970
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم:
قد تقدم لنا أنّ العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين، وبرز في العساكر لغزو الروم، ونزل بلبيس فاعتورته الامراض، واتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشرة سنة ونصف من خلافته، ولقّب الحاكم بأمر الله، واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك، وكان مدبّر دولته، وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمّار ويلقّب بأمين الدولة، وتغلّب على ابن عمّار، وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم، ونكر منجوتكين تقديم ابن عمّار في الدولة، وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض، وجهّز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان، وانهزم منجوتكين وأصحابه، وقتل منهم ألفين، وسيق أسيراً إلى مصر فأبقى عليه ابن عمّار، واستماله للمشارقة، وعقد على الشام لسليمان بن فلاح، ويكّنى أبا تميم، فبعث من طبريّة أخاه عليا إلى دمشق، فامتنع أهلها، فكاتبهم أبو تميم، وتهدّدهم وأذعنوا، ودخل على البلد ففتك فيهم. ثم قدّم أبو تميم فأمّن وأحسن، وبعث أخاه علياً إلى طرابلس، وعزل عنها جيش ابن الصمصامة فسار إلى مصر، وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمّار وأعيان كتامة، وكان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة، نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة، ونكبة أخيه شرف الدولة إياه، فخلص إلى العزيز فقرّبه، وحظي عنده، فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامة. وثارت الفتنة، واقتتل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة، واختفى ابن عمّار وأظهر برجوان الحاكم وجدّد
له البيعة، وكتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب، ونهبت خزائنه، واستمرّ القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق، واستولي الأحداث. ثم أذن برجوان لابن عمّار شي الخروج من أستاره، وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره. واضطرب الشام فانتقض أهل صور، وقام بها رجلٌ ملاّح إسمه العلاّقة، وانتقض مُفَرّج بن دغفل بن الجّراح، ونزل على الرملة، وعاث في البلاد، وزحف الدوقش ملك الروم إلى حصن أفامية محاصراً لها. وجهّز برجوان العساكر مع جيش ابن الصمصامة فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون، وأسطولاً في البحر، واستنجد العلاّقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب، فظفر بهم أسطول المسلمين. واضطرب أهل صور، وملكها ابن حمدان، وأسر العلاّقة، وُبعِثَ به إلى مصر فسلخ وصلب، وسار جيش ابن الصمصامة إلى الفرج بن دغفل فهرب أمامه، ووصل إلى دمشق وتلقّاه أهلها مذعنين، وأحسن إليهم وسكّنهم، ورفع أيدي العدوان عنهم. ثم سار إلى أفامية وصافّ الروم عندها فانهزم أولاً هو وأصحابه ،وثبت بشارة أخشيدي بن قرارة في خمسمائة فارس، ووقف الدوقش ملك الروم على رابية في ولده، وعدّة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين، فقصد كردي من مصاف الأخشيدي ،وبيده عصا من حديد يسمّى الخشت، وظنّه الملك مستأمناً، فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله، وانهزم الروم وأتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنْطاكِية يغنم ويسبى ويحرق. ثم عاد مظفّراً إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخل. واستخلص رؤساء الأحداث واستحجبهم وأُقيم له الطعام في كل يوم، وأقام على ذلك برهة. ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم، ويوضع السيف في سائرهم، فقتل منهم ثلاثة آلاف، ودخل دمشق، وطاف بها، وأحضر الأشرف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم، وبعث بهم إلى مصر، وأمّن الناس.ثم إنه توفي وولىّ محمود بن جيش، وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين، وبعث جيشاً إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها، وولّى عليها يانساً الصِقليّ. ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين، وكان خِصِيّا أبيض، وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده. ثم قتل الحسين بن عمّار، ثم الحسين بن جوهر القائد. ثم جهّز العساكر مع يارختكين إلى حلب،
وقصد حسّان بن فرج الطائي، لما بلغ من عيثه وفساده. فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسّان وأبوه مفرج فانهزم وقتل، ونهبت النواحي، وكثرت جموع بني الجرّاح، وملكوا الرملة، واستقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة.ثم استمالهما الحاكم ورغّبهما فردّاه إلى مكة، وراجعا طاعة الحاكم، وراجع هو كذلك، وخطب له بمكة. ثم جهّز الحاكم العساكر إلى الشام مع عليّ ابن جعفر بن فلاح، وقصد الرملة، فانهزم حسّان بن مفرج وقومه، وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم، وأخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة، ووصل إلى دمشق في شوّال سنة تسعين، فملكها واستولى عليها، وأقام مفرج وابنه حسّان شريدين بالقفز نحواً من سنتين. ثم هلك مفّرج، وبعث حسّان إبنه إلى الحاكم فأمّنه وأقطعه، ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق