إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

939 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) المجلد الثالث القسم الخامس من تاريخ العلامة ابن خلدون ص 509 - حتى النهاية الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد ومبادى أمورهم وتصاريف أحوالهم:


939

تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )

المجلد الثالث

القسم الخامس

من تاريخ العلامة ابن خلدون

 ص 509 - حتى النهاية


الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض 
الخلافة ببغداد ومبادى أمورهم وتصاريف أحوالهم:



لمّا هلك المستعصم ببغداد، واستولى التتر على سائر الممالك الإِسلامية فافترق شمل الجماعة، وانتثر سلك الخلافة، وهرب القرابة المرشحون، وغير المرشحين، من قصور بغداد فذهبوا في الأرض طولاً وعرضاً، ولحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر، وهو عم المستعصم وأخو المستنصر، وكان سلطانها يومئذ الملك الظاهر بيبرس، ثالث ملوك الترك بعد بني أيوب بمصر والقاهرة فقام على قدم التعظيم، وركب لتلقيه وسر بقدومه، وكان وصوله سنة تسع وخمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة، وحضر القاضي يومئذ تاج ابن بنت الأغر فأثبت نسبه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة، ولم يكن شخصه خفياً، وبايع له الظاهر وسائر الناس، ونصبه للخلافة الإِسلامية ولقبوه المستنصر، وخطب له على المنابر، ورسم إسمه في السكّة. وصدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان، وفوّض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله، وكتب تقليده بذلك؛ وركب السلطان ثاني يومه إلى خارج البلد، ونصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا وقرأ كتاب التقليد.وقام السلطان بأمر هذا الخليفة ورتب له أرباب الوظائف والمناصب الخلافية من كل طبقة، وأجرى الأرزاق السنية وأقام له الفسطاط والآلة. ويقال أنفق عليه في معسكره ذلك ألف ألف دينار من الذهب العين، واعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الإِسلام من يد أهل الكفر. وقد كان وصل على أثر الخليفة صاحب الموصل، وهو إسماعيل الصالح بن لؤلؤ، أخرجه التتر من ملكه بعد مهلك أبيه فامتعض له الملك الظاهر، ووعده باسترجاع ملكه وخرج آخر هذه السنة مشيعاً للخليفة ولصالح بن لؤلؤ، ووصل بهما إلى دمشق فبالغ هنالك في تكرمتهما، وبعث معهما أميرين من أمرائه مدداً لهما، وأمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات. فلما وصلوا الفرات بادر الخليفة بالعبور، وقصد الصالح بن لؤلؤ الموصل، واتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر للقائه، والتقى الجمعان بعانة، وصدموه هنالك فصادمهم قليلاً؛ ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة، وأبلى في جهادهم طويلاً ثم استشهد







 رحمه الله. وسارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح إسمعيل بها سبعة أشهر، وملكوها عليه عنوة، وقتل رحمه الله. وتطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أصل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الإِسلامية، وبينما هو يسائل الركبان عن ذلك إذ وصل رجل من بغداد ينسب إلى الراشد بن المسترشد. قال صاحب حماة في تاريخه عن نسابة مصر: أنه أحمد بن حسن بن أبي بكر ابن الأمير أبي علي ابن الأمير حسن بن الراشد. وعند العباسيين السليمانيين في درج نسبهم الثابت أنه أحمد بن أبي بكر بن علي بن أحمد بن الإمام المسترشد، انتهى كلام صاحب حماة. ولم يكن في آبائه خليفة فيما بينه وبين الراشد. وبايع له بالخلافة الإِسلامية ولقبه الحاكم، وفوض هو إليه الأمور العامة والخاصة، وخرج هو له عن العهدة وقام حافظاً لسياج الدين بإقامة رسم الخلافة. وعمرت بذكره المنابر، وزينت بإسمه السكة، ولم يزل على هذا الحال أيام الظاهر بيبرس، وولديه بعده؛ ثم أيام الصالح قلاون وابنه الأشرف، وطائفة من دولة ابنه الملك الناصر محمد بن قلاون إلى أن هلك سنة إحدى وسبعمائة، ونصب ابنه أبو الربيع سليمان للخلافة بعده، ولقبه المستكفي. وحفظ به الرسم وحضر مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون للقاء التتر في النوبتين اللتين لقيهم فيها فاستوحش منه السلطان بعض أيامه، وأنزله بالقلعة، وقطعه عن لقاء الناس عاماً أو نحوه. ثم أذن له في النزول إلى بيته ولقائه الناس إذا شاء، وكان ذلك سنة ست وثلاثين. ثم تجددت له الوحشة وغربه إلى قوص سنة ثمان وثلاثين؛ ثم هلك الخليفة أبو الربيع سنة أربعين قبل مهلك الملك الناصر رحمهما الله تعالى. وكان عهد بالخلافة لابنه أحمد فبويع له، ولقب الحاكم ثم بدا للسلطان في إمضاء عهد أبيه بذلك فعزله، واستبدل منه بأخيه إبراهيم، ولقبه الواثق. وكان مهلك الناصر لأشهر قريبة من ذلك فأعادوا أحمد الحاكم ولي عهد أبيه سنة إحدى وأربعين، وأقام في الخلافة إلى سنة ثلاث وخمسين. وهلك رحمه الله فولي من بعده أخوه أبو بكر ولقب المعتضد، ولم يزل مقيماً لرسم الخلافة إلى أن هلك لعشرة أعوام من خلافته سنة ثلاث وستين، ونصب بعده ابنه محمد ولقب المتوكل فأقام برسم الخلافة، وحضر مع السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر عام انتقض عليه الترك في طريقه إلى الحج. وفسد أمره، ورجع الفلّ إلى مصر وطلبه أمراء الترك في البيعة له بالسلطنة مع الخلافة فامتنع من ذلك. ثم

 خلعه أيبك من أمراء الترك المستبدّين أيام سلطانه بالقاهرة سنة تسع وتسعين لمغاضبة وقعت بينهما. ونصّب للخلافة زكريا ابن عمّه إبراهيم الواثق فلم يطل ذلك، وعزل زكريا لأيام قليلة، وأعاده إلى منصبه إلى أن كانت واقعة قرط التركماني من أمراء العساكر بمصر ومداخلته للمفسدين في الثورة بالسلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق سنة خمس وثمانين ؛ وسعى عند السلطان بأنه ممن داخله قرط هذا فاستراب به وحبسه بالقلعة سنة ستين وأدال منه بعمر ابن عفه الواثق إبراهيم ولقبه فأقام ثلاثاً أو نحوها ثم هلك رحمه الله آخر عام ثمانية وثلاثين، ونصب السلطان عوضه أخاه زكريا الذي كان أيبك نصبه كما قدمنا ذكره. ثم حدثت فتنة بليقا الناصري صاحب حلب سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. وتعالى على السلطان بحبسه الخليفة، وأطال النكير في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمد المتوكل من محبسه بالقلعة، وأعاده إلى الخلافة على رسمه الأول، وبالغ في تكرمته وجرت فيما بين ذلك خطوب نذكر أخبارها مستوفاة في دولة الترك المقيمين لرسم هؤلاء الخلفاء بمصر. وإنما ذكرنا هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة فقط، دون أخبار الدولة والسلطان. وهذا الخليفة المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة، والمعين لإقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة، والمبرك بذكره على منابر هذه الإيالة تعظيماً لأبيهم الظاهر، وجرياً على سنن التبرك بسلفهم، ولكمال الإيمان في محبتهم، وتوفية لشروط الإمامة بينهم. وما زال ملوك الهند وغيرهم من ملوك الإِسلام بالنواحي يطلبون التقليد منه، ومن سلفه بمصر، ويكاتبون في ذلك ملوك الترك بها من بني قلاون وغيره فيجيبونهم إلى ذلك، ويبعثون إليهم بالتقليد والخلع والأبهة، ويمدون القائمين بأمورهم بمواد التأييد والإعانة بمن الله وفضله.

تم المجلد الثالث ويليه المجلد الرابع

وأوله أخبار الدولة العلوية

نهاية المجلد الثالث

مع تمنياتى لكم بالتوفيق


يتبع 

يارب الموضوع يعجبكم 
تسلموا ودمتم بود 
عاشق الوطن 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق