إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1371 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> ماري ملكة اسكتلندة -> اسكتلندة 2- إسكتلندة 1560-1561



1371


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> ماري ملكة اسكتلندة -> اسكتلندة

2- إسكتلندة


1560-1561


كانت أمة ذات أصول عريقة وأساليب عتيقة، قيدتها الأراضي الجبلية الوعرة في الشمال بنظام إقطاعي، يتحكم فيه أمراء مستقلون تقريباً، يحيون حياة نصف بدائية قوامها الصيد والرعي، واستئجار الأرض القابلة للزراعة. أما الجنوب فقد تميز بأرض منبسطة خصبة بفضل ماء المطر، ولكنها مظلمة معتمة بسبب شتائها الطويل والبرد القارس الذي يشل الحركة. فهنا شعب يكافح ليخلق نظاماً أخلاقياً وحضارياً، من حمأة الأمية واختلاط الأنساب والفساد والتمرد على القانون والعنف، شعب أعمته الخرافات، وإرسال السحرة إلى الإعدام حرقاً، يفتش في عقيدة دينية متشددة عن حياة أقل قساوة ومشقة. ورغبة في موازنة قوة البارونات التي مزقت أوصال البلاد، كان الملوك ساندوا وشجعوا رجال الدين الكاثوليك وأغدقوا عليهم الثروات، مما جرهم إلى الفساد وقبول الرشوة وعدم المبالاة ومعاشرة الخليلات(4). وتحرق النبلاء لهفاً على ثروة الكنيسة، فانتقصوا من قدر رجال الدين، بملء الوظائف الكنسية بأبنائهم الخبراء بشئون الدنيا، ونادوا بالإصلاح الديني، وجعلوا البرلمان الاسكتلندي الذي تحكموا فيه سيداً للكنيسة والدولة على حد سواء.
وكان الخطر الخارجي أقوى حافز على الوحدة الداخلية. ولم تحس إنجلترا



بالطمأنينة في جزيرة يشاركهم فيها الإسكتلنديون الذين لم يروضوا بعد. وسعت من حين لآخر، بالطرق الدبلوماسية أو الزواج أو الحرب، إلى إخضاع إسكتلندة للحكم البريطاني. وأشار سيسل على إليزابث بمساندة النبلاء البروتستانت ضد مليكتهم الكاثوليكية، ومن ثم تصبح إسكتلندة ممزقة، ولا تعود تشكل خطراً على إنجلترا أو دعامة لفرنسا. وفوق ذلك يمكن لزعماء البروتستانت، إذا حالفهم التوفيق، أن يخلعوا ماري، ويتوجوا نبيلاً بروتستانتياً، ويحولوا إسكتلندة كلها إلى البروتستانتية. وراود سيسل بصفة خاصة حلم توحيد إسكتلندة على هذه الصورة مع إنجلترا بإغراء إليزابث بالزواج من مثل هذا الملك(5). فلما أرسلت فرنسا إلى إسكتلندة قوة لإخماد البروتستانت سارعت إليزابث بإرسال جيش لحمايتها وطرد الفرنسيين. ولما حاقت الهزيمة بفرنسا في ميدان القتال، وقع ممثلوها في إسكتلندة في أدنبره (6يولية 1560) معاهدة مشئومة لا تنص على خروج الفرنسيين من إسكتلندة فحسب، بل على عدم مطالبة ماري بأي حق في عرش إنجلترا، كذلك، ورفضت ماري، بناء على مشورة زوجها فرانسوا الثاني، التصديق على المعاهدة. وعلمت إليزابث بذلك.
وكان الوضع الديني مضطرباً، بنفس القدر. ذلك أن "برلمان الإصلاح الديني" الإسكتلندي الذي التأم 1550، ألغى الكاثوليكية رسمياً، وقرر أن تكون البروتستانتية الكلفنية دين الدولة، ولكن ماري لم تصدق على هذه القرارات البرلمانية حتى تصبح القوانين نافذة المفعول في البلاد؟ وظل القساوسة الكاثوليك يشغلون معظم الوظائف الكنسية ذوات الدخول في إسكتلندة. وكان نصف النبلاء" بابويين، وظل جون هاملتون الذي يجير في عروقه الدم الملكي، يذهب إلى البرلمان بوصفه زعيم الكاثوليك في إسكتلندة. ومهما يكن من أمر فإن نسبة كبيرة من الطبقة المتوسطة في أدنبرة وسانت أندروز وبرث وسترلنج وأبردين، انحازت إلى الكلفنية، بفضل الوعاظ المخلصين المتحمسين، بزعامة جون نوكس Knox.
وفي العام الذي سبق مجيء ماري أخرج نوكس ومعاونيه كتاباً في قواعد السلوك والانضباط "Discipline" يحدد مذهبهم وأغراضهم، فالديانة لا تعني

إلا البروتستانتية، و"الربانييون والأتقياء" لا يقصد بهم إلا الكلفنيون وحدهم، أما "الوثنية" فإنها تشمل "القداس، والتضرع إلى القديسين وعبادة الصور... والاحتفاظ بها"، أما "المتمسكون بهذه الأشياء البغيضة والداعون إليها، فلا ينبغي أن يفلتوا من عقاب القضاة والحكام المدنيين. "وكل مذهب أو نظرية" تتنافى "مع الإنجيل، يجب" القضاء عليها قضاءاً تماماً، على أنها لعينة تحول دون خلاص الإنسان(6)". أما القساوسة فينبغي أن ينتخبوا في مجامع، وعليهم أن ينشئوا المدارس ويفتحوها لمل أبناء الرب، مع خضوعها لرقابة الجامعات الإسكتلندية-سانت أندروز، جلاسجو، أبردين. ويجب أن تخصص أموال الكنيسة الكاثوليكية والعشور الكنسية المستمرة لحاجيات القساوسة البروتستانت وتعليم الشعب ومعونة الفقراء. وعلى "الكنيسة الإسكتلندية الوطنية"، الجديدة- لا السلطة المدنية-أن تصدر تشريعات الأخلاق، وتفرض العقوبات على مخالفاتها- السكر والجشع والتجديف والإسراف في الثياب، ظلم الفقراء والفحش والفسق والزنى، وكل من يعارض المذهب الجديد، أو يتغيب عمداً عن طقوسه؛ يحال إلى السلطة المدنية، مع توصية من الكنيسة الإسكتلندية الوطنية بإعدامه(7).
على أن اللوردات الذين سيطروا على البرلمان أبوا أن يقروا "قواعد السلوك والانضباط" (يناير 1561). ولم يستسيغوا قيام كنيسة وطنية قوية مستقلة. وكانت لهم خططهم الخاصة في استخدام أوال الكنيسة المنحلة. وظل "كتاب قواعد السلوك" هدفاً ونبراساً يهتدي به في تطوير الكنيسة الإسكتلندية الوطنية وتنميتها.
ولما أخفق نوكس في إقامة حكومة لاهوتية يتولاها قساوسة يدعون أن لهم حق الكلام نيابة عن الرب، بذل جهداً جباراً في إصرار بالغ، في تنظيم الكهنوت الجديد، وإيجاد الاعتمادات اللازمة لتدعيمهم، وإنتشارهم في كل أرجاء إسكتلندة، لمواجهة رجال الدين الكاثوليك الذين ظلوا يؤدون وظائفهم، وخلقت قوة العقيدة في مواعظه التي كان يلقيها وحماسة طائفته- نقول خلقت منه قوة في أدنبره وفي الحكومة. وكان لزاماً على الملكة الكاثوليكية، ماري، أن تصفي حسابها معه، حتى تستطيع تثبيت دعائم ملكها.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق