951
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
ص 3-55
القسم الأول
من تاريخ العلامة ابن خلدون
الدولة العلوية
الخبر عن دولة الإسماعيلية ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان والقاهرة. وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب.
أصل هؤلاء العبيديّين من الشيعة الإمامية، وقد تقدم لنا حكاية مذهبهم، والبراءة من الشيخين ومن سائر الصحابة، لعدولهم عن بيعة عليّ إلى غيره، مع وصية النبيّ ? له بالإمامة بزعمهم، وبهذا امتازوا عن سائر الشيعة. وإلا فالشيعة كفهم مطبقون على تفضيل عليّ ولم يقدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الافضل، ولا عند الكيسانية لأنهم لم يدّعوا هذه الوصية، فلم يكن عندهم قادح فيمن خالفها. وهذه الوصية لم تعرف لأحد من أهل النقل. وهي من موضوعات الإمامية، وقد يسمّون رافضة، قالوا لأنه لما
خرج زيد الشهيد بالكوفة، واختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين، وأنهم ظلموا علياً فنكر ذلك عليهم فقالوا له: وأنت أيضا فلم يظلمك أحد، ولا حق لك في الأمر، وانصرفوا عنه ورفضوه فسموا رافضة، وسمّي أتباعه زيدية. ثم صارت الإمامة من عليّ إلى الحسن، ثم الحسين، ثم ابنه علي زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، كل هؤلاء بالوصيّة، وهم ستة أئمة لم يخالف احد من الرافضة في إمامتهم.
ثم افترقوا من ههنا فرقتين: وهم الاثنا عشرية والإسماعيلية. واختص الاثنا عشرية باسم الإمامية لهذا العهد، ومذهبهم أنّ الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم، وخرج دعاته بعد موت أبيه فحمله هرون من المدينة وحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد وحبسه عند ابن شاهك. ويقال أنّ يحيى بن خالد سمّه في رطب فقتله، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة، وزعم شيعتهم أنّ الإمام بعده ابنه عليّ الرضا وكان عظيماً في بني هاشم، وكانت له مع المأمون صحبة، وعهد له بالامر من بعده سنة إحدى ومائتين عند ظهور الدعاة للطالبيّين، وخروجهم في كل ناحية. وكان المأمون يومئذ بخراسان، لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العبّاسيّين وبايعوا لعمّه إبراهيم بن المهدي ببغداد، فارتحل المأمون إلى العراق وعليّ الرضا معه، فهلك عليّ في طريقه سنة ثلاث ومائتين ودفن بطوس، وبقال إن المأمون سمّه.
(ويحكى) أنه دخل عليه يعوده في مرضه فقال له: أوصني، فقال له عليّ إياك ان تعطي شيئاً وتندم عليه، ولا يصح ذلك لنزاهة المأمون عن إراقة الدماء بالباطل، سما دماء أهل البيت. ثم زعم شيعتهم أنّ الأمر من بعد علي الرضا لابنه محمد التقي، وكان له من المأمون مكان، وأصهر إليه في ابنته، فأنكحه المأمون إياها سنة خمس ومائتين، ثم هلك سنة عشرين ومائتين ودفن بمقابر قريش وتزعم الاثنا عشرية أنّ الإمام بعده ابنه علىّ، ويلقّبونه الهادي، ويقال الجواد، ومات سنة أربع وخمسين ومائتين وقبره بقمّ، وزعم ابن سعيد أن المقتدر سمَّه.
ويزعمون انّ الإمام بعده ابنه الحسن، ويلقّب العسكري لأنه ولد بسر من رأى، وكانت تسمّى العسكر، وحبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ستين ومائتين، ودفن إلى جنب أبيه في المشهد، وترك حملا ولد منه
ابنه محمد فاعتقل، ويقال دخل مع أمّه في السرداب بدار أبيه، وفقد، فزعمت شيعتهم انه الإمام بعد أبيه، ولقّبوه المهدي والحجة. وزعموا انه حي لم يمت، وهم الآن ينتظرونه، ووقفوا عند هذا الانتظار، وهو الثاني عشر من ولد عليّ، ولذلك سمّيت شيعته الاثني عشرية. وهذا المذهب في المدينة والكرخ والشام والحلّة والعراق، وهم حتى الآن على ما بلغنا يصلّون المغرب، فإذا قضوا الصلاة قدّموا مركباً إلى دار السرداب بجهازه وحليته ونادوا بأصوات متوسطة: أيها الإمام اخرج إلينا فإن الناس منتظرون، والخلق حائرون، والظلم عام، والحق مفقود! فاخرج إلينا فتقرب الرحمة من الله آثارك! ويكررون ذلك إلى أن تبدو النجوم، ثم ينصرفون إلى الليلة القابلة، هكذا دأبهم. وهؤلاء من الجهل بحيث ينتظرون من يقطع بموته مع طول الامد، لكن التعصب حملهم على ذلك، وربما يحتجون لذلك بقصة الخضر والاخرى أيضا باطلة، والصحيح أن الخضر قد مات.
(وأما الإسماعيلية) فزعموا أنّ الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسمعيل، وتوفي قبل أبيه. وكان أبو جعفر المنصور طلبه فشهد له عامل المدينة بأنه مات. وفائدة النصّ عندهم على إسمعيل، وإن كان مات قبل أبيه بقاء الإمامة في ولده كما نص موسى على هارون صلوات الله عليهما ومات قبله. والنصّ عندهم لا مرجع وراءه، لأن البداء على الله محال. ويمولون في ابنه محمد أنه السابع التامّ من الأئمة الظاهرين، وهو أول الأئمة المستورين عندهم الذين يستترون ويظهرون الدعاة، وعددهم ثلاثة، ولن تخلو الأرض منهم عن إمام، إما ظاهر بذاته أو مستور، فر بد من ظهور حجّته ودعاته. والأئمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الاسبوع، والسماوات والكواكب، والنقباء تدور عندهم على اثني عشر. هم يغلّطون الأئمة المستورين عندهم محمد بن إسمعيل، وهو محمد المكتوم، ثم ابنه جعفر المصدق، ثم ابنه محمد الحبيب، ثم ابنه عبد الله المهدي صاحب الدولة بإفريقية والمغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة.
وكان من هؤلاء الإسماعيلية القرامطة، واستقرّت لهم دولة بالبحرين في أبي سعيد الجنابيّ وبنيه أبي القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفي داعي اليمن لمحمد الحبيب، ثم ابنه عبد الله وشممى بالمنصور، وكان من الاثني عشرية أولا،ً فلما بطل ما في أيديهم رجع إلى رأي الإسماعيلية وبعث محمد الحبيب أبو عبد الله إلى اليمن داعية له فلّما بلغه عن محمد بن يعفر ملك صنعاء انه
اظهر التوبة والنسك، وتخلّى عن الملك فقدم اليمن ووجد بها شيعة يعرفون ببني موسى في عدن لاعة. وكان عليّ بن الفضل من أهل اليمن، ومن كبار الشيعة، وطاهر بن حوشب على أمره، وكتب له الإمام محمد بالعهد لعبد الله ابنه، وأذن له في الحرب فقام بدعوته وبثها في اليمن وجيّش الجيوش، وفتح المدائن وملك صنعاء، وأخرج منها بني يبعن، وفرّق الدعاة في اليمن واليمامة. والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وكان يظهر الدعوة للرضا من آل محمد، وكان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة. ومن عنده سار إلى إفريقية فوجد في كتامة من الباطنية خلقا كثيراً، وكان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر الصادق إلى المغرب. أقاموا بإفريقية وبثّوا فيها الدعوة، وتناقله من البرابرة أمم، وكان أكثرهم من كتامة فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدي ووجد هذا المذهب في كتامة فقام على تعليمه وبثّه وإحيّائه، حتى تم الأمر وبويع لعبد الله كما نذكر الآن في أخبارهم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق