37
موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الأول: الإطـار النظــرى
الجزء الأول: إشكاليات نظرية
الباب الثالث: النزعة الجينية
الثنائية الفضفاضة:
نمط إنسانى (ربانى)عام
«النزعة الربانية» تعني خروج الإنسان من نطاق المرجعية الكامنة المادية ودخوله في نطاق المرجعية المتجاوزة مما يعني ظهور ثنائية أساسية لا يمكن محوها، هي ثنائية الخالق والمخلوق الفضفاضة. هذه الثنائية تعني زوال أية واحدية ذاتية كانت أم موضوعية. لأن في إطار المرجعية المتجاوزة لا يمكن للإنسان أن يسقط في الجنينية التي تحطم الحدود بين الكل والجزء، ولا يمكن أن يتمركز حول ذاته. كما لا يمكن للموضوع (المادي) أن يتمركز حول نفسه، إذ يظل مركز الكون خارجه. وثنائية الخالق والمخلوق الفضفاضة ينتج عنها ثنائية أخرى هي ثنائية الإنسان والطبيعة، فالإله يزود الإنسان بالعقل الذي يميِّزه عن سائر الكائنات، وهذا ما يجعله إنساناً إنسان (أو إنساناً ربانياً)، أي إنساناً غير طبيعي/ مادي، له جوهره الإنساني المتميز عن الطبيعة/المادة، يعيـش في الحـيز الطبيعي/المادي نفسـه ولكنه قادر على تجاوزه وتجاوز ذاته الطبيعية. وهذا الكائن الذي يحوي داخله الأسرار، يستعصي على التفسيرات الطبيعية/المادية ولا يمكن اختزاله أو رده إلى مبدأ واحد ولا يمكن التحكم فيه تحكماً كاملاً، إنه إنسان يبحث عن المعنى في الكون ولا يستسلم للعبث أو العدمية أو الواحدية المادية، إنسان حر قادر على اتخاذ قرارات أخلاقية وعلى تحمُّل المسئولية، ومن ثم يشكِّل ثغرة في النظام الطبيعي وتحدياً للمنظومات المعرفية والأخلاقية الواحدية المادية.
كل هذا يعني انفصال الإنسان عن الطبيعة وأسبقيته وأفضليته عليها. ولكنها تفترض أيضاً وجوده فيها واعتماده عليها واحترامه لها، فهو ليس بمركز الكون، وهو ليس سيد الطبيعة، فمالكها هو الله. ولذا فهو مستخلف فيها يتفاعل معها.
إن الثنائية الفضفاضة (ثنائية الخالق والمخلوق والإنسان/الطبيعة) ليست اثنينية أو ثنائية صلبة لأن الإنسان، من خلال النزعة الربانية داخله، ينفصل عن الإله وعن الطبيعة ولكنه يتفاعل ويتجاوب معهما، ومن خلال تفاعله يكتسب المقدرة على التجاوز وتزداد حريته. والوجود الإنساني الأمثل ليس محو النزعة الجنينية والتعبير الخالص عن النزعة الربانية، ولا هو محو النزعة الربانية والتعبير الخالص عن النزعة الجنينية، وإنما التكامل والتقابل بينهما. وهذه الثنائية الوجودية الأنطولوجية الأساسية الفضفاضة تتجلى في المنظومات المعرفية (مجهول/معروف ـ غيب/علم ـ مطلق/نسبي ـ روح/جسد) والمنظومات الأخلاقية (خير/شر) والدلالية (دال/مدلول) والجمالية (جميل/قبيح)، وعلى كل المستويات (ذكر/أنثى ـ أعلى/أسفل ـ سماء/أرض). وهناك ثنائية غير متعادلة تُفترَض فيها أسبقية العنصر الأول على العنصر الثاني (جميل/قبيح) ولكن هناك أيضاً ثنائيات لا تُفترَض فيها أسبقية عنصر على الآخر (ذكر/أنثى) وإن كانت تفترض الاختلاف.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق