إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 مايو 2014

1417 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> العصر الذهبي للأدب ا -> لوبي دي فيجا 4- لوبي دي فيجا 1562 - 1635



1417


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> العصر الذهبي للأدب ا -> لوبي دي فيجا

4- لوبي دي فيجا


1562 - 1635


كثر كتاب المسرحية في ذلك العصر النشيط كثر الشعراء. كان المسرح هنا، شأنه في إنجلترا المعاصرة، بدعة مرتجلة إلى ذلك الحين، فالممثلون الجوابون يسرحون بفنهم على المدن مفلسين، ومحكمة التفتيش تصدر حظرا على جميع التمثيليات (1520) في كفاحها للهيمنة على جلافة تمثيلياتهم الفكاهية فلما أصبحت مدريد مقرا للملك (1516)، استأذنت فرقتان تمثيليان الملك في الاستقرار فيها، فأذن، ورفع الحظر الكنسي (1572)، وبنى مسرحان، تياترو دلاكروز (مسرح الصليب) وتياترو دلبرنسيبي (مسرح الملك) -


?
    صفحة رقم : 9825    


يعبر الاسمان عن أهم ولاءات اسبانيا وأقواها. وما وافى عام 1602 حتى قامت المسارح أيضا بلنسية، واشبيلية، وبرشلونة، وغرناطة، وطليطلة، وبلد الوليد، وفي عام 1632 كان في مدريد ألف ممثل، وفي قشتالة ستة وسبعون من الكتاب المسرحيين، وكن الخياطون والباعة والرعاة يكتبون التمثيليات. ولم تحل سنة 1800 حتى كانت أسبانيا قد استمعت إلى ثلاثين ألفا من مختلف التمثيليات. ولا يذكر التاريخ بلدا آخر، حتى إنجلترا الاليزبيثية، انتشى بمثل هذه النشوة المسرحية.
وتطور شكل المسرح من الأفنية - المحاطة بالبيوت والمواقف المؤقتة - التي كانت تمثل فيها المسرحيات الأولى؛ وصممت المسارح الدائمة صفوفا من المقاعد وألواحاً تحيط بمكان مسيج، وكانت الملابس أسبانية أياً كان مكان التمثيلية أو زمانها، ولا نظارة خليطاً من جميع الطبقات، والنساء يختلفن إلى المسرح ولكنهن يجلسن في قسم خاص بهن ويلبسن الاقنعة الثقيلة. وكان الممثلون يعيشون عيشة قلقة هبطت بمعنوياتهم، بين المجاعات والولائم، يتعزون عن الفاقة والتشرد بالفوضى وحلو الاماني. ونال بعض »النجوم« الذكور من الثراء والشهرة ما أدار رؤوسهم، فراحوا يختالون في أهم شوارع مدريد وهم يصلحون سيوفهم ويفتلون شواربهم، ونامت بعض كبريات المغنيات مع الملوك في مضاجعهم.
أما ملك المسرح الاسباني فهو لوبي فيلكس دي فيجر كاربيو. ففي عام 1647 اضطرت محكمة التفتيش إلى حظر»قانون إيمان« منشور مطلعه »أؤمن بلوبي دي فيجا ضابط الكل، شاعر السماوات والأرض«(40) ولعل كاتبا آخر في التاريخ لم يحظ بمثل هذه الشهرة في جيله. ولم يقتصر معظم هذه الشهرة على أسبانيا دون غيرها من الاقطار إلا لصعوبة ترجمة الشعر المقفى، ولكن حتى مع هذا القيد كانت مسرحياته تمثل بالاسبانية في نابلي وروما وميلان، وانتحل اسمه في فرنسا وإيطاليا لمسرحيات لم يكتبها، وذلك اغراء للجماهير بحضورها.


?
    صفحة رقم : 9826    


ولد في مدريد قبل مولد شكسبير بعامين لأسرة فقيرة ولكنها - كما يؤكدون - عريقة. فلما ناهز الرابعة عشرة هرب من البيت والمدرسة وتطوع في الجيش وشهد بعض المعارك الدامية في الازورة. ثم أحب، ولكنه أنقذ نفسه دون ان يصاب بجراح طفيفة، وكتب »ابجرامات« سافلة في حق السيدة النبيلة، فقبض عليه بتهمة القذف، ونفي من مدريد. ولكنه تسلل إلى المدينة، وفر مع ايزابيل دي أوربينا، وتزوجها، فطورد، والتحق بالارمادا تهربا من القانون. وقد شارك في هزيمة الاسطول، ومات أخوه القتيل في المعركة بين ذراعيه. وتركه موت زوجته حرا ولكنه تورط في مشاكل أخرى. فقد انجب طفلين من الممثلة ميكالا دي لوخان(41)، وتزوج ثانية، واصبح موظفا في محكمة التفتيش (1609)، ثم فقد زوجته الثانية، ورسم قسيسا (1614؟) ووقع في أكثر من غرام(42).
أما أسبانيا فقد اغتفرت له خليلاته لقاء مسرحياته. فقد كتب منها زهاء ألف وثمانمائة، بالإضافة إلى أربعمائة »فصول مقدسة« قصيرة تمثل في الاحتفالات الدينية. وذاع عنه أنه ألف عشر تمثيليات في أسبوع واحد، وتمثيلية قبل الفطور، وتقهقر سرفانتس يائسا امام هذا السيل الجارف، وسمى منافسه »وحش الطبيعة«. كان لوبي »كوميديا فنية« في ذاته؛ فهو يؤلف المسرحية وهو يرتجلها. وإذا كان ينجب بمثل هذه الخصوبة المستهترة، فأنه لم يزعم لنفسه تفوقا في الفن أو الفلسفة. وقد اعترف بلطف في كتابه »الفن الجديد في كتابة المسرحيات« انه إنما يكتب ليرتزق، ومن ثم فهو يزود الجمهور بما يروقه(43). وما كان ليطبع تمثيلياته لولا قراصنة الناشرين الذين درجوا على ايفاد رجال ذوي ذاكرة معجزة إلى حفلاته، وكان في استطاعة هؤلاء الرجال بعد الاستماع إلى المسرحية ثلاث مرات أن يتلوها عن ظهر قلب ويقدموا نصا محرفا للناشرين الذين لا يدفعون للمؤلف فلسا واحدا. وذات مرة أبت فرقة لوبي أن تمضي في تمثيل المسرحية ما لم يطرد


?
    صفحة رقم : 9827    

عجيبة من عجائب الذاكرة هؤلاء خارج القاعة(44) - فنشرها قد يهبط بعدد روادها. على أن لوبي نشر في عناية وحب رواياته الشعرية - اركاديا« وسان ايسيدرو، واورشليم المفتوحة، ولاهور موسورا دي أنجليكا، ولا دوروتيا، وكلها مشجية متوسطة الجودة.
والحبكة في مسرحياته هي كل شيء، أما الشخوص فقلما تحظى من مؤلفها بدراسة وثيقة، ويخيل للمرء أنه يصدق على هذه المسرحيات ما قاله ثورو في الصحف - وهو أنك لو غيرت أسماءها وتواريخها لا أكثر، لوجدت المحتوى دائماً هو هو. فالقصة تدور في كل الحالات تقريباً حول عاملين: الدفاع عن العرض، ثم من يضاجع السيدة. أما جمهور النظارة فلم يكن يمل قط من معالجة الموضوع الثاني في صور متنوعة، لأنه حرم ممارسة أي من صوره هو. وكان خلال ذلك يستمتع بالفكاهة العارضة،والحوار لذكي، والشعر العاطفي الذي يتدفق سريعا رشيقا من أفواه النساء الحسان والرجال البواسل. وهكذا اتخذت روح الرومانسيات، التي لم تنقرض قط، حياة جديدة على المسرح الأسباني.
وأشهر مسرحيات لوبي هي »نجمة إشبيلية«. ففي هذه المسرحية يفد سانشو الشجاع ملك قشتالة على إشبيلية، فيطري بهاء شوارعها، ولكنه يطلب إلى مستشاره أرياس أن يزيده حديثا عن نسائها بنوع خاص:
»الملك: ثم نساؤها ذوات الحسن السماوي، لم لا تحدثني عنهن؟ ...قل لي، ألا تلتهب عواطفك ببهاء مفاتنهن؟
أرياس: أن الدونا ليونور دي بييرا بدت لي كأنها السماء المنيرة ذاتها، ففي وجهها أشق ضياء شمس الربيع.
الملك: إن في وجهها شحوباً كثيراً ... أريد شمساً تحرق ولا تجمد.
أرياس: إن المرأة التي ألقت إليك الورود هي الدونا منثيا كورونيل.
الملك: سيدة جميلة، ولكني رأيت أجمل منها... واحدة منهن


?
    صفحة رقم : 9828    

تفيض حسنا ولم تذكرها ... فمن تلك التي لفتت نظري من شرفتها، فخلعت لها قبعتي؟ من هي التي أرسلت عيناها البرق كصواعق جوبيتر وراشت سهامها الفتاكة في قلبي ؟
أرياس: اسمها الدونا ستيللا تابيرا، وتسميها اشبيلية نجمتها إطراء لها.
الملك: وقد يخلق بها أن تسميها شمسها ... لقد قادني نجمي الهادي إلى اشبيلية ... فكيف السبيل إلى رؤيتها والتحدث إليها ايها الدون أرياس ؟
يا له من حلم تضطرم له أعماق نفسي!«(45)
على أن ستيللا تشق الدون سانتشو أورتيث، وهي تفرض في غضب ما عرضه عليها أرياس من السماح للملك بالتمتع بـ »حق السيد«. ولكن أرياس يرشو الخادمة لتدخل الملك إلى مخدع مولاتها، ويدخل بوستوس شقيق ستيللا الوفي في اللحظة التي يجب فيها الدفاع عن العرض، فيكف الملك، ويكاد يقتله، ولكنه إجلالاً لمنصبه يخلي سبيله، مزدري ولكن دون أن يمسه سوء. وبعد ساعة يشهد الملك جسد الخادمة التي قبلت الرشوة مشنوقا فوق سور قصره. ويرسل في طلب أورتيث، ويسأله هل ولاءه لمليكه لا يعرف الحدود، فيلتقي جواباً فخوراً مرضيا، ومن ثم يأمر بقتل بوستوس. ويلتقي أورتيث بوستوس ويتسلم منه رسالة من ستيللا تقول إنها تبادله الحب وتقبل تودده، فيشكره، ثم يقتله، ويكاد يختلط عقله، ويخشى الملك ثورة الشعب، فيخفي عنه أن اغتيال بوستوس كان بأمر منه. ويقبض على أورتيث ويكاد يعدم لولا أن ستيللا تجد الوسيلة لإطلاقه. ولكن القصة لا تنتهي نهاية سعيدة، فقد اتفق العاشقان على أن القتل قد سمم غرامهما إلى الأبد.
لقد أصبح لوبي معبود مدريد بعد أن أخرج ألف مسرحية من هذا النوع. وأغدق عليه الخاصة والعامة الاعجاب، وبعث إليه البابا بصليب مالطة ودرجة الدكتوراه في اللاهوت. وكان إذا خرج إلى الشوارع تزاحمت حوله الجماهير التواقة للقائه، وقبلت النساء والأطفال يديه طالبين منه


?
    صفحة رقم : 9829    

البركة. وأطلق اسمه على كل شيء تميز في بابه: فهناك خيل لوبي، وشمام لوبي، وسيجار لوبي(46). اما الناقد الذي يجد فيه عيبا فيعيش كل يوم في خوف الموت على يد أنصار الشاعر الأوفياء.
على أنه لم يكن سعيدا برغم هذا كله. كان ينقد أجرا لا باس به عن مسرحياته، ولكنه ينفق أو يهب ماله بمجرد كسبه، وبعد أن أصاب هذا التوفيق الكثير أدركه الفقر واضطر إلى التماس المعونة من فليب الرابع-الذي أرسل له مهرا سخيا برغم إفلاسه. ولكن أحزانه كانت أفتك به من فقره. فقد دخلت ابنته مارثيلا الدير، والتحق ابنه لوبي بالبحرية وغرق، وهربت ابنته انطونيا مع كريستوبال تونوريو آخذة معها عددا كبيرا من تحف أبيها القيمة. وتبرأ منها لوبي، وهجرها كريستوبال. ووقر في نفس لوبي أن هذه المحن ليست سوى عقاب من السماء على آثامه، فحبس نفسه في حجرة وأضعف جسده بفرط الصيام حتى تلوثت الجدران بدمه. وفي 23 أغسطس 1635 نظم آخر قصائده »السجلو دي أورو« (القرن الذهبي) ومات بعد أربعة ايام وقد بلغ الثالثة والسبعين. ومشت تصف مدريد في مشهده الذي عرج على الدير ليمكن ابنته من أن تقرئه تحية الوداع من نافذة صومعتها. وهكذا مُثَّل تمجيد الناس له على هذا المسرح الشعبي الكبير.
إننا لا نستطيع أن نعتبره ضريباً لشكسبير كما فعل فولتير. ولكننا تقول فيه إنه بعبقريته العامة، وشعره الجياش، وشخصيته المحببة المشرقة خلال ألف مسرحية، أرتفع إلى ذروة العصر الذهبي الأدبية التي لم يطاوله فيها سوى سرفانتس وكالديرون.


    صفحة رقم : 9830    

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق