إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

944 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) تاريخ ابن خلدون المجلد الرابع ص 3-55 القسم الأول من تاريخ العلامة ابن خلدون الدولة العلوية الخبر عن صاحب الزنج وتصاريف أمره واضمحلال دعوته:


944

تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )

تاريخ ابن خلدون

المجلد الرابع

ص 3-55

القسم الأول

من تاريخ العلامة ابن خلدون

الدولة العلوية

الخبر عن صاحب الزنج وتصاريف أمره واضمحلال دعوته:

هذه الدعوة فيها اضطراب منذ اوَّلها فلم يتم لصاحبها دولة، وذلك أنّ دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه، وكان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعتهم بالنواحي عليّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد، ولما اشتهر أمره فرّ وقتل ابن عمه عليّ بن محمد بن الحسن بن علم بن عيسى، وبقي هو متغيباً فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهدي أنه هو فلما، ملك البصرة ظهر هذا المطلوب، ولقيه صاحب الزنج حيّاً معروفا بين الناس فرجع عن دعوى نسبه وانتسب إليه إلى يحمى بن يزيد قتيل الجون، ونسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين بن عليّ، وقال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر.

ويشكل ذلك بأنّ الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلاّ من زين العابدين، قاله ابن حزم وغيره فإن أراد بطاهر، طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن



 الحسن الأصغر بن زين العابدين فتطول سلسلة نسبه، وتشتمل على إثني عشرة إلى الحسين بن فاطمة، ويبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه. والذي عليه المحقّقون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيس من قرية تسمّى ودريفن من قرى الري، وإسمه علي بن عبد الرحيم حدثّته نفسه بالتوثب، ورأى كثرة خروج الزيديّة من الفاطميين فانتحل هذا النسب وادّعاه، وليس من أهله. ويصدق هذا أنه كان خارجيّاً على رأي الأزارقة يعلن الطائفتين من أهل الجمل وصفين، وكيف يكون هذا من علويّ صحيح النسب؟ ولأجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل، وعاث في جهات البصرة، واستباح الأمصار وخرّبها، وهزم العساكر وقتل الأمراء الأكابر، واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها، من جاوبه لمكره، سنة الله في عباده.

(وسياق الخبر عنه )أنه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر، ثم سار إلى البحرين سنة تسع واربعين ومائتين فادّعى انه علويّ من ولد الحسين بن عبيد الله بن عباس بن عليّ، ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل هجر. ثم تحوّل إلى الإحساء، ونزل على بعض بني تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع، وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقت العرب عنه، ولحق بالبصرة والفتنة فيها بين البلاليّة والسعديّة، وبلغ خبره محمد بن رجاء العامل فطلبه فهرب وحبس أبنه وزوجته وبعض أصحابه، ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بن زيد الشهيد كما قلناه، وأقام بها حولاً. ثم بلغه أنّ البلالية والسعدية اخرجوا محمد بن رجاء من البصرة، وأن أهله خلصوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين، ومعه يحمى بن محمد وسليمان بن جامع.

ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمدحاني، وعلي بن أبان وعبدان غير من سمينا فنزل بظاهر البصرة، ووجّه دعوته إلى العبيد من الزنوج وأفسدهم على مواليهم ورغبّهم في العتق، ثم في الملك، واتخذ راية رسم فيها، "إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم" الآية. وجاءه موالي العبيد في طلبهم فأمرهم بضربهم وحبسهم، ثم أطلقهم. وتسايل إليه الزنوج واتبعوه، وهزم عساكر البصرة والأبلَّة وذهب إلى القادسية، وجاءت العساكر من بغداد فهزمهم، ونهب النواحي، وجاء المدد إلى البصرة مع جعلان من ّقواد الترك، وقاتلوه فهزمهم. ثم ملك الأبلّة واستباحها، وسار إلى الأهواز، وبها إبراهيم بن المدبر على الخوارج 0فافتتحها وأسر ابن



 المدير سنة ست وخمسين، إلى أن فر من محبسهم فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين، وهو يومئذ عامل البصرة وسار من واسط فهزمه علي بن أبان من قوّاد الزنج لحربهم، هزمه إلى البحرين فتحصّن بالبصرة، وزحف علي بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانه، ودخلها وأحرق جامعها، ونكب عليه صاحب الزنج فصرفه، وولّى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني.

وبعث المعتمد محمد المولد إلى البصرة فأخرج عنها الزنج، ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه0 ثم ساروا إلى الأهواز، وعليها منصور الخياط فواقع الزنج فغلبوه وكان المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمد الموفق من مكة وعقد له على الكوفة والحرمين وطريق مكة واليمن، ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز، وأمره أن يعقد ليارجوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد بن صالح. ثم انهزم سعيد بن صالح فعقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه، ثم قتله الزنج كما قلناه فأمر المعتمد أخاه الموفّق بالمسير إليهم في ربيع سنة ثمان وخمسين، وعلى مقدّمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة، وسار قائدهم عليّ بن أبان فلقي مفلحاً فقتل مفلح وانهزم أصحابه ورجع الموفّق إلى سامّرا، وكان اصطيخور ولي الأهواز بعد منصور الخيّاط، وجاءه يحيى بن محمد البحراني من قّواد الزنج، وبلغهم مسير الموفق فانهزم يحمى البحراني، ورجع في السفن فأخذ وحمل إلى سامرا فقتل وبعث صاحب الزنج مكانه عليّ بن أبان وسليمان الشعراني فملكوا الأهواز من يد اصطيخور سنة تسع وخمسين، بعد ان هزموه وهرب في السفن فغرق.

وسرحّ المعتمد لحربهم موسى بن بغا بعد أن عقد له على تلك الأعمال فبعث إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح، وإلى البصرة إسحاق بن كيداجق، وإلى باداورد إبراهيم بن سليمان، وأقاموا في حروبهم مدّة سنة ونصفها. ثم استعفى موسى بن بغا وولّى على تلك 



الأعمال مكانه مسرور البلخي، وجهّز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفقّ حربهم بعد أن عهد له بالخلافة ولقبه الناصر لدين الله الموفق، وولّي على أعمال المشرق كلها إلى آخر أصفهان، وعلى الحجاز فسار لذلك سنة أثنتين وستين واعترضه يعقوب الصفّار يريد بغداد فشغل بحربه، وانهزم الصفّار وانتزع من يده ما كان ملكه من الأهواز.

وكان مسرور البلخي قد سار إلى المعتمد وحضر معه حرب الصفّار فاغتنم صاحب الزنج خلو تلك النواحي من العسكر، وبث سراياه للنهب والتخريب في القادسيّة، وجاءت العساكر من بغداد مع أغرتمش وخشنش فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان بن جامع، وقتل خشنش. وكان علي بن أبان من قوّادهم قد سار إلى الأهواز، وأميرها يومئذ محمد بن هزار مرد الكردي فبعث مسرور البلخي أحمد بن الينونة للقائهم فغلب أولاً على الأهواز عليّ بن أبان 0ثم ظاهره، محمد بن هزار مرد والأكراد فرجع إلى السوس، وأقام علي بن أبان وصاحبه بتستر، وطمع أنه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفّار فاقتتلا، وانهزم علي بن أبان وخرج، واضطربت فارس بالفتنة.

ثم ملك الصفاّر الأهواز وواعد الزنج، وسار سليمان بن جامع من قوّاد الزنج، وولّى الموفّق على مدينة واسط أحمد بن المولد، فزحف إليه الخليل بن أبان فهزمه، واقتحم واسطاً واستباحها سنة أربع وستين وضربت خيولهم في نواحي السواد إلى النعمانية إلى جرجراًيا فاستباحوها، وسار علي بن ابان إلى الأهواز فحاصرها، واستعمل الموفق عليها مسروراً البلخيّ فبعث تكيد البخاريّ إلى تستر فهزمهم علي بن أبان وجماعة الزنج، وسألوه الموادعة فوادعهم واتهمه مسرور فقبض عليه، وبعث مكانه اغرتمش فهزم الزنج أولاً ثم هزموه ثانياً فوادعهم. ثم سار علي بن أبان إلى محمد بن هزارمرد الكرديّ فغلبه على رامهرمز حتى صالحه عليها على مائتي ألف درهم، وعلى الخطبة له في أعماله. ثم سار ابن أبان لحصار بعض القلاع بالأهواز، فزحف إليه مسرور البلخيّ فهزمه واستباح معسكره.

وكان الموفق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العبّاس سنة ست وستين فم عشرة آلاف من المقاتلة، ومعه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بان سليمان بن جامع اقبل



 في المقاتلة، والسفن براً وبحراً وعلى مقدمته الجناني، ولحقهم سليمان بن موسى الشعراني بالعساكر، ونزلوا من الطفح إلى أسفل واسط فسار إليهم أبو العبّاس فهزمهم فتأخروا وراءهم وأقام على واسط يرددّ عليهم الحروب والهزائم مرة بعد أخرى ،ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان وابن جامع أن يجتمعا الحرب أبي العبّاس بن الموفق، وبلغ ذلك الموفّق فسار من بغداد في ربيع سنة سبع وستين فانتهى إلى المنيعة، وقاتل الزنج فانهزموا أمامه واتبعهم أصحاب أبي العبّاس إبنه فاقتحموا عليهم المنيعة وقتلوا وأسروا، وهدم سور المنيعة وطمس خندقها، وهرب الشعراني وابن جامع0 وسار أبو العباس إلى المنصورة بطهشا فنازلها وغلب عليها، وأفلت ابن جامع إلى واسط وغلب على ما فيها من الذخائر والأموال، وهدم سورها

وطمّ خنادقها ورجع إلى واسط. ثم سار الموفّق إلى الزنج بالأهواز واستخلف ابنه هرون على جنده بواسط، وجاءه الخبر برجوع الزنج إلى طهشا والمنصورة ،فردّ إليهم من يوقع بهم، ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس وعليّ بن أبان بالأهواز، فسار إلى صاحبه واستأمن المخلفون هنالك إلى الموفّق فأمّنهم، وسار إلى تستر وأمّن محمد بن عبد الله الكردي، ثم وافى الاهواز وكتب إلى ابنه هرون أن يوافيه بالجند بنهر المبارك من فرات البصرة ،وبعث ابنه أبا العبّاس لحرب الخبيث بنهر أبي الخصيب وأستأمن إليه جماعة من قوّاده فأمّنه وكتب إليه بالدعوة والأعذار، وزحف إليه في مدينته المختارة له، وأطلق السفن في البحر وعبّى عساكره وهي نحو من خمسين ألفاً والزنج في نحو من ثلاثمائة ألف مقاتل، ونصب الالات ورتّب المنازل للحصار، وبنى المقاعد للقتال واختطّ مدينة الموفقية لنزوله، وكتب بحمل الأموال والميرة إليها فحملت، وقطع الميرة عن المختارة، وكتب إلىظالبلاد بإنشاء السفن والاستكثار منها، وقام يحاصرها من شعبان سنة سبع وستين إلى صفر من سنة سبعين.

ثم اقتحم عليهم المختارة فملكها وفّر الخبيث وابنه انكلاي وابن جامع إلى معقل أعده، واتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه، وأمرهم من الغد باتباعه فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ابن جامع. ثم قتل صاحب الزنج وجيء برأسه، ولحق انكلاي بالديناري في خمسة آلاف، ولحقهم أصحاب الموفق فظفروا بهم وأسروهم أجمعين. وكان درمونة من قواده قد لحق 



بالبطيحة، واعتصم بالمغايض والآجام ليقطع الميرة عن أصحاب الموفّق. فلما علم بقتل صاحبه استأمن إلى الموفّق فأمنّه. ثم أقام الموفق بمدينته قليلا وولى على البصرة والأبلة وكوردجلة، ورجع إلى بغداد فدخلها في جمادى سنة سبعين، وكان لصاحب الزنج من الولد محمد ولقبه انكلاي، ومعناه بالزنجية ابن الملك، ثم يحيى وسليمان والفضل حبسوا في المطبق إلى أن هلكوا. والله وارث الأرض ومن عليها.


يتبع 

يارب الموضوع يعجبكم 
تسلموا ودمتم بود 
عاشق الوطن 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق