551
موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. إشكاليات
الجزء الرابع: عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية
الباب الخامس: بعض إشكاليات الإبادة النازية ليهود أوربا
إشكــــالية ملاحقــــة مجــــرمي الحــــرب النازيـــين
The Problematic of Hunting down Nazi War Criminals
تقوم إسرائيل بتعقب مجرمي الحرب النازيين بروح انتقامية مفترسة لا يمكن أن توصف إلا بالتطرف، خصوصاً أن الحرب انتهت منذ حوالي خمسين عاماً، أي أن الغالبية الساحقة للشعب الألماني كانوا أطفالاً أثناء الحرب أو لم يكونوا قد وُلدوا بعد. كما أن المحاكمات التي أجراها الحلفاء، والتي تمت بمنهجية وشمولية كاملتين، عاقبت الغالبية الساحقة من مجرمي الحرب النازيين والمتعاونين مع النظام النازي. ومع هذا تستمر عمليات الملاحقة والمحاكمة (كما حـدث مع أدولف أيخمان وكـلاوس باربي وكـورت فالـدهايم وجون ديمانجوك).
وتهدف المطاردة المستمرة لمجرمي الحرب النازيين إلى تعميق الإحساس الغربي بالذنب تجاه اليهود وتذكير الشعب الألماني، والشعوب التي قاتلت إلى جانب ألمانيا، بمسئوليتها عن هذه الإبادة وإظهار الإبادة كما لو كانت موجهة ضد اليهود وحسب، وتوظيف هذا الشعور في إضفاء شرعية على الوجود الصهيوني في فلسطين. كما تأتي في سياق السعي إلى تعميق إحساس أعضاء الجماعات اليهودية بهويتهم اليهودية وبالمصير اليهودي المشترك، خصوصاً مع تزايد معدلات الاندماج وتآكل الجانب الديني للهوية اليهودية بين أعضاء الجماعات اليهودية في الدول الأوربية والغربية الحديثة. ومن هنا تأتي ضرورة إحياء ذكرى الإبادة بصفة مستمرة عن طريق عمليات المطاردة للنازيين القدامى وتقديمهم إلى المحاكمة في ظل متابعة إعلامية كثيفة. بالإضافة إلى أن التذكير والتلويح بخطر الإبادة قد يدفع أعضاء الجمـاعات اليهـودية إلى الهجــرة إلى إسرائيل.
وقد نجحت إسرائيل عام 1979 في إلغاء مبدأ تقادم جرائم مجرمي الحرب في ألمانيا الغربية، ولكنها اعتقلت آلافاً منهم مع أن نسبة إدانتهم في النهاية كانت تتراوح بين تسعة في المائة عام 1964 وواحد ونصف في المائة عام 1976. ففي عام 1972، مثلاً، اعتُقل ستة عشر شـخصاً بشبهة أنهم مارتن بورمان (نائب هتلر)، ثم ثبتت براءتهم جميعاً. وتحت الضغط اليومي المكثف، أنشأت وزارة العدل الأمريكية عام 1980 مكتباً للتحقيق مع مئات الأمريكيين من مجرمي الحرب، ولكنها لم تُوفَّق كثيراً في التوصل إليهم.
وفي كندا، صرح كثير من الصهاينة بوجود ما لا يقل عن ستة آلاف من مجرمي الحرب، فأُسِّـست في أوائل عام 1985 لجنـة للبحث عـن مجرمي الحرب (لجنة ديشين Deschênes Commission) وقُدِّم لها 2114 اسماً. كما قدَّم سيمون ويزنتال، المتخصص في تعقب مجرمي الحرب، قائمة من 217 اسماً زعم أنهم أعضاء في فرق الإس. إس. من أوكرانيا وعملوا في جاليشيا. وقد استغرق عمل اللجنة سنتين ثم قدمت تقريرها في ديسمبر 1986، وتبين أن هناك عشرين اسماً فقط، من بين 2114 اسماً، أوصت اللجنة إما بمحاكمتهم أو بترحيلهم. أما قائمة ويزنتال، فقد ظهر أن 187 منهم لم يدخلوا كندا قط. ومن الثلاثين الباقين، حضر اثنان بالفعل إلى كندا ثم غادراها، ومات أحد عشر شخصاً، بينما كان هناك ستة عشر شخصـاً لــم يثبت أي شــيء ضدهم. أما المتهم الوحيد البـاقي، فلـم يمكن الاسـتدلال عليه. وقد طلبت اللجـنة مـن ويزنتال أن يزودها بمزيد من الأسـماء، ولكنـه لم يتمكن من ذلك. وهو أمر متوقع بعد أن قام الحلفاء بعملية « نزع الصبغة النازية عن ألمانيا ».
وقد بدأ كثيرون يُعبِّرون عن ضيقهم من عملية الملاحقة. فقد ذكرت صحيفة التايمز البريطانية في عام 1972 أن ثمة دلائل متزايدة على أن الرأي العام صار ضد تعقب الشيوخ بدعوى أنهم مجرمون نازيون. وأشارت جريدة ديلي تلغراف البريطانية إلى أن حراس السجون والكثير من الناس في ألمانيا نفسها يتساءلون عن الحكمة في استمرار محاكمات جرائم النازية بعد مرور كل هذه السنوات على انتهاء الحرب. وعندما زار الكاتب الألماني جونتر جراس إسرائيل عام 1971 صارح شعبها بأنه لا يحب عقلية التـوراة التي تقـول إن على الجيلين الثاني والثالث أن يحملا وزر جيل سبقهما.
وتُعدُّ محاكمة أيخمان وكلاوس باربي وديمانجوك وحادثة فالدهايم نموذجاً لعمليات الملاحقة التي تقوم بها إسرائيل، بكل ما تنطوي عليه من دلالات.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق