستولى أسفار على طبرستان والريّ وجرجان وقزوين وزنجار وابهر وقُمَ والكرج، ودعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان، وأقام بسارية، واستعمل على آمد هرون بن بهرام، وقصد بذلك استخلاصه لنفسه لأنه كان يخطب لابي جعفر، من ولد الناصر الأطروش فولاه آمد وزوّجه بإحدى نسائه الأعيان بها، وحضر عرسه أبو جعفر وغيره من العلويّين، وهجم عليه أسفار يوم عرسه بآمد، فقبض على أبي جعفر وغيره من اعيان العلويّين، وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا من بعد ذلك.
(ومن تاريخ بعض المتأخرين): أنّ الحسن بن القاسم الداعي صهر الأطرواش، بويع بعد موته ولقب الناصر، وملك جرجان. وكان الديلم قد اشتملوا على جعفر بن الأطروش، وتابعوه فصار الداعي إلى طبرستان وملكها، ولحق جعفر بدنباوند فقبض عليه عليّ بن أحمد بن نصر وبعث به إلى عليّ بن وهشودان بن حسّان ملك الديلم وهو عامله، فحبسه عليّ بن وهشودان بن حسّان ملك الديلم فلما قتل أطلقه من بعده حسرة فيروز، فاستجاش جعفر بالديلم، وعاد إلى طبرستان فملكها وهرب الحسن. ثم مات جعفر فبويع أبو الحسن، ابن أخيه الحسن فلما ظهر ما كان بن كالي بايع للحسن الداعي وأخرجه إليه، وقبض على الحسن أحمد وهو ابن أخي جعفر وحبسه بجرجان عند أخيه أبي علي ليقتله فقتله الحسن ونجا، وبايعه القواد بجرجان.
ثم حاربه ما كان فانهزم الحسن إلى آمد، ومات بها، وبويع أخوه أبو جعفر بن محمد بن أحمد، وقصده ما كان من الري فهرب من آمد إلى سارية، وبها أسفار ابن شيرويه. فقاتل دونه، وانهزم أسفار إلى جرجان، واستأمن إلى أبي بكر بن محمد بن الياس. ثم بايع ما كان لأبي القاسم الداعي، وخرج الحسن إلى الري وطلب مرداويج بثأر خاله سيداب بن بندار. وكان الداير بجرجان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة،
وانصرف ما كان إلى الديلم، ثم ملك طبرستان وبايع بها لأبي عليّ الناصر بن إسمعيل ابن جعفر بن الأطروش، وهلك بعد مدّة. ومضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم، إلى أن غلب مرداويج على الريّ، فكتب إليه وأخرجه عن الديلم، وأحسن إليه. فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لأبي جعفر هذا، وسمّي صاحب القلنسوة إلى أن مات، وبويع أخوه ولقب الثائر، وأقام مع الديلم. وزحف سنة ست وثلاثين إلى جرجان، وبها ركن الدولة بن بويه، فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائر، وتعلق بالجبال، وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، لثلاثين سنة من ملكه، وبايعوا لأخيه الحسين بن جعفر، وتلقّب بالناصر، وتقبض عليه ليكوبن وشكس ملك الجبل وسلّمه وانقرض ملك الفاطميّين أجمع بتلك الجبال والبقاء لله وحده.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق