إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 1 مايو 2014

1361 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> على سفوح بارناسوس -> المسرح 5- المسرح





1361


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> على سفوح بارناسوس -> المسرح

5- المسرح


كيف إذن، صعد الأدب الإنجليزي التافه إلى هذا الحد في فترة الجفاف الطويل بين تشوير وسبنسر، نقول إذن كيف صعد هذا الأدب إلى شكسبير؟ لعله بسبب نمو الثروة وانتشارها، والسلام الطويل المثمر، وبسبب الحرب المثير الظافرة، والآداب الأجنبية والأسفار التي وسعت عقول الإنجليز. وكان بلوتس وترنس Terence يعلمان إنجلترا فن الملهاة كما يعلمها سنكا أسلوب معالجة المأساة. ومثل الممثلون الإيطاليون في إنجلترا (1577 وما بعدها) وأجريت آلاف التجارب. وفيما بين عامي 1592 و1642 شاهدت إنجلترا 435 ملهاة تمثل. وتطورت الهزليات والفصول الإضافية إلى ملهاة. وتخلت الأسرار الدينية والتعاليم الأخلاقية عن مكانها للمسرحيات المأساوية الدنيوية، كما فقدت الأساطير المقدسة سلطانها على القصيدة. وفي 1553 أخرج نيقولا يودال في Ralph Roister Doister أول ملهاة



إنجليزية في شكل كلاسيكي قديم. وفي 1562 مثل المحامون في The Lnner Temple مسرحية Gorboduc وهي أول مأساة في شكل كلاسيكي.
وبدا لبعض الوقت أن ذلك الشكل، المنحدر من روما، كان محتوماً عليه أن يصوغ المسرحية الإنجليزية في قالبها، في عصر إليزابث. ودافع الجامعيون مثل هارفي، والمحامون الشعراء مثل جورج جاسكوين، والذين تلقوا تعليماً كلاسيكياً مثل سدني-دافعوا عن ضرورة ملاحظة ثلاث "وحدات" في الرواية، أي أنه لا بد أن يكون هناك "عمل" (موضوع)، وان هذا لا بد أن يجري في "مكان" واحد، ويتمثل في "يوم" واحد لا أكثر. ومبلغ علمنا أن هذه الوحدات صاغها لأول مرة لودوفيكو كاستلفترو (1570) في تعليق على "شعريات" أرسطو. إن أرسطو نفسه لا يتطلب إلا وحدة العمل، ويوصي بأن يجري هذا العمل خلال دورة واحدة للشمس" ويضيف ما يمكن أن نسميه وحدة الحالة النفسية بمعنى أن الملهاة "التي تمثل الطبقة الدنيا من الناس" لا يجوز أن تختلط بالمأساة "وهي تمثل العمل البطولي(34)". وأخذ سدني في كتابه "دفاع عن الشعر"، نظرية وحدات المسرحية عن كاستلفترو، وطبقها بدقة، ولكن في مرح لطيف، على الروايات في عصر إليزابث، تلك التي كانت الجغرافية طاغية فيها:
فترى فيها آسية من ناحية، وأفريقية في الناحية الأخرى، وكذلك ممالك سفلى كثيرة، حتى أن الممثل حين يدخل، لا بد أن يبدأ بأن يخبرك أين هو.... أما عن الزمن فهم أكثر تحرراً، وأنه لأمر عادي أن يقع أميران شابان في شرك الغرام، وبعد عوائق جمة تحمل العشية في طفل من شاب وسيم... ثم ينمو حتى يصبح رجلاً يقع في شراك الغرام، مستعداً لأن ينجب طفلاً آخر، وكل هذا على مدى ساعتين(35).
واتبعت فرنسا القواعد الكلاسيكية وأنجبت راسين، أما إنجلترا فنبذتها وهيأت لمسرحياتها المأساوية حرية رومانتيكية ومجالاً يغلب عليه المذهب الطبيعي، وأنجبت شكسبير. وكان المثل الأعلى لعصر النهضة في إنجلترا فكان الحرية والإرادة

والمرح والحياة. وكان جمهور النظارة في عصر إليزابث يتألف من صغار اللوردات ومن متوسطي الحال ومن محتلي مقاعد الدرجة الثالثة، وكان ينبغي أن يقدم لهذا الجمهور غذاء دسم متنوع، حيث كان له قدرة على الضحك ملء أشداقه، ولم يكن يعبأ بحفاري قبور يتجاذبون أطراف الحديث في المذاهب الفلسفية مع أمير، وكان لهذا الجمهور خيال لم يروض بعد، يمكن أن يقفز من مكان إلى مكان ويعبر قارة بأسرها، لأية إشارة أو تلميح. وكانت المسرحية في عهد إليزابث تمثل الإنجليز في أيامها، لا الإغريق في عهد بركليز، ولا الفرنسيين في عهد البوربون، ومن ثم أصبحت الفن القومي، على حين أن الفنون التي اتبعت نماذج أجنبية لم تتغلغل جذورها في إنجلترا.
وكان على المسرحية الإنجليزي أن تخوض معركة أخرى قبل أن تخطو إلى مارلو وشكسبير، فقد نبذت الحركة البيوريتانية الناشئة مسرح إليزابث على انه وكر للوثنية والتجديف والدنس، واستنكرت وجود النساء والبغايا بين الجمهور، واقترب المواخير من المسارح. وفي 1577 نشر نورثبروك نقداً لاذعاً عنيفاً ضد "لعب النرد والرقص والروايات. والفصول الضاحكة":
إني مقتنع بأن الشيطان ليس لديه وسيلة أسرع ولا مدرسة أصلح،

لينفذ رغبته، ويلقنها، ويوقع الرجال والنساء في شراك الغواية

والفسق والشهوات الدنيئة لدى بنات الهوى الداعرات والشريدات،

من هذه الروايات والمسارح. ومن ثم فانه من الضروري أن تحظر

هذه الأماكن ويمنع هؤلاء الممثلون، وأن يقضي عليهم، وأن

تهدم المسارح بأمر السلطات، كما هو الحال بالنسبة للمواخير وبيوت الدعارة(36).

وكان كتاي ستيفن جوسون "مدرسة الهجاء" معتدلاً نسبياً. واعترف بأن ثمة رواية وممثلين، "لا غبار عليهم". ولكنه عندما رد لودج، أقلع جوسون عن أي تمييز. وفي كتابه "Players Confuted In Five Actions"، وصف الروايات بأنها "غذاء للخطيئة وللشغب وللزنى"، والممثلين بأنهم "أساتذة



الرذيلة ومعلمو الخلاعة والفجور(37)." ورأى النقاد في الملهاة صوراً للرذيلة تفسد الأخلاق، وفي المأساة أمثلة مثيرة للقتل والخيانة(38) والتمرد. وفي السنوات الأولى من حكم إليزابث كان يوم الأحد هو اليوم المخصص للتمثيليات. وكانت الأبواق تعلن عنها، كما تدعو أجراس الكنائس الناس إلى صلوات المساء. وكم فزع رجال الدين من تسلل جمهور الكنيسة خلسة من صلواتهم ليزاحموا المسرح. وتساءل أحد الوعاظ: أليست رواية قذرة تستحث بنفخة من بوق ألفا من الناس للحضور بأسرع مما تحضر دقات الناقوس لمدة ساعة مائة منهم لسماع موعظة(39)؟" وذهب نورثبرك إلى أبعد من ذلك فقال: "إذا كنتن تعرفن كيف تخدعن أزواجكن، أو خداع الأزواج لزوجاتهم، وكيف تمثلن دور بنات الهوى، وكيف يكون الملق والمداهنة والكذب والقتل والتجديف على الله، وترديد الأغاني القذرة... فهلا تتعلمن كيف تمارسن كل هذا في مثل هذه الفصول الماجنة؟(40)".
ورد الكتاب المسرحيون على هذا بنشرات أصدروها، وبالسخرية من البيوريتانيين في مسرحياتهم. من ذلك ما أورد مالفوليو في رواية "الليلة الثانية عشرة"، حيث يسأل سير توبي بلش لمهرج في تلك الرواية: "هل تظن أنه لن يكو ن هناك كعك وجعة لأنك رجل متمسك بأهداب الفضيلة؟" فيجيب المهرج "نعم، وبحق سانت آن، وسيكون الزنجبيل كذلك ساخناً في الفم(41)." واستمر هؤلاء الكتاب، حتى شكسبير نفسه، يملحون رواياتهم بشيء من أعمال العنف والغضب وسفاح ذوي القربى والزنى والدعارة. وهناك في رواية شكسبير "بركليز" مشهد عرض حجرة في ماخور يشكو مديره العام من أن: "العاملات عنده بتن من العمل المتواصل، في أسوأ حال(42)".
وذهبت سلطات مدينة لندن0وكان بعضهم من البيويتاريين- إلى أن البيوريتانيين ألزموا معارضيهم الحجة. وفي 1574 حرم "المجلس العام" تمثيل الروايات إلا بعد فحصها وإجازتها، ومن هنا جاء بيت شكسبير "لقد كممت السلطات أفواه الفن(43). ولكن، لحسن الحظ، كانت إليزابث ومجلس شورى الملكة مغرمين بالمسرحيات، وكان لبعض اللوردات فرق من الممثلين، وفي ظل


رقابة متراخية على المصنفات، أجيزت ست فرق لإخراج الروايات في المدينة.
وقبل 1576 كانت الأعمال المسرحية تجرى أساساً على منصات مؤقتة في أفنية الفنادق. ولكن في تلك السنة بنى جيمس بوربدج أول مسرح دائم في إنجلترا،وأطلق عليه ببساطة اسم "المسرح". وللإفلات من سلطان الجهات المسئولة في لندن أقيم المسرح خارج حدود المدينة نفسها، في ضاحية شوردتش، وسرعان ما أقيمت مسارح أخرى: (1577؟) The Black Friars, The Curtain، (1596) The Fortune، (1599). وفي تلك السنة الخيرة هدم ريتشارد وكوثبرت بوردبدج مسرح والدهما، وأقاما المسرح المشهور Globe في سوثوراك على نهر التاميز تماماً. وكان مثمن الأضلاع في شكله الخارجي، ولكن ربما كان مستديراً في الداخل، ومن ثم أطلق عليه شكسبير "هذه الدائرة الخشبية This Wooden O،(44). وكانت كل مسارح لندن من الخشب قبل 1623. وكان معظمها عبارة عن مدرجات كبيرة تتسع لنحو ألفين من المتفرجين جالسين في صفوف من شرفات محيطة، ويمكن لألف آخرين أن يشاهدوا الرواية وقوفاً في الساحة التي حول المنصة أو خشبة المسرح. وهؤلاء "الألف" هم "جمهور الدرجة الثالثة" الذين وبخهم هملت بأنهم "المشهد الصامت والضجيج(45)" وكان المشاهد الواقف يدفع بنساً واحداً، أما الجالس في الشرفات فيدفع بنسين أو ثلاثة، أما المقعد على المنصة فكان يكلف أكثر من ذلك قليلاً. وكانت هذه المنصة عبارة عن منبسط يخرج من أحد الجدران إلى وسط الساحة. وفي المؤخرة كانت غرفة الملابس، وفيها يرتدي الممثلون ملابسهم، ويتولى "خازن المسرح" أمر أدوات التمثيل والإخراج المسرحي، وكانت تشمل قبوراً وجماجم وصناديق أشجار، وشجيرات الورد، وعلب مجوهرات وستائر ومراجل، وسلالم وأسلحة، وأدوات، وقوارير دم وبعض رؤوس مفصولة وكان يمكن بواسطة الآلات إنزال الآلهة والإلهات من السماء، أو رفع العفاريت والسحرة من الأرض، كما يمكن إسقاط المطر بشد حبل، وتعليق الشمس في السماء "بحزام مزدوج(46)". وكان على هذه الأدوات أن تعوض عن جهاز المسرح. وعوقت المنصة المكشوفة غير المحجوبة سرعة تغيير الوضع. وعوضاً عن ذلك كان


التمثيل وسط الجمهور تماماً، حتى ليكاد يحس بأنه جزء من الحدث.
ولم يكن النظارة يشكلون جزءاً صغيراً من المسرح، وكان متعهدو الحفلات يبيعون التين والتفاح والبندق والكتيبات للمتفرجين، وفيما بعد ذلك- إذا صدقنا وليم برين البيوريتاني،-كانت الغلايين تقم للنساء(47). وجاءت النساء إلى الروايات أفواجاً، لا يعوقهن عن ذلك تحذيرات المنابر بأن مثل هذا الاختلاط يحرض على الغواية. وفي بعض الأحيان-حين كان الصراع الطبقي يعترض المسرحية، كان جمهور الدرجة الثالثة يقذفون بمخلفات طعامهم على المتأنقين الجالسين على المنصة، ويجدر بنا، لكي نفهم الرواية في عصر إليزابث، أن نذكر هذا الجمهور: العاطفة التي تهلل لقصة الحب، والمرح القلبي الحماسي الذي تلهف على رؤية المهرجين مع الملوك، والخيلاء التي استساغت البلاغة، والحيوية الفظة التي استمتعت بمشاهد العنف- كما نتذكر قرب المنصة المثلثة الجوانب التي تعزى بالمناجاة والكلام على انفراد.
وكثر الممثلون، وكاد الممثلون جوابو الآفاق أن يظهروا في أية مدينة تقريباً في أيام الأعياد والاحتفالات، يمثلون في ميدان القرية، أو في فناء الحانة، أو في حظيرة للماشية أو في قصر من القصور، وفي أيام شكسبير لم يكن هناك ممثلات، وكان الأولاد يمثلون الأدوار النسائية، فكان يمكن للمشاهدين في أيام إليزابث أن يروا ولداً يمثل امرأة متنكرة في زي فتى أو رجل. وفي المدارس الخاصة الأرستقراطية قدم الطلبة مسرحيات كجزء من تدريبهم أو دراساتهم. ونافست فرق الممثلين الأولاد هذه فرق الممثلين الكبار، عن طريق عرض الروايات في مسارح خاصة للجمهور وللمتفرجين الذين يدفعون أجوراً، وشكا شكسبير من هذه المنافسة(48)، وتوقفت بعد 1626.
وحتى يتفادى الممثلون البالغون إدراجهم في مصاف المتشردين، نظموا أنفسهم في فرق تحت رعاية وحماية النبلاء الأثرياء- ليستر، سسكس، أكسفورد، اسكس وكان للورد أمير البحر فرقة، وكذلك للورد كبير الأمناء، وكان هؤلاء الرعاة والحماة يدفعون أجور الممثلين عن العروض التي يقدمونها في قاعات البارونات والنبلاء. وفيما عدا هذا عاش الممثلون مزعزعين غي مستقرين على أنصبتهم في فرقتهم.



ولم تكن الأنصبة توزع توزيعاً عادلاً، فكان للمدير الثلث، واستولى نجوم الممثلين على نصيب الأسد من الباقي. وترك ريتشارد بوريدج- وهو أشهر هؤلاء النجوم- أملاكاً تدر 300 جنيه سنوياً، أما منافسه إدوارد اللين Alleyn فقد شاد وتبرع بكلية دلوتش في لندن. وكوفئ مشاهير رجال المسرح بإعجاب الجمهور الأعمى بهم، ويتهافت السيدات عليهم يخطبن ودهم.
ويروي لنا جون ماننجهام في مذكراته عن مارس 1602 قصة مشهورة:
ذات مرة، حين مثل بوريدج "ريتشارد الثالث"، كانت هناك مواطنة قريبة الشبه به إلى حد بعيد، لدرجة أنها قبل أن تنصرف من الرواية حددت له موعداً ليحضر إليها تلك الليلة باسم ريتشارد الثالث. وكان شكسبير يسترق السمع إلى الحديث، فسبقه إليها، ولقي ترحيباً ونفذ خطته قبل حضور بوريدج. ثم جاء رسول يقول إن ريتشارد الثالث بالباب، فرد شكسبير الرسول ليقول إن وليم الفاتح سبق ريتشارد الثالث(49).


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق