549
موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. إشكاليات
الجزء الرابع: عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية
الباب الخامس: بعض إشكاليات الإبادة النازية ليهود أوربا
ستة ملايين يهودي: عدد ضحايا الإبادة النازية ليهـود أوربا؟
Six Milion Jews: Number of European Jewish Victims of Nazi Extermination?
يرد في وسائل الإعلام الغربية رقم «ستة ملايين» باعتباره عدد ضحايا الإبادة النازية لليهود. وقد استقر الرقم تماماً حتى أصبح من البدهيات، ولكن هناك رفضاً مبدئياً للرقم في الأوساط العلمية اليهودية وغير اليهودية. فعلى سبيل المثال قام راؤول هيلبرج في كتابه تدمير يهود أوربا (1985) بتخفيض العدد من ستة إلى خمسة ملايين (بعد دراسة إحصائية مستفيضة للموضوع). وذكر سيسيل روث، في موسوعته اليهودية، أن الهولوكوست نُفذ بطريقة يصعب معها التحقق من دقة الأرقام، وأن العدد يتراوح بين أربعة ملايين ونصف المليون وستة ملايين يهودي. ويميل المؤرخ الأمريكي اليهودي(صهيوني النزعـة) هوارد ساخار إلى الأخذ برقم أربعة ملايين ونصف مليون. وهناك من الأدلة الإحصـائية ما يرجح الأخذ برأي ساخار، فالكتاب السنوي ورلد ألماناك لعام 1939 يقدر يهود العالم آنذاك بنحو 15.6 مليون. وفي عام 1950، قُدِّر عددهم بنحو 16.6 مليوناً، في حين قدرته صحيفة نيويورك تايمز عام 1948 بما بين 15.7 و18.6مليون، وهناك تقديرات تذهب إلى أن عددهم أقل من ذلك، وقد يصل إلى ما بين 13 و14 مليوناً. وفي جميع الحالات، لا يمكن أن يزيد عدد من اختفوا على أربعة ملايين. ومؤخراً، ذكر المؤرخ الإسرائيلي يهودا باور، مدير قسم دراسات الهولوكوست في معهد دراسات اليهود في العصر الحديث التابع للجامعة العبرية، أن الرقم ستة ملايين لا أساس له من الصحة، وأن الرقم الحقيقي أقل من ذلك. وبيَّنت بحوث المؤرخ الفرنسي جورج ويلير G. Wellers أن العدد الإجمالي لمن أُبيدوا في أوشفيتس من اليهود وغير اليهود ليس أربعة ملايين وإنما هو 1.6 مليون وحسب، وأن هؤلاء لم يقضوا حتفهم من خلال أفران الغاز وحسب وإنما أيضاً بسبب الجوع والمرض والموت أثناء التعذيب والانتحار. ومما يجدر ذكره أن من يتبنون رقم ستة ملايين وغيره من الأرقام لا يشيرون من قريب أو بعيد إلى ظاهرة اختفاء اليهود من خلال عوامل طبيعية مثل الزواج المختلط وسوء التغذية والغازات والأوبئة (التي تتزايد بسبب ظروف الحرب).
وبغض النظر عن الرقم مليون أو الأربعة أو الستة ملايين،فإن ثمة خللاً أساسياً في المنطق الصهيوني يمكن تلخيص بعض جوانبه فيما يلي:
1 ـ التركيز على اليهود بالذات دون الجماعات الأخرى. فمع أن اليهود عانوا، مثلهم في ذلك مثل غيرهم من ضحايا النازية، إلا أن سياسة هتلر في الإبادة كانت موجهة أيضاً نحو الغجر والكاثوليك والمعارضين السياسيين والمرضى والمتخلفين عقلياً والسلاف عامة والبولنديين والروس على وجه الخصـوص. وقد بلغ عـدد ضحـايا الحرب ما بين خمسـة وثلاثين مليوناً وخمسين مليون، وخسر الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية ما بين سبعة عشر وعشرين مليوناً بين مدنيين وعسكريين، وخسر البولنديون نحو خمسة ملايين بعضهم من اليهود. وخسر الصينيون ما يزيد على عشرة ملايين ماتوا جوعاً أو قتلاً على يد الاحتلال الياباني.
2 ـ التركيز على المدنيين دون العسكريين. ومع ذلك، فإنه من بين العشرين مليون سوفيتي الذين قُتلوا في الحرب، كان هناك أربعة ملايين ونصف مليون مدني والباقون من العسكريين، ناهيك عن عدة ملايين من الألمان أرسلهم هتلر للموت في ساحة القتال. كما كان هناك كثيرون من جنود الحلفاء ضمن من قُتلوا في الحرب. ويجب ألا ننسى الجنود من الأفارقة والآسيويين الذين جُنـدوا، رغـم أنفهم، ليشتركوا في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حيث كانوا يوضعون في الصفوف الأمامية باعتبارهم مادة بشرية رخيصة.
3 ـ التركيز على الماضي دون الحاضر، وعلى ملايين اليهود الذين هلكوا قـبل نحـو نصـف قرن، دون اهتمـام مماثل بالملايين التي أُبيدت بعد ذلك. فقد فقدت كمبوتشيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية نحو مليوني شخص، وفَقَدت الجزائر أكثر من مليون شخص، وفقدت أفغانستان منذ الغزو السوفيتي عام 1978 نحو مليون قتيل، فضلاً عن مليوني مهاجر داخل البلد وخمسة ملايين مهاجر إلى خارجها حتى صاروا يمثلون نصف مجموع اللاجئين في العالم.
4 ـ وهناك، بطبيعة الحال، مشكلة ملايين الفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم والذين يخضعون لظروف إرهابية شبه دائمة.
لكن التشكيك في مدى دقة الرقم (الستة ملايين) لا يعني بحال من الأحوال التشكيك في الجريمة النازية ذاتها، فالجريمة النازية هي إحدى جرائم الحضارة الغربية الحديثة العديدة التي لا يمكن التهوين من شأنها. وما نهدف أساساً إليه من خلال مناقشة هذه الإشكالية هو تصحيح الرقـم ووضع الظاهرة في سياق إنساني عام ومنظور تاريخي شامل، بحيث نُحدِّد هويتها باعتبارها جريمة غربية محددة ضد قطاعات بشرية عديدة بدلاً من أن تكون جريمة ألمانية ضيقة أو جريمة عـالمية غير محـدَّدة ضـد اليهود كلهم، وضد اليهود دون سواهم. ونحن بهذا ننقذ واقعة الإبادة من سخافات الإعلام الغربي والصهيوني، ولعبة الأرقام الطفولية التي تخبئ الأبعاد التاريخية والأخلاقية والإنسانية العامة للواقعة.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق