إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 30 مايو 2014

167 تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها تاريخ طريق العريش


 167

تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها

تاريخ طريق العريش

وهذه الطريق لم تكن تعرف قبل أواخر القرن الثاني عشر للمسيح . قال المقريزي عند ذكر " ماكان عليه موضع القاهرة " : " ولم يكن الدرب , الذي يسلك في وقتنا من القاهرة إلى العريش في الرمل , يعرف في القديم وإنما عرف بعد خراب تنيس والفرما وأزاحة الفرنج عن بلاد الساحل بعد تملكهم له مدة من السنين " اه . وكان خراب الفرما حوالي سنة 1165م

  وجاء في المقريزي عند " ذكر الطريق فيما بين مدينة مصر ودمشق " : " اعلم أن البريد أول من رتب دوابه الملك دارا ... أحد ملوك الفرس . وأما في الإسلام فأول من أقام البريد أمير المؤمنين المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور أقامه فيما بين مكة والمدينة واليمن وجعله بغلا وإبلا وذلك في سنة ستة وستين ومائة 783م . وأصل هذه الكلمة بريد ذنب فإن دارا أقام في سكك البريد دواب  محذوفة الأذناب سميت بريد ذنب ثم عربت وحذف منها نصفها الأخير فقيل بريد . وهذا الدرب , الذي يسلكه العساكر والتجار وغيرهم من القاهرة على الرمل إلى مدينة غزة , ليس هو الدرب الذي يسلك في القديم من مصر إلى الشام . ولم يحدث هذا الدرب الذي يسلك فيه من الرمل الآن إلا بعد الخمسماية من سني الهجرة 1107م عندما انقرضت الدولة الفاطمية . وكان الدرب أولا قبل استيلاء الفرنج على سواحل البلاد الشامية غير هذا . قال أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خردادية في كتاب المسالك والممالك وصفة الآرض والطريق من دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلا . ثم إلى جاسم أربعة وعشرون ميلا . ثم إلى طبرية مدينة الأردن ستة أميال . ومن طبرية إلى اللجون عشرون ميلا . ثم إلى القلنسوة عشرون ميلا . ثم إلى الرملة مدينة فلسطين أربعة وعشرون ميلا . والطريق من الرملة إلى ازدود اثنا عشر ميلا . ثم إلى غزة عشرون ميلا . ثم إلى العريش أربعة وعشرون ميلا في رمل . ثم إلى الواردة ثمانية عشر ميلا . ثم إلى أم العرب عشرون ميلا . ثم إلى الفرما أربعة وعشرون ميلا . ثم إلى جرير ثلاثون ميلا . ثم إلى القاصرة أربعة وعشرون ميلا . ثم إلى مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلا . ثم إلى بلبيس      ص   256

أحد وعشرون ميلا . ثم إلى الفسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلا . فهذا كما ترى إنما كان الدرب المسلوك من مصر إلى دمشق على غير ما هو الآن فيسلك من بلبيس إلى الفرما في البلاد التي تعرف اليوم ببلاد السباخ من الحوف ويسلك من الفرما وهي بالقرب من قطية إلى أم العرب وهي بلاد خراب على البحر فيما بين قطية والواردة ويقصدها قوم من الناس ويحفرون في كيمانها فيجدون دراهم من فضة خالصة ثقيلة الوزن كبيرة المقدار . ويسلك من أم العرب إلى الواردة وكانت بلدة في غير موضعها الآن قد ذكرت في هذا الكتاب . فلما خرج الفرنج من بحر القسطنطينية في سنة تسعين وأربعمائة لأخذ البلاد من أيدي المسلمين وأخذ بغدوين الشوبك وعمره في سنة تسع وخمسماية كان قد خرب من تقادم السنين وأغار على العريش وهو يزمئذ عامر , بطل السفر حينئذ من مصر إلى الشام وصار يسلك على طريق البر مع العرب مخافة الفرنج إلى أن استنقذ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بيت المقدس من أيدي الفرنج في سنة ثلاث وثمانين وخمسماية وأكثر من الايقاع بالقرنج وافتتح منهم عدة بلاد بالساحل وصار يسلك هذا الدرب على الرمل فسلكه المسافرون من حينئذ إلى أن ولي ملك مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب فأنشأ بأرض السباخ على طرف الرمل بلدة عرفت إلى اليوم بالصالحية وذلك في سنة أربع وأربعين وستمائة وصار ينزل بها ويقيم فيها ونزل بها من بعده الملوك . فلما ملك مصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري رتب البريد في سائر الطرقات حتى صار الخبر يصل من قلعة الجبل إلى دمشق في أربعة أيام ويعود في مثلها فصارت أخبار الممالك ترد إليه في كل جمعة مرتين ويتحكم في سائر ممالكه بالعزل والولاية وهو مقيم بالقلعة وأنفق في ذلك مالا عظيما حتى تم ترتيبه وكان ذلك في سنة تسع وخمسين وشتمائة . وما زال أمر البريد مستمرا فيما بين القاهرة و دمشق يوجد بكل مركز من مراكزه عدة من الخيول المعدة للركوب وتعرف بخيل البريد وعندها عدة سواس وللخيل رجال يعرفون بالسواقين وأحدهم سواق يركب مع من رسم بركوبه خيل البريد ليسوق له فرسه ويخدمه مدة مسيره   ص257

ولا يركب أحد خيل البريد إلا بمرسوم سلطاني فتارة يمنع الناس من ركوبه إلا من انتدبه السلطان لمهماته وتارة يركبه من يريد السفر من الأعيان بمرسوم سلطاني . وكانت طرق الشام عامرة يوجد بها عند كل بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد وعلف وغيره . ولكثرة ما كان فيه من الأمن أدركنا المرأة تسافر من القاهرة إلى الشام بمغردها راكبة أو ماشية لا تحمل زادا ولا ماء . فلما أخذ تيمورلنك دمشق وسبى أهلها وحرقها في سنة ثلاث وثمانمائة خربت مراكز البريد واشتغل أهل الدولة بما نزل بالبلاد من المحن وما دهوا به من كثرة الفتن عن إقامة البريد فاختل بانقطاعه طريق الشام خللا فاحشا والأمر على ذلك إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان عشرة وثمانمائة " اه 1415م

  وذكر أبو الفداء طريق العريش في تاريخه في عدة مواضع . قال في أخبار سنة 192هـ : " وفي هذه السنة في جمادى الأولى " ابريلف 1293 م " أرسل السلطان الملك الأشرف أحضر الملك الظفر محمود صاحب حماه وعمه الملك الأفضل على البريد إلى الديار المصرية فتوجها من حماه وعندهما الخوف بسبب طلبهما على البريد ووصلا غلى قلعة الجبل في اليوم الثامن من خروجهما من حماة " اه .

  وجاء في أخبار سنة 718هـ 1318م : " وفي هذه السنة توجهت من حماة إلى الديار المصرية وخرجت الخيل قدامي من حماة في نهار السبت منتصف جمادى الأولى الموافق لنصف تموز ... وتأخرت أنا بحماة . ثم خرجت من حماة وركبت خيل البريد في نهار الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الأولى والرابع والعشرين من تموز ولحقت خيلي وثقلي بغزة نهار الأحد غرة جمادى الآخرة وهو اليوم الثلاثون من تموز وسرت بهم جميعا ووصلت إلى قلعة الجبل وحضرت بين يدى مولانا السلطان الملك الناصر خلد الله ملكه بها في نهار الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة الموافق العاشر أر الرومي . وشملتني صدقاته بالتنزيل في الكبش وترتيب الرواتب الكثيرة بعد ما كان رتب لي في جميع المنازل من حماة إلى الديار المصرية الرواتب الزائدة عن كفايتي وكفاية كل من هو في   ص258

صحبتي من الأغنام والخبز والسكر وحوايج الطعام والشعير ... وأمرني بالعود إلى بلدي فخرجت من بين يديه من الميدان في نهار السبت ثاني عشر رجب من هذه السنة الموافق لثامن أيلول ووصلت حماة نهار الخميس مستهل شعبان الموافق للثامن والعشرين من أيلول واستقريت فيها " اه .

وقال في أخبار سنة 719هـ 1319م :

  " وفي هذه السنة حج السلطان من الديار المصرية . ولما قرب أوان الحج أرسل جمال الدين عبد الله البريدى ورسم إلى أن أحضر إلى الأبواب الشريفة فركبت خيل البريد وأخذت في صحبتي أربعة من مماليكي وخرجت من حماة يوم الجمعة سادس عشر شوال الموافق لسلخ تشرين الثاني وسرت حتى وصلت إلى مصر وحضرت بين يدي السلطان بقلعة الجبل نهار السبت الرابع والعشرين من شوال الموافق لثامن كانون الأول ونزلت بالقاهرة بدار القاضي كريم الدين وأقمت حتى خرجت صحبة الركاب السلطاني " اه .

  وفي رحلة الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفي سنة 1143هـ 1730م بعض بيان للطريق من العريش إلى المحروسة لا بأس بسوقه هنا قال :

  " لما دخلنا العريش نزلنا في مكان عند باب القلعة وصلينا في الجامع داخل السور . ثم زرنا قبر الشيخ الدمياطي في جامع آخر . وهناك في تلك البلاد مكان مبارك يقال له اليزك ويقال أنه متصل بالعار الذي في بلاد الخليل " عم " . وسرنا من العريش إلى أن وصلنا " بئر المساعيد " وهناك سبيل معمر بجدران الحجر فاستقينا منه وملأنا الركاوي . ثم سرنا إلى " قبر الساعي " وهو قبر مشهور هناك . ثم سرنا إلى محل " البرقات " وهي منزلة من منازل القافلة فنزلنا هناك وصلينا الظهر . ثم سرنا بلا شر ولا حر ونزلنا في العروب بمكان في البرية فأكلنا وأطعمنا الخيل ثم سرنا في ذلك الطريق الكثير الرمل حتى مررنا على " أم الحسن " وهو مكان فيه خان متهدم البنيان من قديم الزمان . ثم سرنا إلى مكان يسمى " رؤوس الأدراب "    ص   259

وفي نصف الليل وصلنا إلى " بئر العبد " وهي منزلة من منازل القافلة . قال السيد محمد كبريت في رحلته : ثم أتينا بعد بئر العبـــــــد    في سفح واد ماله من وفــــــد

         وماؤه مر زعاق مـــــالح     ولم يكن فيه هواء صـــــــالح

ثم سرنا إلى طلوع الشمس فنزلنا بالفلاة واسترحنا حصة يسيرة وسرنا حتى وصلنا إلى منزلة " قطية " . ثم سرنا ومررنا على الرمل الكثير العسير المسمى " برمل الغرابي " . ثم جئنا إلى بئر الدويدار وهو كبير والآن غلب عليه الرمل فردمه لكن حوله حفر صغار فيها ماء يغلب على الملوحة . قال السيد محمد كبريت في رحلته : " ثم إلى بئر الدويدار الردي   جئنا وما أقبحه من مورد "

  ونزلنا هناك حصة من الزمن نحن ومن معنا وأكلنا ما تيسر من الزاد ثم ركبنا وسرنا على بركة الله وبم نزل .... سائرين إلى أن مررنا على المكان المسمى " باللواوين " .... فقطعنا اللواوين ثم بتنا هناك في البرية . ثم ركبنا في نصف الليل فأشرفنا في الصباح على قرية الصالحية . ولم نزل سائرين إلى أن نزلنا في مزار الولي الصالح الشيخ حسن الليفي الصامت العجمي . فقرية الخطارة . فالقرين . فكفر حماد . فبلبيس . فمصر " اه .

  وأهمل أمر البريد في زمن المماليك ثم عاد إلى انتظامه في أيام المغفور له محمد على باشا عند فتحه سوريا فوضع خفراء على أهم الآبار وهي : بئر قطية . وبئر العبد . وبئر المار . وبئر المساعيد . وبئر النبي ياسر . وبئر عطوان في العريش . وبئر الشيخ زويد . وما زال إلى الآن بريد أسبوعي يسير على الهجن من رفح إلى العريش ثم من العريش إلى القنطرة بالدرب الوسطانية . والخفراء تخفر هذه الآبار إلى اليوم .

  وكانت طريق الفرما ثم طريق العريش بعدها طريق تجارية حربية وقد طالما سارت بهما الجيوش الحربية والقوافل التجارية بين النيل والأردن أو بين النيل والفرات . ولكنهما فقدتا أهميتهما التجارية بعد اتساع الملاحة في البحر المتوسط .   ص   260

وفتح ترعة السويس . ومع ذلك فما زال تجار الإبل والخيل والبغال والعنم من سوريا يطرقونهما إلى اليوم وهم يفضلون طريق العريش صيفا وشتاء لاختصارها وقلة رمالها ولكنهم يتخذون أحيانا طريق الغرما للطف هوائها والتخلص من ذبابة سامة تنتاب طريق العريش بين بئر العبد وقطية في أيام معينة في فصلي الربيع والصيف كما مر .

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق