إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 2 مايو 2014

1412 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> فخامة أسبانيا وانحطا -> فيليب الرابع 4- فيليب الرابع 1621 - 1665






1412


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> صراع العقائد على الس -> فخامة أسبانيا وانحطا -> فيليب الرابع

4- فيليب الرابع


1621 - 1665


خالف الولد أباه في كل شيء إلا الإسراف. ونحن نعرفه ظاهراً من الصور الكثيرة التي رسمها له فيلاسكويز، ففي متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك يطالعنا وهو بعد في التاسعة عشرة (1624)، فتى وسيماً أشقر الشعر متفتحاً للحياة، وفي متحف الصور الأهلي بلندن نراه مرحاً واثقاً بنفسه في السابعة والعشرين، ثم بديناً وقوراً في الخمسين، وفي البرادو نراه في خمس مراحل بين البهاء والانحلال، كذلك نرى صورة في فلورنسة وتورين ، وفينا، وسنسناتي - لا بد أن هذا الرجل أنفق نصف حياته في مرسم فيلاسكويز. ولكن هذه اللوحات لا تكشف إلا عن ملامحه الرسمية، فهو لم يكن في حقيقته بهذه الرزانة والكبرياء، وقد تكون اكثر انصافاً في تصوره إذا تأملنا أطفاله في لوحات في لوحات فيلاسكويز، وأغلب الظن أن أحبهم حباً يفوق العقل كما نحب أطفالنا. كان في صميمه رجلاً


?
    صفحة رقم : 9794    


لطيفاً، كريماً مع الفنانين والمؤلفين والنساء؛ بل نصف قديس كأبيه؛ بل مستمتعاً بالطعام، والجنس؛ والتمثيليات، والصور؛ وحياة البلاط، والصيد، عازماً على أن ينهل من الحياة ما استطاع حتى في بلد محتضر كأسبانيا.
ولعل استطابته الخالصة للحياة هي صاحبة الفضل في ازدهار الشعر والدراما؛ والتصوير والنحت، في عهده ازدهارا لم تشهد اسبانيا له نظيرا من قبل ولا من بعد. كان إذا بدت لذاته مشتطة في فوضاها استكثر من الصلوات؛ واعتمد على نياته الطيبة في أن تعبد له الطريق إلى السماء. أنجب من الأطفال غير الشرعيين اثنين وثلاثين، أعترف منهم بثمانية(45). وإذا لم يكن في وقته متسع لشئون الحكم، فقد فوض بسلطاته وواجباته رجلاً من أبرز الشخصيات في دبلوماسية القرن السابع عشر.
هذا الرجل-الدوق جاسبار دي جوزمان، كونت أوليفاريس- جرت حياته موازية ومعارضة لحياة ريشليو. فقد لعب هذا الكونت العظيم مع الكردينال الداهية، طوال واحد وعشرين عاما (1621-42)، لعبة دامية من الذكاء والحرب للتسيد على أوربا. وقد أطلعنا فيلاسكويز على شخصية أوليفارس- رجل خلا من الخوف والملامة، فيه كل عدوان القوة، تلتف شواربه الكبيرة المشذبة كأنها سيف معقوف رهيب، وعباءات منصبه وأحزمته وسلاسله ومفاتيحه تنطق بالسلطة(46). أما العيوب التي شابت خلقه، وهي الغطرسة والنزق والعناد الشديد؛ وعكوفه الشديد على خدمة أسبانيا. وأمانته الصريحة في بيئة فاسدة، واحتقاره للذات الدنيا إلا ان تكون سبيلا لإرباك الملك، وقصده في الطعام وبساطة حياته الخاصة؛ ومساندته الحارة للآداب والفنون. وقد ناضل مخلصا للتخفيف من الرذائل، واوقف الرشوة، ولرد الأموال المختلسة إلى الخزانة؛ وللتقليل من نفقات بلاط الملك؛ ولفرض الاقتصاد والاعتدال


?
    صفحة رقم : 9795    

في اللباس والأثاث، وحتى للحد من قسوة محكمة التفتيش. اضطلع بكل أعباء الحكم، والسياسة، والدبلوماسية، والحرب، فكان يبدأ مهام يومه قبل طلوع الفجر ويواصلها حتى بعد أن يخر إعياء. وكانت اللعنة التي ابتلي بها ما عمد إليه ريشليو-بمثل هذا التفاني-من استنزاف لقوة الهايسبورج في النمسا وأسبانيا في بطئ، ودهاء وعناد. وقد اقتضى لقاء هذا التحدي الرهيب وجود الجيوش في قتلونيا والبرتغال وفرنسا ونابلي ومانتوا والممرات الفالتلينية والأراضي المنخفضة، وفي بالوعة حرب الثلاثين سنة الشاسعة الدامية. ولكن الجيوش تحتاج إلى المال، والمال يتطلب فرض الضرائب. لذلك رفع »القبالة« أي ضريبة البيوع إلى 14%، فاختفت التجارة؛ وكان الجباة يختلسون ثلثي الضرائب قبل أن يصل باقيها إلى الخزانة. وهكذا أوهن أوليفاريس، بعزيمة وطنية، اقتصاد أسبانيا لينقذ سطوتها السياسة.
وليس حتما أن نتتبع كل تحركات لعبة الشطرنج الدامية هذه، فهي لا تضيف شيئاً إلى معرفتنا او تقديرنا للبشرية. لقد كانت صراعاً بين القوة لا بين المبادئ، صراعا يغفل فيه كل طرف مذهبه في سبيل الانتصار العسكري، فنرى ريشليو يمول الجيش البروتستنتية في ألمانيا ضد النمسا الكاثوليكية: واوليفاريس يبعث 300.000 دوكاتية كل سنة لدوق روهان ليطيل أمد ثورة الهيجونوت في فرنسا(47). وتحطمت اسبانيا في النهاية، فقضى الهولنديون على قوتها في البحر في معركة دوانز(1639). وقضى الفرنسيون على قوتها في البر في روسيون (1642) وروكروا (1643) وانتهزت البرتغال وقتالونيا فرصة ضعف أسبانيا فانتزعتا حريتهما (1640). وخاضت جمهورية قتالونيا الحرب ضد قشتالة مدى تسعة عشر عاما بمعونة فرنسا. وأخيرا طرد الملك اللطيف وزيره على كره بعد أن كان محل ثقته خلال عشرات الكوارث (1643). وفر اوليفارس من مدريد المناوئة إلى منفاه الاختياري في تورو البعيدة، وهناك مات مخبولا بعد سنتين.


?
    صفحة رقم : 9796    


واضطلع فليب بالمهمة شخصياً إلى حين. فخفض نفقاته وكرس نفسه مخلصا للحكم. غير أن أسباب اضمحلال أسبانيا كانت فوق ادراكه أو سيطرته. واستمرت الحرب، ولم تخفف الضرائب، وتناقص الانتاج، وتقلص السكان. وفي صلح وستفاليا (1648) كانت أسبانيا عاجزة، فاضطرت إلى النزول عن الاستقلال للأقاليم المتحدة، بعد حرب عقيمة امتدت قرابة قرن من الزمان. وختم صلح البرانس (1659) بخاتمة امتدت قرابة قرن من الزمان. وختم صلح البرانس (1659) بخاتمة مصدقا على السيادة الفرنسية في أوربا. وسط هذه النكبات ماتت ايزابيللا البوريونية زوجة فليب الوفية الصابرة (1644)، ولحق بها بعد عامين ولدها الوحيد الباقي على قيد الحياة، دون بالنازار كارلوس، الذي صوره فيلاسكويز، بأسلوب خلاب. ولم يبق للملك غير طفلة شرعية واحدة هي ماريا تريزا، التي زوجها للويس الرابع عشر. وإذ كان فليب تواقاً لوريث لملكه فقد تزوج (1649) وهو في الرابعة والأربعين أبنة أخ لا تتجاوز الرابعة عشر ربيعاً، هي ماريانا النمساوية التي كانت مخطوبة لبالتازار، فمنحته ولدين: فليب ابروسير الذي مات في الرابعة، وولدا آخر أصبح فيما بعد كارلوس سيجوندو (شارل الثاني). أما الملك المرهق، الذي هد قواه حصى المرارة، وأوهنه نزف البواسير، ولم يكف عن مطاردته الرهبان المتجرون بالسحر، فقد استسلم للموت (1665) تعزيه فكرة وجود وريث له، ولكنه اعفي من العلم بأن ولده نصف الأبله هذا سيوصى بملك أسبانيا كله لفرنسا.


    صفحة رقم : 9797    

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق