إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

39 موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري المجلد الأول: الإطـار النظــرى الجزء الأول: إشكاليات نظرية الباب الرابع :الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية إشكالية الإنسانى والطبيعى في العالم العربى



39


موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

للدكتور عبد الوهاب المسيري

المجلد الأول: الإطـار النظــرى

الجزء الأول: إشكاليات نظرية

الباب الرابع :الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية

إشكالية الإنسانى والطبيعى في العالم العربى

ثمة وعي عميق بإشكالية التمييز بين الإنساني والطبيعي في الأدبيات العربية، فالمفكر الماركسي د. فؤاد مرسي يدعو بوضوح في كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية (في دراسة له بعنوان "المنهج بين الوحدة والتعدد") إلى عدم التمييز بين الإنسان والطبيعة فيُعرِّف الإنسان بأنه "قوة من قوى الطبيعة"؛ إنسان طبيعي/مادي يتكيف معها ولكنه في الوقت نفسه يُعيد صياغتها. وهذه هي الإشكالية الكبرى التي تواجه الماديين ودعاة العلمانية الشاملة: هل الإنسان الطبيعي/المادي يزعن للطبيعة أم يهيمن عليها؟ وتتضح الإشكالية في كتابات د. فؤاد مرسي نفسه، فهو يؤكد أن الإنسان سـيزداد وعياً ومن ثم سـيزداد بُعداً عن الحيوان. ولكنه يعـود ويُعرِّف الإنسـان في إطار طبيعي مادي ويجد أن "الاقتصاد هو مجال رئيسي للعلاقة المتبادلة بين الطبيعة والمجتمع"، فبعد أن "ابتعد" الإنسان عن الحيوان، وهو ما يعني ابتعاده عن الطبيعة وتفوقه عليها فإنه يعود فيدخل في علاقة "تبادلية" تفترض المساواة الكاملة. وتظهر هذه التبادلية بشكل أوضح حين يُوحِّد د. فؤاد مرسي بين الطبيعة والمادة فيقول "لهذا أصبح العلم كله، طبيعياً واجتماعياً، علماً ذا طابع اجتماعي". و"أصبح تَقدُّم البشرية حالياً رهناً إلى حدٍّ كبير بالتداخل الأكبر والتفاعل بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية". والتداخل والتفاعل قد يعني ثنائية (وهو ما يرفضه الفكر المادي)، وقد يعني مساواةً وتَوحُّداً، وهو الأرجح، ولذا نجده في السطر التالي يقول: "إن كل محاولة للفصل بين المجتمع والطبيعة تصبح محاولة وهمية. فوجود المجتمع هو جانب من وجود الطبيعة". ولكنه يعود للثنائية فيقول: "وتاريخ المجتمع هو تاريخ امتلاك الإنسان للطبيعة"، ثم يعود للواحدية فيقول: "إن وحدة الثورتين التكنولوجيـة والاجتماعية كفيلة في المسـتقبل أن تجعل من البشـر لأول مرة في التاريخ، السادة الحقيقيين للطبيعة". ثم يتحدث عن احتدام الصراع بين الطبيعة والإنسان وعن "الإنسان الشامل الذي يختزن في نفسه قدراً لا مثيل له من المعرفة بالكون كله". ولكن ما هي النتيجة النهائية لهذا التأرجح الكوميدي بين الاندماج العضوي في الطبيعة والإذعان لها من جهة، والانفصال عنها وتملكها والهيمنة عليها من جهة أخرى. يختتم الدكتور مرسي مقـاله بقوله "هناك يتوحَّد الإنسان تماماً مع المجتمع والطبيعة"، أي أن الحالة الجنينية والواحدية المادية تنتصر تماماً. وعلى كلٍّ، فإن عنوان هذا الجزء من المقال هو "نحو وحدة الكون" وليس "نحو مركزية الإنسان في الكون أو هيمنته عليه".

ولكن العدد الأكبر من علمائنا الأجلاء كانوا من المدافعين عن الإنسان ضد المادية والطبيعية. فعلى سبيل المثال، يقول الدكتور حامد عمار في كتابه من همومنا التربوية والثقافية:

"إن منهج التفكير العلمي الذي أرسته العلوم الطبيعية قد شاع باعتباره المنهج الصحيح الوحيد في الوصول إلى المعرفة الصحيحة. واصطنعت العلوم الاجتماعية الإنسانية هذا المنهج في دراستها وبحوثها. بيد أن معظمها قد توقف عند المرحلة النيوتونية من مناهج البحث العلمي الطبيعي، واختزال المنهج إلى تجزئة الظواهر وتفكيك أجزائها، ومحاولة فرض الفروض المرتبطة بذلك الجزء أو ذاك، وإخضاع الفروض حوله للقياس والاختبار. وجرى العُرْف عند الكثيرين على اعتبار النتائج علمية ثابتة غير قابلة للتعديل.

"وأُطلق على هذه التجزئة للظواهر وإخضاعها للدراسة الميدانية العينية ما عُرف باسم المنهج الإمبيريقي أو الوصفي، محللاً للظاهرة كما تُوجَد في موقعها الزماني والمكاني... ودون تَصوُّر لأنواع العلاقات ودينامياتها في الظاهرة المدروسة مع سياقها الثقافي الاجتماعي. ومن ثم فقدت الدراسة منظوماتها العضوية الدينامية في إطار الزمان والمكان والبُعد التاريخي لنشأتها وتطورها وتوظيفها الاجتماعي.

واستقر في أذهان كثير من الباحثين الاجتماعيين أن نتائجهم علمية لا يرقى إليها التصحيح... وأصبح من المسلمات في الرسائل الجامعية في العلوم الاجتماعية الإنسانية ألا تُعاد دراسة الموضوع؛ لأن ما سبق من بحوث قد استقر [باعتباره] حقائق علمية. ثم إن هذه البحوث تدَّعي الموضوعية العلمية المطلقة، وأن لا شأن لذات الباحث أو أيديولوجيته أو تحيزاته أي تدخُّل في مختلف مراحل البحث وتفسيراته، فالنتائج جاءت «علمية» من خلال معطيات الواقع العيني.

"ومع هذا الاختزال الإمبريقي الوضعي الوظيفي للمنهج العلمي الطبيعي في آفاقه الرحبة والمتجددة، فإن ثمة مناهج أخرى للمعرفة العلمية تبدأ من الملاحظة والمشاركة الملاحظة (بكسر الحاء) امتداداً إلى الحس التاريخي والوعي الذاتي. والبصيرة والحدس، والفهم الكيفي في السياق الثقافي الاجتماعي التاريخي والخبرة الإنسانية. وليس بالضرورة أن تلجأ تلك المناهج إلى البيانات الرقمية والقياس؛ إذ أن تلك الأدوات كثيراً ما تُشوِّه المعرفة بعالم الوعي والخبرة والفهم النوعي للواقع وإمكانات المستقبل، فضلاً عن قصورها عن فهم القيم وديناميات الدوافع والأخلاق.

"إن هذه الأساليب والأدوات المعرفية تصبح علمية طالما قامت على ملاحظة منتظمة أو خبرة مطردة، وطالما كانت بياناتها وشواهدها منطقية ومتسقة في نموذج مفاهيمي. وتتدعم علميتها مع اختبارها وتقييمها على أرض الواقع ومن خلال الممارسة، وقد تتدعم فيما بعد بجوانب كمية للتوضيح والتعزيز. ومن هنا فإن على العلوم الاجتماعية الإنسانية أن تُعنَى بمعالجة القضايا النوعية والقيمية المستمدة من الخبرة الإنسانية ومجالاتها فيما يستقر بها من الشعور والوعي ومن اللاشعور والحدس دون أن تُنقص عوامل الذاتية من جدوى المعارف المُتوَلدة من مثل هذه المناهج. وفي قضايا التربية والاجتماع وعلم النفس مساحات عريضة لجدوى توظيف تلك المناهج بما فيها من ضبط وتنظيم وقابلية للمراجعة والتفنيد والتطوير".

وفي كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية، يُبيِّن الدكتور حسن الساعاتي في مقال بعنوان "إشكالية المنهج في العلوم الاجتماعية" أن علماء الاجتماع الذين تأثَّروا بمناهج الدراسـة والعلـوم الطبيعية يذهـبون إلى "أن العلوم الاجتماعية، وعلى رأسها علم الاجتماع، لا تكوِّن علوماً بمعنى الكلمة، أي دقيقة ومضبوطة النتائج، إلا إذا تَرسَّم علماؤها خطى الباحثين في العلوم الطبيعية التي يرتكز محور التفكير في ظواهرها على التجريب، أي ما يجرونه عليها من تغيير مقصود وبطريقة مرسومة من قبل، مستهدفين أهدافاً معيَّنة يستنتجون منها الحقائق، إذا تكرر استقراؤها من تجارب مماثلة صارت نظريات علمية أو قوانين ثابتة.

"وقد فات هؤلاء العلماء...، وغيرهم ممن قلدوهم في مسارهم الفكري بدون رويّة واستبصار، أن الظواهر الاجتماعيـة تختلف تماماً عن الظواهر الطبيعية التي لا عقل ولا إرادة لعناصرهـا، والتي ينمُّ مظهرها عن مخبرها، لأنها، في رأينا، أحادية النسق، تحكمها كلاًّ أو جزءاً قوانين ونظريات واحدة لا تتبدل. ولذلك نجد أن كلاًّ من الملاحظة الحسية، أي المشاهدة، والملاحظة العقليـة، أي التأمل والاسـتبصار، وجميع خطوات التجريب التي تُجرَى عليها، بوصفها ظواهر طبيعية أحادية النسـق، تستوعبها كلها في جميع مظاهرها، لأن ظاهرها لا يختلف عن باطنها في شيء، حتى إنه ليدل عليه دلالة تامة، لما بين الظاهر والباطن من ارتباط عضوي شامل متكامل.

"أما الظواهر الاجتماعية فتختلف عن الظواهر الطبيعية في أنها، بوصفها ظواهر عنصرها الأساسي الإنسان الاجتماعي العاقل ذو الإرادة، الذي يعيش مُعاشراً لغيره من البشر ومرتبطاً بهم بشتى العلاقات الاجتماعية، نقول تختلف في أنها ثنائية النسق. فكما أن للإنسان جوانية وبرانية، فهي بالمثل ذات نسقين، أحدهما جواني أي باطن، والآخر براني أي ظاهر. ومادامت كذلك، فإن البحث فيها ينقسم إلى قسمين: أحدهما يُعنَى بالنسق البراني، أي بما يتبدَّى من الظاهرة الاجتماعية للحواس فتدركه وتتعقله، والآخر يُركِّز على النسق الجواني الخفي منها، الذي يُعدُّ غرفة عمليات للنسق البراني، ليستجلبه ويدركه ويتعقله".



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق