21
موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
للدكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الأول: الإطـار النظــرى
الجزء الأول: إشكاليات نظرية
الباب الثانى: مفـردات
المجرد والعينى (أوالمتعين)
التجريد، في اللغة، هو «التعرية من الثياب» وهو «التشذيب»، و«جرَّد الشيء» يعني «قشَّره وأزال ما عليه»، و«جرَّد الكتاب» يعني «عراه من الضبط والزيادات»، و«جرَّده من ثوبه» يعني «عرَّاه»، و«جرَّد الجرادُ الأرضَ» يعني «أكل ما عليها من النبات، وأتى عليه فلم يبق منه شيء»، ويقال أيضاً «جرَّد القحطُ الأرضَ» أي «أذهب نباتها».
التجريد، إذن، عزل صفة أو علاقة عزلاً ذهنياً، وقَصْر الاعتبار عليها، مثلما يُجرَّد امتداد الجســم من كتلته، مع أن هاتين الصفتين لا تنفكان عن الجسم في الوجود الخارجي، فهو عملية تفكيك لظاهرة ما ثم إعادة تركيب لها بهدف عزل الصفة موضع الاهتمام.
والهدف من التجريد توفير إمكانية النظر إلى ما يتصوَّر المرء أنه أهم سمات ظاهرة ما وحدودها في صورتها النقية البحتة (جوهرها) بدون مراعاة مختلف التأثيرات الثانوية والجانبية والعرضية. وهي عملية تحديد وفصل، أي تعيين حدود تتم من خلالها استبعاد جزئيات وتفاصيل وصولاً إلى الظاهرة التي يحاول العقل فهمها، فالتجريد من ثم إستراتيجية تحليلية أساسية. والتجريد مسألة أساسية في عملية صياغة النماذج وفي عملية استخدامها واكتشافها، فالتفكيك والتركيب هما في جوهرهما عمليتان تجريديتان.
ويرتبط التجريد بفكرة الكل، إذ لا يمكن الوصول إلى الكل المتجاوز للأجزاء، والثبات الكامن وراء الصيرورة، والجوهر الكامن وراء الظواهر المتنوعة إلا من خلال عملية تجريدية. ولذا نجد أن فلسفة ما بعد الحداثة المعادية تعادي التجريد لأنها ترى أن فكرة الكل ملوثة بالميتافيزيقا (باعتبارها شكلاً من أشكال الثبات) ولأنها تريد أن تدفع بكل شيء إلى قبضة الصيرورة حتى يختفي الكل والجوهر، بما في ذلك الكل والجوهر الإنساني، وتؤدي إلى موت الإنسان بعد موت الإله، بل وتزيل ظلال الإله تماماً من الكون، وتأخذ الفلسفة البنيوية موقفاً مغايراً تماماً، فهي تزيد من معدلات التجريد إلى أن تصل إلى مستويات تجريدية عالية جداً، تصل إلى عالم الذرات والأرقام مما يؤدي إلى اختفاء الكل والجوهر الإنساني، فتؤدي هي الأخرى إلى موت الإنسان.
و«العيني» هو «الشخصي»، وهو ما يُدرَك بالحواس، ولذلك نُسب إلى العين، وهو أهم ما يميِّز أيَّ شيء نوعي أو فردي. ويُستخدم المصطلح ليشير إلى حادثة مفردة أو موضوع خاص، فيمكن أن نتحدث عن تفاحة حمراء، وهذا شيء عيني، أما الفاكهة فهي شيء مجرد، أي أن المعيَّن أو المتعين أو العيني يقابل المجرد أو المحسوس:
أ ) يشير المجرد إلى كيفية من كيفيات الموجود، وإلى صفة من صفاته، أما العيني فيشير إلى الموجود بالفعل.
ب) يشير المجرد إلى الوجود الذهني، أما العيني فيشير إلى الوجود الخارجي الحسي المتجسم.
جـ) يشير المجرد إلى ما هو عام ومتكرر في الظاهرة، أما العيني فيشير إلى صفاتها النوعية والفردية والفريدة.
د ) لكل ما تقدَّم، يتسم المجرد بالبساطة والوضوح ويتسم العيني بالتركيب والإبهام.
ومع هذا، يمكن القول بأن المجرد لا يمكن فصله عن العيني تماماً، فلا توجد فكرة مجردة كل التجريد، ولا شيء متعيِّن كل التعيُّن. فهذه حالات افتراضية نماذجية، إذ أن وجدان الإنسان وعقله يوجدان في المنطقة التي يلتقي فيها المجرد بالمتعين. ولذا إن تحدَّث الإنسان عن تفاحة حمراء بعينها فهو لا يستطيع أن يستبعد فكرة الفاكهة المجردة، وإن تحدَّث عن الفاكهة على وجه العموم فإنها تستدعي الثمرات المتعيِّنة المختلفة. ومع هذا، تتطلب عملية الإدراك ونحت النماذج وتشغيلها عملية تجريد (تفكيك وتركيب).
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق